غياب السلطة والوقاية المدنية ببعض الدواوير أخر إنقاذ الضحايا مسالك غير معبدة ضيقة شديدة الوعورة، تصل بين الطريق الوطنية في اتجاه أولاد برحيل مرورا بمنطقة أولوز، ثم الانعراج نحو آيت معلا، التابعة لجماعة تافينكولت، قبل الوصول إلى أول دواوير جماعة تيزي نتاست. هنا في هذا النقطة من الوطن، المصاب جلل والمسرح غارق في تراجيديا الدم والأشلاء والدموع. الأهالي، أو ما تبقى منهم، يحصون الخسائر ويرفعون الأكف بين الفينة والأخرى، لتخفيف ما نزل، مع كثير من اللطف فيه. المصطفى صفر وعبد الجليل شاهي (موفدا "الصباح" إلى تافينكولت) - تصوير: (عبد اللطيف مفيق) استفاق سكان دوار إيموزاز، أنزال تيزي نتاست، بصعوبة، صباح أمس (الاثنين)، بعد ليلة قاسية قضوها في العراء، لا خيام وصلت من جمعيات الإغاثة، ولا مساعدات من السلطة، فقط بعض المحسنين الذين وصلوا إلى المنطقة عن طريق المسلك المعبد البعيد عن الدوار. وحدها الدواب التي تستطيع المرور. رائحة الموت روائح كريهة مازالت تنبعث من أكوام الحجارة والأتربة وبعض قطع الخرسانة. منازل هدمت عن آخرها. نساء تكومن تحت غطاء كبير نصب، في شكل خيمة لاتقاء حرارة الشمس، بينما الرجال يجلسون القرفصاء، عند أنقاض المسجد المهدم. قبر جماعي لم يكمل أهالي دوار إيموزاز، دفن موتاهم في قبر جماعي، إلا مساء أول أمس (الأحد)، بعد أزيد من 48 ساعة قضاها الضحايا تحت الأنقاض. استغاثوا ليلا بعد وقوع الفاجعة وانتظروا إلى صباح السبت، دون جدوى، ليشمر الأحياء على سواعدهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الحصيلة كانت ثقيلة، فالأدوات البسيطة لم تمكنهم من بلوغ الهدف بالإسراع بانتشال الضحايا، سيما أن حجم الأتربة والحجارة المتراكمة جراء الانهيار كان كبيرا. يروي بلحاج، وهو من شباب الدوار أن عملية انتشال الضحايا استمرت إلى أول أمس (الأحد) على الساعة الثالثة، وأن روائح الموتى فاحت من تحت الركام بفعل حرارة الشمس. ويضيف بلحاج أنه لم يلج الدوار أفراد الوقاية المدنية وعناصر السلطة، "بل اعتمدنا على من بقي حيا وعدد قليل، بالنظر إلى عدد المساكن التي يتكون منها الدوار". و"لولا مؤازرتنا من قبل بعض أبناء دوار مجاور، انهوا عملية دفن موتاهم، لما أنهينا دفن 14 جثة عدت حصيلة شهداء الزلزال". أما الضحايا فتوزعوا بين جرحى نقلوا على متن الدواب، أو في محمل الموتى إلى الطريق عبر المسلك الوعر، ومنه إلى المستشفى، بينما الموتى انتشلوا تباعا، ومنهم ستة أفراد من أسرة واحدة. مبيت في العراء صرخة نساء الدوار انصبت على الاهتمام أكثر بالأحياء، وتطالب السلطات بزيارة للدوار للوقوف على حجم المأساة التي أصابت البشر والبنيان، وتوفير خيام اتقاء لبرودة الليل وحرارة النهار، كما أن الصرخة امتدت إلى المطالبة بالأغطية، فكل الأثاث تحت الأنقاض. دواوير في لائحة الانتظار الطريق إلى الدواوير وإن تم فتحها بإزالة بعض الحجارة والصخور الكبيرة، فإنها في أعالي الجبال، حيث تجمعات أخرى تنتظر، مازالت وعرة وصعبة. وحدها المروحيات التي تعبر الفضاء بين الحين والآخر، وتطلق هديرا يخاله الأهالي إنذارا بزلزال جديد، فالهلع والخوف من عودة الهزة يخيمان على السكان. إسعافات ودعم مصابين يلعب المجتمع المدني والعمل التطوعي دورا حيويا في حالات الطوارئ والكوارث، ومن بين أبرز المنظمات التي كانت حاضرة، منذ صباح السبت الماضي، بجماعة تافنكولت إقليم تارودانت، المنظمة الإفريقية للمسعفين، التي جندت المتطوعين والمسعفين، لمساعدة المتضررين من زلزال ليلة الجمعة الماضي، عبر تشكيل فرق تتوزع بين الدعم النفسي والمادي، والمساعدة بنقل المرضى والجرحى، وكذا التوعية والتحسيس وتقديم الإسعافات الأولية، والتنظيم بالمستشفيات ومراكز تحاقن الدم، بتنسيق مع السلطات المحلية. مساعدات مغيبة لم يتوصل الأهالي بخيام، أو أطعمة طيلة اليوم الأول، إلى أن قرروا تكوين لجنة مصغرة تقف في الطريق لاعتراض سبيل المحسنين وتنبيههم إلى حاجة الاحياء للأكل وهو ما استجابوا له، ليسجل أحد أبناء الدوار أن المساعدات يتم توجيهها إلى دواوير أخرى، سيما أن الطريق وعرة وأن هناك أيادي "خفية" تعمد إلى توجيهها، أو استقبالها في ملتقى