العروسي… صوت الجبل : رائحة “البارود” تفوح من أغانيه

ليست "رقصة البارود" وحدها التي وازت تجربة الراحل محمد العروسي في الدعوة لشحن الهمم لمقاومة المستعمر، باعتبارها تأريخا لوقائع المعركة الفنية التي يخوضها الراقصون المقاتلون لما تعوض الكلمة والأدوات الفنية بنادق الحرب، منذ انطلاقتها بإنشاد العيطة و"ترديد ما كتب في هذا السجل الضخم والمرتبط بالمعارك السابقة التي دارت هنا وهناك من أرض جبالة" يقول عبد الله البقالي. وتشتم "رائحة البارود" من عدة أغان خالدة لهذا الفنان العصامي، ابن خراز وأسرة فلاحية عاشت ظروفا اجتماعية صعبة بدوار دركول بتافرانت بغفساي، والتي يفوق عددها 526 أغنية ذات مواضيع مختلفة ومتنوعة، أذاعت بعضها الإذاعة الوطنية التي فتحت عينيه على الشهرة الواسعة في 1958، بعدما عشق الفن في صغره وقرأ في الكتاب القرآني، ليجد نفسه في عمق شهرة واسعة.ولا تكاد أغنية من أغانيه المتعددة تخلو من إشارة إلى ملاحم المنطقة وبسالة رجالها في معارك بطولية شهدتها وتلخصها أغنيته "طرطق البارود في العقبة د جبالة" وغيرها، وهو الذي عرف بالتزامه بقضايا وطنه ووظف غناءه لاستنهاض الهمم وإيقاظ الروح الوطنية لدى سكان منطقة جبالة لمقاومة المستعمر الإسباني والفرنسي، دون انتظار مقابل مادي رغم سجنه بسبب موقفه من المستعمر.هذا الدور شهد له به المرحوم محمد المكناسي المسؤول السابق عن المقاومة وأعضاء جيش التحرير، في شهادة نشرت على نطاق واسع إعلاميا وأكد فيها أن أغاني محمد العروسي رمز وأيقونة العيطة الجبلية الذي أطرب آذان المغاربة لعقود من الزمن بدرر من فنه التراثي العريق وصوته الرخيم المنبعث من عمق منطقة بني زروال، "كانت من العاومل التي أججت اشتغال المقاومة ورجالها".ولعل من أشهر وأنجح أغانيه الحماسية والجريئة التي تدعو أهل جبالة إلى المقاومة وتنهض هممهم، أغنيته "القبطان صولي" التي أداها سنة 1944 وانتقد فيها السياسة الاستعمارية في شخص المعمر "القبطان صولي" الذي كان يحكم منطقة تافرانت بغفساي، وتمادى في غيه وسلب خيرات البلاد والعباد، والتي أدين بموجبها بالسجن النافذ لعشر سنوات قضى منها أسابيع قبل الإفراج عنه.ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل منع الفنان العروسي من دخول فاس سنة 1952 أي قبل نحو 3 سنوات من استقلال المغرب، بسبب مواقفه من المستعمر، وهو الذي لا أحد يمكن أن يشكك في وطنيته خاصة بما أداه من أغان وطنية خالدة ما زالت متداولة، بما فيها أغنيته الرائعة "أنا فرمال الصحراء" التي أداها في ثمانينات القرن الماضي، وأعادها قريبه لحسن العروسي.ورغم الدور الذي لعبه في مقاومة المستعمر فنيا، فإن استفادته ظلت محدودة مقتصرة على رخصة مأذونية نقل لسيارة أجرة كبيرة تؤمن تنقل الركاب انطلاقا من مركز تافرانت بإقليم تاونات أجرها قيد حياته بـ1000 درهم شهريا، منحها إياه في سنة 1969 الملك الراحل محمد الخامس، قبل إشاعة خبر حيازة رخصة حافلة إبان وفاته، الذي اتضح أنه عار كليا من الصحة.وطالما سئل الرجل قيد حياته، عن سر عدم استفادته من امتيازات تأمن حياته على غرار بعض من هم أدنى منه مستوى فنيا، فكان رده دوما بأنفة وكبرياء البسطاء، أنه "جبلي أصيل بطبعه وخصاله"، إذ عاش مؤمنا بالله الذي بدل ثروته من مال الفناء برصيد ضخم من حب الناس الذين عشقوا فنه وبكوا لما تناهى إلى علمهم خبر وفاته في 14 فبراير الماضي في مصحة بفاس بعد معاناة مع المرض.وتذهب بعض القراءات في تجربة هذا الفنان الكبير، إلى حد الحديث عن مراحل في مسيرته الفنية انطلقت بأغاني حشد الهمم خاصة أغنيته "القبطان صولي"، مارة عبر تجارب مماثلة لأغان وطنية مخلدة لمناسبات دينية ووطنية، وأخرى تغنت بجمال منطقة بني زروال وتاونات، وثالثة عاطفية تغنت بالحب والجمال والمرأة، وعددها كثير مقارنة مع بداياته التي غرف فيها من التراث المحلي. وتؤكد تلك المصادر أن محمد العروسي لم يلجأ إلى العيطة إلا أواخر سبعينات القرن الماضي، بعدما سجل أولى أغنياته وعيطاته الجبلية بما فيها "مجد الأولياء" و"عيطة القبايل" التي تغنى فيها بقطار التنمية، بعدما اتسمت تجربته الأولى بغرامياته بما فيها أغاني "على عين زورا" و"انت يا كريمة" و"صبري لله" و"أهيا عمي خلي رحمة قدامي" و"أنا بالي مع غزالي" و"راجلي آلظالم". وتوضح ذات المصادر أن أغنية "أيقونة الطرب الجبلي"، تأثرت بعد رحيله من منطقة بني زروال واستقراره بفاس، بأجناس وألوان غنائية أخرى بما في ذلك فن الملحون، بطريقة فقدت إثرها بريقها، ذاكرة قطع "أنا فلاح أبا عن جد يا اهلي" و"قولو تبارك الله يا الجماعة وسميو الله" و"للا يا مولاتي" كأغاني تميل إلى الأغنية الشعبية العصرية وسجلها مع الإذاعة الوطنية وليس مع جوقه. ويعيب بعض المتتبعين للطرب الجبلي، على هذا الفنان تخليه خلال فترة معينة عن جوقه الأصيل وتسجيله بعض أغانيه مع أجواق عصرية تستعمل آلات دخيلة "غطت نسبيا على أهمية ونغمات الكمان الذي اشتهر به"، خاصة خلال فترة أعقبت ثمانينات القرن الماضي، إلى حد حديث البعض عن "إنتاجه عدة أغان ليس بينها وبين العيطة الجبلية التي اشتهر بها، إلا الخير والإحسان". حميد الأبيض (فاس)

العروسي… صوت الجبل : رائحة “البارود” تفوح من أغانيه

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أسماء في الذاكرة : عبد الكريم الخطيب "إخواني" القصر

ترشح فاتنة أمازيغية لرئاسيات تونس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات