“الأشبـاح” تستأسـد فـي المجالـس

موظفون يتقاضون أجورا دون عمل ومجالس منتخبة عاجزة عن تنفيذ برامجها في الوقت الذي يسعى فيه المغرب للإصلاح الإداري والانتقال من العمل الورقي إلى الرقمي وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية والجماعات المحلية، مازال يعاني تفشي ظاهرة "الموظفين الأشباح"، الذين يتقاضون رواتب شهرية، دون عمل أو بذل مجهود. إنجاز: خالد العطاوي تشير بعض الإحصائيات الوطنية إلى أن ظاهرة "الموظفين الأشباح" تتسبب في إهدار الميزانية العامة للدولة، حيث تصل بسببها الخسائر إلى أكثر من 10 ملايير درهم سنويا. وفي غياب رقم دقيق لهذه الظاهرة، تشير تقارير صحافية مغربية إلى وجود حوالي 100 ألف موظف شبح في الإدارات العمومية ينتمون إلى القطاع العام، نسبة منهم توجد في مجلس مدينة البيضاء الذي ورث الظاهرة عن مجالس سابقة اعتبر فيها "الموظف الشبح" ذا حظوة سياسية أو عائلية يمنع الاقتراب منه. أصل الحكاية ينطبق على الموظفين الأشباح بمجلس البيضاء مثل "كلما حفرت القاع زاد عمقا"، فالملف ليس عاديا والحد من الظاهرة ليس يسيرا، خاصة أن عددهم يقدر بالمئات، بل تشير بعض التقديرات إلى أن 30 في المائة من موظفي الجماعة أشباح "يستفيدون من وضعية إدارية طبيعية ويتحصلون على أجر ومستحقات، دون أداء أي مهمة مقابل ذلك، نظرا لغيابهم المتكرر أو النهائي". تعود حكاية الموظفين الأشباح بالبيضاء إلى التسعينات، حين انطلقت موجة توظيف أقارب وأصدقاء رؤساء جماعات بالجماعات المحلية آنذاك، بل شهدت تلك الفترة "غزوا" من الموظفين الذين يتم توظيفهم، مقابل الحصول على مبالغ مالية للوسطاء. اعتبر الموظف في تلك الفترة "حطب الانتخابات"، فإطلاق الوعود بالتوظيف جذب عددا كبيرا من الشباب، فالموظف يتخلى عن عمله، مقابل الوقوف إلى جانب المرشحين للانتخابات المحلية، بحكم الارتباط الكبير بين الموظف وسكان المنطقة. ساهم موظفون في فوز بعض رؤساء الجماعات في تلك الفترة بمقعد الرئاسة، بالمقابل تغاضى المسيرون عن حضورهم إلى مقر العمل، وأمام ارتفاع أعداد الموظفين أصبحت جماعة البيضاء تعيش فائضا كبيرا في الموظفين، دون أن يؤدوا أي عمل. يقول أحد قدماء المنتخبين في عين السبع بالبيضاء، إن مدبري الجماعات المحلية كانوا يتغاضون عن الموظفين الأشباح، بل إن لوائح نشرت في بداية الألفية الثانية أشارت إلى أن قلة قليلة فقط تزاول مهامها، في حين آن آخرين لهم ارتباط، إما بمستشار نافذ أو رئيس جماعة غادروا المغرب بصفة نهائية وظلوا يتقاضون أجورهم بانتظام. في عهد العمدة الأسبق محمد ساجد، عاد ملف الموظفين الأشباح إلى الواجهة، ونشرت أرقام وإحصائيات لم تكذبها أي جهة آنذاك، إذ تحدث منتخبون عن استفحال الظاهرة، وقدر عددهم آنذاك، بأزيد من ثلثي الموظفين، وهناك من لم تطأ قدماه مقر الجماعة، منذ أول يوم اشتغل، ووصل عددهم أحيانا إلى 11 ألف موظف، من أصل حوالي 18 ألف أجير في تلك الفترة، واستغل رؤساء الجماعات الحضرية، قبل تغيير القانون والتحول إلى مقاطعات، مناصبهم، لتشغيل مجموعة من الأقارب ومقربين من رجال السلطة، وتبادل المناصب في ما بينهم في توظيف مستشارين جماعيين، لضمان أغلبية مريحة، وإسكات المعارضة، خاصة