الطرق، وهي مساعدات من خواص. زمام الأمر أكد نبيل بنعبد الجليل، المشرف العام للمنظمة الإفريقية للمسعفين، أنه "بعد ساعات من وقوع الزلزال الذي تعرضت له المملكة، تلقينا العديد من الاتصالات من مراكش وتارودانت، وبعد اجتماع مع المكتب المديري للمنظمة قررنا أخذ زمام المبادرة والتوجه إلى مدينة تارودانت، عبر مجموعات، وتوزيع المسؤوليات بين مختلف المتطوعين، بتنسيق مع السلطات المحلية بتارودانت، فتوجه بعض المتطوعين للمستشفى المختار السوسي بتارودانت، للوقوف على تقديم الإسعافات الأولية ومساعدة الأطر الطبية بالمستشفى أثناء وصول المنكوبين". وأضاف بنعبد الجليل، أن أحد الأفواج توجهت إلى جماعة تافنكولت، تضم أزيد من20 متطوعا رغم صعوبة الوصول إلى المنطقة بسبب أن أغلب الطرق تعرضت للإتلاف، وأن التدخلات التي يقوم بها المتطوعون تهم أساسا تقديم يد المساعدة للضحايا والجرحى، وإسعافهم إلى حين وصول فرق الوقاية المدنية، التي تتكلف بنقلهم إلى المستعجلات لتلقي العلاجات اللازمة، مع التنسيق مع أفراد القوات المسلحة والسلطات المحلية ومختلف شرائح المجتمع المدني،من أجل العثور على ناجين وانتشال الجثث من تحت الأنقاض، وكذا الإسعافات النفسية من خلال تقديم الرعاية والمساندة لمختلف سكان المنطقة، وتقدير الإحتياجات والمخاوف، وكذا مساعدة الناس على تلبية إحتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والماء وتقديم المعلومات لإراحة السكان ومساعدتهم على الشعور بالهدوء، مع حمايتهم من التعرض لمزيد من الأذى. تنظيم قوافل أوضح بنعبد الجليل، ان أحد الأفواج تكلف بالدعوة إلى تنظيم قوافل محملة بالمواد الغذائية،عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا التنسيق مع مختلف المتطوعين من جميع المدن المغربية، للحضور إلى تارودانت، وتم إرسال قافلتين غذائيتين إلى جماعة تافنكولت، ويتم حالياً تجهيز قافلتين أخريين من أكادير سيتم إرسالهما أيضا، تضمان مواد غذائية مصنعة وغير مصنعة ومياها معدنية ومواد شبه طبية (كراس متحركة، ضمادات، معقمات..)، ومواد تنظيف وتطهير، وأفرشة وأغطية. وكشف أن أحد الأفواج تكلف بمناشدة المواطنين على التبرع بالدم بمراكز تحاقن الدم، مع الحضور والإشراف والتنظيم بهذه المراكز بأكادير وتارودانت، التي عرفت إقبالا كبيرا من المواطنين على عمليات التبرع بالدم، لمساعدة المصابين الذين اكتظت بهم المستشفيات والمراكز الصحية. التنسيق مع الجمعيات فور وقوع الزلزال الذي تسبب في خسائر بشرية جسيمة، ودمر العديد من البنيات وأجهز على دواوير بكاملها، مما جعل إقليم تارودانت، إقليما منكوبا، دخلت المنظمة الإفريقية للمسعفين في تنسيق مع جمعيات المجتمع المدني وفعاليات مدنية وحقوقية فاعلة في مجالات متنوعة بمختلف مناطق المغرب، من خلال دورها الإنساني والتضامني، من أجل المساهمة والمساعدة على جبر الأضرار التي لحقت بالمناطق المنكوبة، خاصة إقليم تارودانت، مع ربط الاتصال بالفاعلين الاقتصاديين وجمعيات المجتمع المدني وفسح المجال امام الواهبين والمتبرعين من اجل تكثيف التضامن ومؤازرة المناطق المنكوبة، ووضع وحدات متنقلة للتبرع بالدم رهن إشارة المواطنين والمواطنات للقيام بهذا الواجب الإنساني في هذا الظرف الصعب، واقترحت مختلف الجمعيات تنويع المبادرات المدنية ومحاولة التنسيق في ما بينها لكي تمر العمليات والتدخلات بسلاسة في احترام تام لكرامة الإنسان وحقوقه. وعملت المنظمة الإفريقية للمسعفين مع السلطات المحلية، على توجيه القوافل الغذائية إلى دواوير إقليم تارودانت، وكذا مرافقة القوافل الإنسانية من مؤونة وأغطية وأفرشة وملابس نحو الجماعات والدوايير المتضررة في إقليم تارودانت. المنظمة الإفريقية للمسعفين المنظمة الإفريقية للمسعفين هيأة إغاثية فتية تأسست بجنيف سنة 2019، وقد أخذت على عاتقها تعزيز إشعاع المملكة استرشادا بالتوجهات الملكية في تعزيز العمق الإفريقي للمغرب، وتهدف المنظمة الى التعريف بأهمية المجال الصحي والتوعية به وتطوير آليات المراقبة الصحية وتأهيل العنصر البشري في مجال الصحة وتفعيل البرامج الصحية العالمية لدعم التنمية ونقل المعرفة وتدعيم الأمن الصحي وتعزيز النظم الصحية.