رواية تستعيد الخطاب التراثي الشفوي لمنطقة دكالة صدر أخيرا للكاتب والشاعر العياشي ثابت رواية موسومة بعنوان "صباغة الحمير"، مستلهمة حسب الكاتب من الخطاب التراثي الشفوي المغربي. وتتخذ الرواية من الأسواق الأسبوعية في بادية دكالة مجالها المكاني، ومن حقبة الحماية وما بعدها إلى الآن مجالها الزماني، تنطلق من واقعة "صباغة الحمير" المعروفة والمتداولة في أوساطنا، والساخرة أيضا، لترصد مختلف الصباغات التي وسمت واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والأخلاقي ... وهي صباغات طارئة، لسان حالها أن كل التغيرات الحاصلة في العمران لم تنعكس بشكل إيجابي على الإنسان... مما جعل الواقع أشبه بكائن أنيق الثياب، مصفف الشعر، جذاب المظهر، لكنه تعيس النفس، كئيب المشاعر، قاصر الأمل في المستقبل. ويتتبع الكاتب خطوات بطل الرواية "عباس" عبر تنقلاته بين سوق وأخرى، في حكي أنثروبولوجي، يوثق لما يمثله السوق في الذاكرة الجمعية، الشعبية على الخصوص، ويبرز مختلف التحولات التي عرفتها أسواقنا عبر فترة تمتد من الحماية الفرنسية مرورا بمرحلة الاستقلال، وصولا إلى مرحلة خاصة ودقيقة، عرفت ثورة تكنولوجية وإعلامية غير مسبوقة، وأثرت بشكل ملحوظ على الحياة النفسية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها، وساهمت بشكل كبير في توليد الإحساس بالحنين إلى الماضي، ماضي الأسواق وما تشكله في ذاكرتنا ووجداننا. تسلط أحداث الرواية الضوء على كثير من مظاهر الحياة في باديتنا الدكالية بوجه خاص، والمغربية بوجه عام، في قالب يتأرجح بين الحنين الواعي والسخرية الهادفة. ولعل نقطة الضوء والأمل هي ما تجسد في تشبث البطل بوصية والده الذي استأمنه على "الخيمة" ، وفي ذلك إشارة إلى التشبث بهويتنا وقيمنا النبيلة، رغم كل المتغيرات والعراقيل والمخاوف. الرواية ترصد رحلات متكررة بين الأسواق بباديتنا المغربية، وتحديدا بمنطقة دكالة، وما تحبل به من ثراء تراثي، وما تعكسه من صراعات وتفاعلات وتناقضات وتجاذبات، وما تفرزه من مظاهر الغش والخداع والنفاق وتهاوي القيم النبيلة. ف"صباغة الحمير" التي عرفت بها بعض المناطق في البوادي، ما هي إلا مظهر ساخر من مظاهر التغيير الحاصل في القيم والسلوكات المتباينة داخل المجتمع على كل المستويات. وهي إذ توثق لمختلف المظاهر والظواهر الثقافية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية وغيرها، تقف أيضا على مختلف التحولات التي طرأت على الأسواق على امتداد زمني يبدأ من مرحلة الحماية الفرنسية ويستمر إلى المرحلة الراهنة. وسبق للكاتب والشاعر العياشي ثابت أن صدرت له رواية بعنوان "قوس قزم" (اختيرت ضمن أشهر عشر روايات مغربية)، و ديوان شعري "صفير فوق العادة"، ومجموعة قصصية "كتاب ممر الراحلين"، وحكايات بعنوان "نوسطالجيا بلدية"، وديوان زجل "ما صدقتيش"، وكتاب مشترك بعنوان "فسيفساء الإبداع"، ثم تأليف مشترك بعنوان "أنطولوجيا القصة القصيرة جدا". أحمد سكاب (الجديدة)