المطرب والملحن رحل وفي قلبه غصة الجحود والنكران عاش في صمت وكبرياء وأنفة، ورحل منسيا في شقته بالدار البيضاء، قبل أن يكتشف جيرانه الأمر بعد أيام من وفاته، أول أمس (الأحد). إنه الفنان الحبيب الإدريسي، واحد من أشهر المطربين والملحنين الذين ميزوا الساحة الغنائية المغربية منذ الستينات. اختار الإدريسي الانزواء عن الناس مختليا في شقته، محافظا على طقوسه البوهيمية في مداعبة الأنغام والرفق بالحيوانات والطيور. عاش فنانا مرهفا، رهافة جعلته يتعامل بحساسية مفرطة تجاه "الأشياء" و"الأشخاص" المحيطين به. كل مقتحم لعوالم الحبيب الإدريسي، كان يجد نفسه مقبلا على الامتثال لطقوس الزاوية "الإدريسية" الكائن مقرها بزنقة الطاهر السبتي، وسط الدار البيضاء، وهي شقة صغيرة تحتضن فنانا عملاقا وتختزن معها بالصور والوثائق والخيالات مسيرة ناهزت ستة عقود من العطاء المتواصل. "كل العصافير التي لاحقت كفه" بأزقة وسط المدينة وهو ينثر لها "الحب" و"الحب" على الرصيف، وينحني بقامته الفارهة، على قط أو كلب ضال يداعبه في رفق وأناة، لم يكن يمل من تخصيص حيز زمني مهم يوميا لجمع ما تيسر من الأكل لإطعام الحيوانات الأليفة، التي يجد الحبيب في الاعتناء بها ورعايتها متعة خاصة. دخل الإدريسي، المزداد سنة 1948، عالم الغناء منذ منتصف الستينات، وكانت أغنية "ما بقيتي عندي في البال" مفتاح شهرته وهي من ألحان الراحل عبد الرحيم السقاط، قبل أن يتولى التلحين لنفسه ابتداء من أغنية "بطاقة تعريف" التي فتحت أمامه أبواب التلحين على مصراعيه. وتوالت الألحان التي قدمها الإدريسي بصوته أو بأصوات مطربين ومطربات آخرين، على رأسهم حميد شكري وحياة الإدريسي والمطربة المصرية شاهيناز فاضل، وسعاد محمد (المغربية) وعزيزة ملاك، وفوزية صفاء وعفيفة جحفل، كما كان هناك تعاون فني لم يتم كان بينه والمطربة التونسية الراحلة ذكرى، حينما قدمت بداية التسعينات إلى المغرب، وقضت أسبوعين وهي تتمرن على أغنية من ألحان الإدريسي قبل أن يقرر إسناد الأغنية إلى مطربة أخرى، بسبب تأخر ذكرى عن موعد التسجيل. ومن بين أشهر الأغاني التي لحنها الحبيب الإدريسي وأدى بعضها بصوته، قصيدة "أحلى خبر"، وهي من شعر الراحل نزار قباني، كما ولج الإدريسي عالم الأغنية المصورة، إذ سجل عشرات الأغاني المصورة ما زالت حبيسة أدراج التلفزة المغربية. حظي الحبيب الإدريسي بشهرة واسعة داخل العديد من الأقطار العربية، التي سبق أن أحيى بها سهرات ناجحة خلال فترات تألقه، إلا أن تلك الشهرة لم يكن يوازيها في المغرب سوى الجحود والنكران والتجاهل. عزيز المجدوب