في فترات متزامنة مع الدورات الخاصة بالمصادقة على الحساب الإداري. ورغم تقلص عدد الموظفين من حوالي 23 ألفا قبل 2003 إلى 18 ألفا في عهد ساجد، إلا أن المشهد لم يتغير كثيرا، وروى منتخبون أحداثا مثيرة بمقاطعة مولاي رشيد، التي شهد مقرها توافد عشرات الأشخاص، مباشرة بعد انتخاب مصطفى الحيا رئيسا جديدا للمقاطعة، خلفا لجبيل، وامتلأت المكاتب بعناصر غريبة، ليس لقضاء غرض إداري، لكن خوفا من فقدان منصب الشغل. موظفون مهاجرون تداول مستشارون أخبارا عن موظفين هاجروا إلى خارج المغرب، وزوجات مسؤولين ومستشارين تفرغن للطبخ وتربية الأبناء، أو يشتغلن في شركات خاصة، وهناك من أنشأ مقاولة خاصة، كما أن هناك من احترف التجارة ومجالات أخرى عدة، ومع ذلك ظلت الجماعة تصرف للجميع راوتبهم بشكل منتظم. وأوضحت المصادر أن الجماعة تدفع رواتب لموظفين أشباح يعملون بفرنسا وإسبانيا، وزوجات مستشارين سابقين، لم تطأ أقدامهن مقر الجماعة. ويزاول الموظفون الأشباح وظائف أخرى، مع الحفاظ على رواتبهم موظفين جماعيين، وساهم في تفشي الظاهرة، أيضا، وجود موظفين جماعيين أشباح على رأس مقاطعات، ومستشارين بمجلس المدينة، استغلوا القانون وانتقلوا إلى جماعات قروية أو حضرية محاذية للمدينة، للترشيح في الانتخابات الجماعية بمجلس المدينة. كون "الأشباح" لوبيا، أصبح يتحكم في الانتخابات وتدبير الشأن المحلي. وأشارت المصادر إلى أن هناك، إضافة إلى زهاء ألف موظف ملحق بمصالح إدارية أخرى، حوالي 11 ألف موظف جماعي شبح، يشتغلون في مهن أخرى، موازاة مع وظيفتهم الأصلية، التي يتقاضون عنها رواتب دون أداء أي عمل. "الأشباح" تهزم صفقات "بيجيدي" ترك عمداء المدينة السابقون الحبل على الغارب في مجال تدبير موارد المدينة، البشرية والمالية، إذ كان من المفروض أن يقوموا بجرد للموظفين ولممتلكات المدينة منذ توليهم رئاسة المجلس، إلا أن ذلك لم يحدث، بل زاد الأمر تفاقما في عهد عبد العزيز العماري، الذي أبرم صفقة لاقتناء "آلية التنقيط" لضبط أعداد الموظفين بالمقاطعات الجماعية، وهدفها حصر لوائح المحسوبين على المقاطعات، الذين يتلقون رواتبهم من دافعي الضرائب. كما أن الصفقة همت تجهيز 16 مقاطعة بوسائل متطورة تمكن من ضبط لوائح الموظفين، ومعرفة المنضبطين الذين يزاولون مهامهم، وكذا الموظفين المتغيبين، إلى جانب الموظفين الذين لا يحضرون بشكل مستمر. وكشف المصدر ذاته أن قيمة الصفقة بلغت 550 مليون سنتيم، وأبرمها مجلس "عبد العزيز العماري" في 2019، وهمت جميع المقاطعات، إلا أنه تم "تجميدها" لأسباب مجهولة، رغم التبريرات حول توقفها بسبب جائحة كورونا، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أن تساهل "بيجيدي" مع الموظفين، بسبب الانتماءات السياسية، ساهم في تفاقم ملف "الأشباح"، إذ وجد الموظفون الذين يؤدون عملهم بتفان أنفسهم أمام غياب زملائهم عن العمل، مجبرين على مضاعفة المجهود، خصوصا في ظل تراجع عدد الموظفين على صعيد الجماعة، كما دفع رؤساء المقاطعات إلى مراقبة حضور الموظفين. عودة الأشباح قالت المصادر نفسها إن عدد الموظفين بمقاطعات البيضاء يصل إلى 10500 موظف، منهم حوالي 30 في المائة يصنفون في خانة "الأشباح"، موضحة أن مجموعة من الرؤساء طالبوا عمدة المدينة بتفعيل منشور رئيس الحكومة عدد 2012/26، الذي حث القطاعات الحكومية ومؤسسات القطاع العام على تفعيل إجراءات صارمة لمحاصرة التغيب غير المشروع عن العمل، عبر تفعيل المقتضيات والمساطر القانونية المقترنة بهذه الممارسة، إذ من المنتظر أن يخضع الموظفون "الأشباح" إلى تحقيقات دقيقة حول تاريخ التحاقهم بالعمل بالجماعة الحضرية، وكيفية التحاقهم، والمصالح التي التحقوا بها، وطبيعة العمل الذي من المفروض أن يزاولوه. كما سيطلب منهم الإدلاء بوثائق قانونية تثبت تغيبهم عن العمل في مدد متفرقة من السنة، وصحة رخص العطلة السنوية التي يتوفرون عليها والمسؤول عن إصدارها. وقالت المصادر ذاتها إن نسبة كبيرة من الموظفين "الأشباح" يوجدون في مقاطعات جماعية بعينها، ومنها عمالة عين السبع الحي المحمدي، إذ تم اكتشاف حالة موظفة، في رتبة إطار، بجماعة عين السبع ظلت تتقاضى راتبها الشهري، دون أن تطأ قدماها مقر العمل مدة قاربت 12 سنة، وهو ما دفع منتخبين في مجلس المدينة إلى التنبيه إلى أن استفحال ظاهرة الموظفين "الأشباح" بالجماعة الحضرية ومقاطعاتها، يرهق الميزانية، سيما أن عدد الموظفين تراجع في السنوات الأخيرة بشكل كبير، مطالبين بتفعيل إجراءات ضبط حضور الموظفين، منها تكليف الإدارة المعنية بإعداد شهادتين جماعيتين لموظفيها عند نهاية كل سنة موقع عليهما من قبل الرؤساء التسلسليين، تتضمن الأولى أسماء الموظفين والمزاولين لعملهم بصفة منتظمة، والثانية تخصص للمتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة. ثلاثة أسئلة إلى يوسف الرخيص رئيس مقاطعة الحي المحمدي كيف تشخص وضعية الموظفين الأشباح في مجلس المدينة؟ > لابد من الإشارة إلى أن ما يسمى الموظفين "الأشباح" ملف ورثه المجلس الحالي من سابقيه، وتعاني تداعياته جل المقاطعات الجماعية، ويجب أن تتضافر الجهود لوضع حد لهدر المال العام على موظفين يتقاضون رواتب، دون أداء أي مهمة. المشكل أيضا أن هناك فئة من الموظفين لا تداوم على الحضور للعمل، ونسبة كبيرة تشكل عائقا لتنفيذ كل البرامج التي يسطرها مجلس المدينة، في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة عدد الموظفين المحالين على التقاعد. هل هناك إجراءات للحد من الموظفين الأشباح؟ > كنا نراهن، بصفتنا مستشارين جماعيين، على نجاح صفقة اقتناء آليات ضبط حضور الموظفين، والتي خصص لها مبلغ كبير في عهد المجلس السابق، إلا أنه للأسف لم يتم الأمر، وهو ما يستدعي التعجيل بتفعيلها، حتى يتم ضبط الأعداد الحقيقية للموظفين العاملين، وتطبيق القوانين الجاري بها العمل. كيف يساير الموظفون الحاليون عمل مجلس المدينة؟ > هناك إشكاليات حقيقية، إذ لابد من إجبارية التكاوين المستمرة، إذ لا يعقل أن الحكومة الحالية تراهن على الرقمنة في جل القطاعات، ونجد موظفين لا يتقنون استعمال الحاسوب، إضافة إلى أن تولي مهام المسؤولية يجب أن يخضع لمعايير جديدة بموظفين بأفكار جديدة.

“الأشبـاح” تستأسـد فـي المجالـس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مونتانا في حفل خيري

مالية وجدة "تصدم" مرشحا للرئاسة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات