fbpx
خاص

الإسلام‭ ‬الانقلابي … ليس‭ ‬في‭ ‬القنافذ‭ ‬أملس

كتاب‭ ‬للباحث‭ ‬مصطفى‭ ‬الحسناوي‭ ‬يفكك‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬بالمغرب

صدر‭ ‬حديثا‭ ‬للباحث‭ ‬مصطفى‭ ‬الحسناوي‭ ‬كتاب‭ ‬جديد‭ ‬بعنوان‭ “‬قصة‭ ‬الإسلام‭ ‬الانقلابي‭.. ‬أحزاب‭ ‬الخلافة‭ ‬وجماعات‭ ‬الجهاد‭ ‬وأنصار‭ ‬الشريعة‭” ‬عن‭ ‬منشورات‭ ‬دار‭ ‬الأمان‭. ‬الكتاب‭ ‬الجديد‭ ‬للباحث‭ ‬والإعلامي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سفر‭ ‬ممتد‭ ‬بين‭ ‬التيارات‭ ‬والمدارس‭ ‬والخلايا‭ ‬والتنظيمات‭ ‬التي‭ ‬تتفرع‭ ‬إلى‭ ‬سلفية‭ ‬وصوفية‭ ‬وحركية،‭ ‬لكن‭ ‬يجمعها‭ ‬هدف‭ ‬إقامة‭ ‬إمارة‭ ‬إسلامية،‭ ‬أو‭ ‬خلافة،‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬أو‭ ‬مشروع‭ ‬حكم‭ ‬آخر،‭ ‬ولا‭ ‬تؤمن‭ ‬بشرعية‭ ‬الملكية‭ ‬أو‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬أو‭ ‬المخزن‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخاص‭ ‬تتوقف‭ “‬الصباح‭” ‬عند‭ ‬أهم‭ ‬مضامين‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬وبحثية‭ ‬وإعلامية،‭ ‬خبايا‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالمغرب‭ ‬ونزوعها‭ ‬الانقلابي‭.‬

إعداد‭: ‬عزيز‭ ‬المجدوب

يعرّف‭ ‬مصطفى‭ ‬الحسناوي‭ ‬الإسلام‭ ‬الانقلابي‭ ‬بأنه‭ ‬إيديولوجيا‭ ‬ثورية‭ ‬انقلابية،‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬إفقاد‭ ‬المواطنين‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬والمؤسسات‭ ‬وزعزعة‭ ‬نظام‭ ‬الحكم،‭ ‬والانقلاب‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬إضعافه‭ ‬وتهييء‭ ‬ظروف‭ ‬إسقاطه،‭ ‬مستعينة‭ ‬بخطاب‭ ‬ديني‭ ‬تحريضي‭ ‬قد‭ ‬يتطور،‭ ‬إذا‭ ‬سمحت‭ ‬الظروف،‭ ‬إلى‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭.‬

وينطلق‭ ‬الحسناوي‭ ‬في‭ ‬تفكيكه‭ ‬لبنية‭ ‬خطاب‭ ‬الإسلام‭ ‬الانقلابي،‭ ‬من‭ ‬تجاربه‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬قادته‭ ‬لأزيد‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬وسط‭ ‬تنظيمات‭ ‬وتيارات‭ ‬إسلامية‭ ‬مختلفة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬إعلامية‭ ‬مكنته‭ ‬من‭ ‬محاورات‭ ‬عشرات‭ ‬القياديين‭ ‬والمنتسبين‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحركات،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬سجنية‭ ‬أتاحت‭ ‬له‭ ‬التوغل‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬هذه‭ ‬التجارب،‭ ‬وتكوين‭ ‬صورة‭ ‬متكاملة‭ ‬عنها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬مسافة‭ ‬اضطرارية‭ ‬منها،‭ ‬وبات‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

مرتكزات‭ ‬ومنطلقات

جانب‭ ‬من‭ ‬تفجيرات‭ ‬16‭ ‬ماي‭ ‬الإرهابية‭ ‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب

يرى‭ ‬الحسناوي‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬الإسلامية‭ ‬الانقلابية‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يناقشها‭ ‬ويضعها‭ ‬محل‭ ‬النقد‭ ‬مثل‭ ‬فكرة‭ “‬الاستقرار‭ ‬والازدهار‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة‭” ‬والتي‭ ‬يعتبرها،‭ ‬قياسا‭ ‬إلى‭ ‬تجربته‭ ‬الشخصية،‭ ‬مجرد‭ ‬وهم،‭ ‬بل‭ ‬يخصص‭ ‬لها‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مناقشتها‭ ‬وتفكيكها‭.‬

ويرى‭ ‬الباحث‭ ‬والإعلامي‭ ‬الشاب‭ ‬أن‭ “‬غياب‭ ‬الحكم‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬الله،‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬المبررات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إليها‭ ‬الجهادية‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬سالبة‭ ‬أو‭ ‬موجبة،‭ ‬لتضفي‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬دعوتها‭ ‬والمصداقية‭ ‬لوجودها‭.‬

الهدف‭ ‬الذي‭ ‬تشتغل‭ ‬عليه‭ ‬الجهادية،‭ ‬هو‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحكم،‭ ‬أو‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬أو‭ ‬إضعاف‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭”.‬

ويرى‭ ‬أن‭  “‬المبرر‭ ‬الديني‭ ‬الرئيسي‭ ‬لذلك،‭ ‬هو‭ ‬اتهام‭ ‬السلطة‭ ‬بالحكم‭ ‬بغير‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله،‭ ‬أو‭ ‬تبديل‭ ‬الشرع،‭ ‬أو‭ ‬سن‭ ‬القوانين‭ ‬المخالفة‭ ‬للشريعة،‭ ‬وغياب‭ ‬العدل‭ ‬والشورى‭”‬،‭ ‬والاستعانة‭ ‬بشكل‭ ‬ثانوي‭ ‬بوجود‭ ‬المشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والحقوقية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الادعاء‭ ‬أن‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬تبشر‭ ‬به‭ ‬يحل‭ ‬جميع‭ ‬المشاكل‭.‬

كما‭ ‬تُصَور‭ ‬الحركات‭ ‬الجهادية‭ ‬الوضع‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مثاليا،‭ ‬وكانت‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مستقلة‭ ‬قوية‭ ‬متماسكة‭ ‬عادلة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أي‭ ‬صوت‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬الشريعة‭ ‬ورحمتها‭ ‬وعدلها‭.‬

وهنا‭ ‬يناقش‭ ‬الحسناوي‭ ‬هاته‭ ‬الأفكار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬استعراض‭ ‬محطات‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬السياسي،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬الثابت‭ ‬فيه‭ ‬عبر‭ ‬تعاقب‭ ‬القرون‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ “‬تاريخ‭ ‬حروب‭ ‬وصراعات‭ ‬داخلية‭ ‬ومؤامرات‭ ‬على‭ ‬الحكم،‭ ‬وانقسامات‭ ‬وثورات‭ ‬وانقلابات‭ ‬واغتيالات‭ ‬داخل‭ ‬العائلة‭ ‬الحاكمة‭ ‬الواحدة‭ ‬وبين‭ ‬الإخوة‭”.‬

ويرى‭ ‬الحسناوي‭ ‬أن‭ ‬الحركات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬تقوم‭ ‬بتصوير‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ “‬تاريخ‭ ‬نقي‭ ‬ناصع‭ ‬مزدهر،‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأولى،‭ ‬إلى‭ ‬مجيء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الحديثة،‭ ‬التي‭ ‬أبعدت‭ ‬الشريعة‭ ‬وانقلبت‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬الله،‭ ‬فعاقب‭ ‬الله‭ ‬الأمة‭ ‬بالاستبداد‭ ‬والفساد‭ ‬والفتن‭ ‬والحروب‭ ‬والمؤامرات‭ ‬والتخلف‭ ‬والجهل‭… ‬ولا‭ ‬حل‭ ‬لهذه‭ ‬المعضلة‭ ‬إلا‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وتطبيق‭ ‬الشريعة،‭ ‬وإعادة‭ ‬الخلافة‭.”‬

ويضيف‭ ‬أن‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬الانقلابية‭ ‬تستغل‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الشحن‭ ‬والتحريض‭ ‬لإسقاط‭ ‬المؤسسات‭ ‬والحكومات،‭ ‬وتعويضها‭ ‬بولاة‭ ‬أمر‭ ‬شرعيين‭ ‬وخلفاء‭ ‬يحكمون‭ ‬بالكتاب‭ ‬والسنة،‭ ‬ويقيمون‭ ‬دولة‭ ‬الشريعة‭ ‬والخلافة‭ ‬الراشدة‭.‬

وحتى‭ ‬يتجنب‭ ‬التعميم‭ ‬يميز‭ ‬الحسناوي‭ ‬بين‭ ‬الحركات‭ ‬الإسلامية‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حركات‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الروحي‭ ‬والتربوي،‭ ‬وأخرى‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬العقدي‭ ‬والفقهي،‭ ‬وجماعات‭ ‬تسعى‭ ‬للمشاركة‭ ‬السياسية،‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬جماعات‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬الحكم،‭ ‬وتسعى‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬بمشاريع‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الخلافة‭ ‬والشريعة‭ ‬والجهاد‭ ‬والحكم‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬هدفا‭ ‬لها‭.‬

الإسلام‭ ‬الحركي‭…‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬الجهاد‭ ‬والانقلاب‭ ‬والتطرف‭ ‬ارتبط‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬المعاصرة‭ ‬بالسلفية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬يسجل‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الطرق‭ ‬والزوايا‭ ‬وشيوخ‭ ‬الصوفية،‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬طمعوا‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬وقاموا‭ ‬بانقلابات‭ ‬وتمردات‭ ‬وثورات‭.‬

ويستعيد‭ ‬الحسناوي‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬البعد‭ ‬الصوفي‭ ‬والطموح‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬بدءا‭ ‬بالحركة‭ ‬الدلائية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬مرورا‭ ‬بحركة‭ ‬الشيخ‭ ‬الزيتوني‭ ‬بالقرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشيخ‭ ‬الكتاني‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬ياسين،‭ ‬مؤسس‭ ‬حركة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان‭.‬

وتعتبر‭ ‬جماعة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان،‭ ‬حسب‭ ‬الحسناوي،‭ ‬أحد‭ ‬مكونات‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المغربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬لكن‭ ‬نشأنها‭ ‬وتكوينها‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬الحركي،‭ ‬فهي‭ ‬جماعة‭ ‬صوفية،‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الطريقة‭ ‬البودشيشية‭ ‬القادرية،‭ ‬ومرت‭ ‬بتحولات‭ ‬وتطورات،‭ ‬ودامت‭ ‬مرحلة‭ ‬تأسيسها‭ ‬قبل‭ ‬استقرارها‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬واحد،‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬13‭ ‬سنة‭.‬

ويرصد‭ ‬المؤلف‭ ‬تطور‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬نشأة‭ ‬حركة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬السبعينات‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

ويفكك‭ ‬الحسناوي‭ ‬البنية‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬لجماعة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان،‭ ‬معتبرا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بشرعية‭ ‬الملك‭ ‬ولا‭ ‬بإمارة‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وتدعو‭ ‬بالمقابل‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬خلافة‭ ‬راشدة‭ ‬على‭ ‬المنهاج‭ ‬النبوي،‭ ‬عبر‭ ‬المرور‭ ‬بمراحل‭ ‬من‭ ‬الدعوة‭ ‬والتربية‭ ‬تنتهي‭ ‬بالتغيير‭ ‬الانقلابي‭ ‬والشامل‭ ‬والزحف‭ ‬والقومة‭ (‬ثورة‭ ‬شعبية‭).‬

ويرى‭ ‬الحسناوي‭ ‬أن‭ ‬حديث‭ ‬النبي‭ ‬محمد،‭ ‬عن‭ ‬الخلافة‭ ‬والملك‭ ‬العضوض‭ ‬والملك‭ ‬الجبري،‭ ‬هو‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لدعوة‭ ‬الجماعة‭ ‬ومشروعها‭. ‬وهو‭ ‬حديث‭ ‬يدين‭ ‬كل‭ ‬النماذج‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أتت‭ ‬بعد‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة،‭ ‬وأشكال‭ ‬الحكم‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬من‭ ‬خلافة‭ ‬أموية‭ ‬وعباسية‭ ‬وعثمانية‭ ‬وإمارات‭ ‬وسلطنات‭ ‬ودول‭ ‬قطرية‭ ‬معاصرة‭ ‬ملكية‭ ‬أو‭ ‬جمهورية‭…‬

ويضيف‭ ‬أن‭ ‬الجماعة‭ ‬تريد‭ ‬إعادة‭ ‬عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬إلى‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬بين‭ ‬11‭ ‬هجرية‭ ‬و4‭. ‬حيث‭ ‬تعاقب‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬حولها،‭ ‬أربعة‭ ‬خلفاء‭ ‬قتل‭ ‬منهم‭ ‬ثلاثة،‭ ‬واندلعت‭ ‬قلاقل‭ ‬ومشاكل‭ ‬ومؤامرات‭ ‬واغتيالات‭ ‬وانقلابات‭… ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬النموذج‭ ‬المثالي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجماعة،‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحتذى‭.‬

والفكرة‭ ‬المحورية‭ ‬والرئيسية،‭ ‬هي‭ ‬إقامة‭ ‬الخلافة‭ ‬والتبشير‭ ‬بعودة‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام،‭ ‬وانتقاد‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬ذمها‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي،‭ ‬وسماها‭ ‬عضوضية‭ ‬وجبرية،‭ ‬يبدو‭ ‬ذلك‭ ‬واضحا‭ ‬جليا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬ألفها‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬ياسين‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬تصريحات‭ ‬أخرى‭ ‬تتخبط‭ ‬بين‭ ‬الدعوة‭ ‬لدولة‭ ‬إسلامية،‭ ‬ودولة‭ ‬تعددية،‭ ‬والقبول‭ ‬بالديمقراطية،‭ ‬والملكية‭ ‬البرلمانية،‭ ‬والخلافة‭ ‬الراشدة‭ (‬على‭ ‬منهاج‭ ‬النبوة‭)‬،‭ ‬والجمهورية‭ (‬جمهورية‭ ‬راشدة‭ ‬على‭ ‬منهاج‭ ‬النبوة‭) ‬والتوبة‭ ‬العمرية‭ (‬ملكية‭ ‬راشدة‭ ‬على‭ ‬منهاج‭ ‬النبوة‭).‬

غزوة‭ ‬الشواطى‭ ‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭‬

خطاب‭ ‬التقية‭ ‬

واستعرض‭ ‬الحسناوي‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬مختلف‭ ‬التنظيمات‭ ‬والحركات‭ ‬والتيارات‭ ‬الإسلامية‭ ‬بدءا‭ ‬ب‭”‬حزب‭ ‬الخلافة‭” ‬الذي‭ ‬كان‭ “‬أول‭ ‬حزب‭ ‬مغربي‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬الخلافة‭”‬،‭ ‬وحزب‭ ‬التحرير‭. ‬كما‭ ‬توقف‭ ‬عند‭ ‬تأسيس‭ ‬مرحلة‭ “‬الشبيبة‭ ‬الإسلامية‭” ‬ومسار‭ ‬تأسيس‭ “‬جماعة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان‭” ‬والتشظي‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬ومرحلة‭ “‬الجهاد‭ ‬الجامعي‭”‬،‭ ‬و‭”‬المغاربة‭ ‬الأفغان‭”‬،‭ ‬وخلايا‭ “‬السلفية‭ ‬الجهادية‭”‬،‭ ‬و‭”‬الإمارات‭ ‬الإسلامية‭” ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والأحياء‭ ‬السكنية،‭ ‬و‭”‬حركة‭ ‬بلعيرج‭” ‬و‭”‬السلفية‭ ‬الجهادية‭ ‬النسائية‭” ‬و‭”‬الانقلابيين‭” ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬المغرب‭. ‬كما‭ ‬اهتم‭ ‬الكتاب‭ ‬بـ‭”‬فوضى‭ ‬المراجعات‭ ‬السلفية‭”‬،‭ ‬مع‭ ‬تقديم‭ ‬نماذج‭ ‬للتقية‭ ‬وتخفيفِ‭ ‬حدة‭ ‬الخطاب‭ ‬مع‭ ‬التمسك‭ ‬بالقناعات‭ ‬نفسها‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬فقد‭ ‬فضح‭ ‬الكتاب‭ ‬السلوك‭ ‬الازدواجي‭ ‬وأسلوب‭ ‬التقية‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬بعض‭ ‬التنظيمات‭ ‬إخفاء‭ ‬عقيدة‭ ‬التكفير‭ ‬والعنف‭ ‬التي‭ ‬تتبناها،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تصطدم‭ ‬بالدولة‭ ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تمتلك‭ ‬بعد‭ ‬القوة‭ ‬والعدة‭ ‬للمواجهة‭. ‬

وقدم‭ ‬المؤلف‭ ‬نماذج‭ ‬وأمثلة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬جمعية‭ ‬المغراوي‭ ‬التي‭ ‬تتظاهر‭ ‬بطاعة‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭ ‬وعدم‭ ‬الخروج‭ ‬عليه،‭ ‬بينما‭ ‬تضمر‭ ‬له‭ ‬نقيض‭ ‬ما‭ ‬تعلن‭  ‬ويقول‭ ‬الحسناوي‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ “‬من‭ ‬المفاجآت‭ ‬التي‭ ‬صدمتني‭ ‬آنذاك‭ ‬بخصوص‭ ‬موضوع‭ ‬التكفير‭ ‬هذا،‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬ممن‭ ‬يعرفون‭ ‬الشيخ‭ ‬المغراوي‭ ‬عن‭ ‬قرب،‭ ‬كانوا‭ ‬يتناقشون‭ ‬في‭ ‬تكفيره‭ ‬للملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬مجالسه‭ ‬الخاصة‭ ‬مع‭ ‬أقرب‭ ‬مقربيه‭. ‬لم‭ ‬أستوعب‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬مدرسة‭ ‬سلفية،‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميزها‭ ‬هو‭ ‬تشددها‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬التكفير،‭ ‬وغلق‭ ‬أبوابه‭ ‬ومنافذه،‭ ‬وإحاطته‭ ‬بالشروط‭ ‬والموانع‭ ‬الكثيرة،‭ ‬ودفاعها‭ ‬عن‭ ‬ولاة‭ ‬الأمر،‭ ‬كيف‭ ‬لشيخها‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬السري‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬مجالسه‭ ‬الخاصة‭ ‬مع‭ ‬المقربين‭ ‬منه،‭ ‬ثم‭ ‬يعلن‭ ‬خلاف‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬في‭ ‬مواقفه‭ ‬المعلنة،‭ ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شخص،‭ ‬سمعه‭ ‬منه‭ ‬مباشرة‭”.‬

التراث‭.. ‬الخزان‭ ‬الانقلابي

ورغم‭ ‬المسارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وانكشاف‭ ‬مشاريعها،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭  ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحسناوي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬أسباب‭ ‬إمكان‭ ‬تجدد‭ ‬أو‭ ‬نجاح‭ ‬المشروع‭ ‬الانقلابي،‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬خلفيته،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬قائمة‭ ‬بوجود‭ “‬الخزان‭ ‬التراثي‭ ‬الذي‭ ‬يزود‭ ‬الخطاب‭ ‬الانقلابي‭ ‬بالقصص‭ ‬والسرديات‭ ‬والمنطلقات‭ ‬والأهداف‭ ‬والتسويغات‭ ‬والتبريرات‭ ‬الانقلابية‭” ‬و‭”‬وجود‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬الساذجة،‭ ‬التي‭ ‬تناصر‭ ‬الفكرة‭ ‬الانقلابية‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬بحقيقتها‭ ‬وتفاصيلها،‭ ‬وتتخيل‭ ‬فيها‭ ‬الحل‭ ‬لأزماتها‭”.‬

كما‭ ‬شدد‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ “‬قدرة‭ ‬الحركات‭ ‬الانقلابية‭ ‬على‭ ‬التأقلم‭ ‬والتكيف‭ ‬والتلون،‭ ‬بحسب‭ ‬الظروف‭ ‬والسياقات‭ (‬‮…‬‭) ‬من‭ ‬استعمال‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة،‭ ‬ومن‭ ‬اعتزال‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬التسلل‭ ‬والتسرب‭ ‬داخله‭”‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ “‬قدرة‭ ‬التيارات‭ ‬الانقلابية‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وإعادة‭ ‬تدوير‭ ‬أفكارها،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬الفكرة‭ ‬الانقلابية‭ ‬جذابة‭ ‬داخل‭ ‬رؤوس‭ ‬الأتباع،‭ ‬ولو‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالأحلام‭ ‬والوعود‭ ‬الكاذبة‭”.‬

ومن‭ ‬الأخطار‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬مشاريع‭ ‬انقلابية‭ “‬وجود‭ ‬أنظمة‭ ‬سياسية‭ ‬وجهات‭ ‬استخباراتية،‭ ‬تتقاطع‭ ‬أحيانا‭ ‬مصالحها‭ ‬مع‭ ‬التوجه‭ ‬الانقلابي،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تخترق‭ ‬أو‭ ‬توظف‭ ‬أو‭ ‬تشجع‭ ‬جماعة‭ ‬انقلابية،‭ ‬وتساعدها‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروعها‭ ‬كليا‭ ‬أو‭ ‬جزئيا،‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭”.‬


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى