إصلاح الحقل الديني وتجفيف منابع الخطاب المتطرف لم تجد الدولة بعد الأحداث الارهابية التي هزت أمريكا في 2001، وأحداث 16 ماي 2003 بالبيضاء، خيارا لمحاربة الإرهاب وخطاب التطرف، إلا مباشرة إصلاح ديني شامل، يلامس مختلف الجوانب، ولا يقتصر فقط على المقاربة الأمنية، واعتقال بعض الدعاة المروجين للخطاب المتطرف، بل محاربة التطرف في معاقله، أي داخل المساجد العشوائية والمناهج التربوية وغيرها. وبعد تنظيف المغرب من المتطرفين ووضعهم في السجن، وقطع رأس الأعفى التي زرعت الرعب وسط المغاربة، إلى درجة استمالة الكثير من المغاربة البسطاء، واقتدائهم بخطاب التطرف وكراهية الآخر المخالف، جاء الخطاب الملكي في 2004، ليحدد معالم حقبة جديدة من الإصلاح الديني في المغرب، حقبة تقطع مع العشوائية، وتؤسس لرؤية جديدة للحقل الديني، كان لها مفعولها في ما بعد، وحولت المغرب إلى مرجع دولي في محاربة الإرهاب وخطاب التطرف، وفي نشر قيم التسامح والتعايش بين الأديان. وحدد الملك في 2004، الأركان الثلاثة لهذا الإصلاح، الأول مؤسساتي مرتبط بالهيآت التي تتولى مهمة المرفق العمومي في المجال الديني، والثاني تأطيري يرمي إلى إعادة تنظيم المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، وثالث تعليمي وتربوي متعلق بإنشاء مديرية خاصة بالمدارس العتيقة، وهو إصلاح تولت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تنزيله، علما أن الحقل الديني حساس جدا، وأي خطأ قد يؤدي إلى نتائج عكسية. ومن الخطوات العملية في الإصلاح هو احتواء المساجد، التي لم تكن تابعة للأوقاف، إذ أدخلتها تحت إدارتها المباشرة، وكلفت بتسييرها وإنهاء احتكارها من جماعات أو تيارات دينية، إذ ضمت عشرات الآلاف من المساجد، وحرصت على أداء رواتب للأمة والمؤذنين. وأصلحت الوزارة المدارس العتيقة أيضا، التي تخرج الفقهاء وحفظة القرآن، وأنهت سيطرة بعد الشيوخ والدعاة عليها، من بينهم أشخاص اعتقلوا في أحداث 2003 أو قبلها. وشمل الإصلاح والمراجعة المناهج التربوية في المدارس، التي كانت تروج بدورها خطابات متطرفة نسبيا، أو لنقل إنها لم تكن تشجع على التسامح وتعايش الأديان. وقطع المغرب مع فوضى الفتوى، التي كان البعض يدلي بها على المنابر وفي الدروس والمناسبات، الأمر نفسه بالنسبة إلى جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي بدأت بالظهور في فاس وبعض المناطق الأخرى، وأصبحت اختصاصا حصريا مؤسساتيا للمجلس العلمي الأعلى، وتصدر باسم أمير المؤمنين. ولم يقف الإصلاح عند ذلك الحد، بل ذهب المغرب أبعد منه، وخرج أفواجا من المرشدين والمرشدات الدينيين، الذين وزعوا على مديريات وزارة الأوقاف في جميع مناطق المغرب، من أجل الإجابة عن أسئلة المؤمنين، وتعليمهم ممارسة الدين في بعض المناطق التي كانت معزولة نسبيا، ما أعطى المغرب مناعة كبيرة ضد خطاب التطرف. وخرج الدين من احتكار الرجال بعد 2003، فرغم وجود نساء عالمات في تاريخ المغرب، إلا أنه بعد الإصلاح حصلت النساء على الاعتراف بهن، وبما يحملنه من علوم دينية، إذ دخلن المؤسسات، وبعضهن ألقى الدروس الحسنية أمام الملك أمير المؤمنين، وتوج هذا الجهد الإصلاحي بكل جوانبه الأمنية والتربوية والتأطيرية، بأن أصبح للمغرب قطاع ديني منظم منسجم، ومنفتح على عصره ومحيطه وسياقه، وتجربة تقتدي بها اليوم الكثير من الدول الإفريقية، ويغري أكبر المؤسسات الأمنية الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعترف بتفوق المغرب في محاربة الإرهاب والتطرف. عصام الناصيري شهادات تغيير جذري هناك تغيير جذري في مجال محاربة الجريمة، من خلال توظيف عدد كبير من رجال الأمن على صعيد مجموعة من المدن، وساهمت عمليات التوظيف في النجاعة الأمنية، سيما على مستوى الأمن الحضري، لتعطي أكلها الكبير، إذ تزايدت عمليات مطاردة المجرمين، وضبطهم وتقديمهم إلى العدالة، في الوقت الذي نرى فيه غياب عمليات موازية من قبل الدرك الملكي، وتواكب فيه مصالح الأمن مجموعة من الأحياء الهامشية، فيغيب الدرك بالمجالات القريبة من المجال الحضري، بسبب قلة الإمكانيات البشرية واللوجستيكية. وهناك تطور على مستوى اللوجتسيك الأمني، لأن قديما كنا نرى سيارة واحدة يتحرك فيها عدد من رجال الأمن بالدوائر والمصالح، لكن الآن هناك سيارات مجهزة من مختلف الأنواع تجوب الشوارع العامة، معززة بشرطة النجدة، مستعدين للتدخل في كل لحظة والمناداة عليهم، لكن ليس هذا معناه الوصول إلى الحالة المثالية، إذ مازالت الجهود مطلوبة للقضاء على البؤر السوداء. بوشعيب الصوفي (محام) تطور التكوين ألاحظ أن هناك تطورا على مستوى التكوين والفكر، فعلى مستوى التكوين، هناك اهتمام في مجال حقوق الإنسان وتحسين وضعية المعتقلين داخل مراكز الشرطة، وهو ما ينم عن وجود ثقافة العنصر البشري. كما أن التطور شمل أبحاث الضابطة القضائية، من خلال إيجاد الأدلة، ولم يعد الأمر يقتصر فقط على إنتاج محاضر استماع، بل الاهتمام أصبح بالأدلة الجنائية تحت إشراف النيابة العامة. وأصبحنا نشاهد مسألة التشبيب في مجال الأمن مقارنة مع السابق. أما على المستوى الفكري، فلاحظنا تطورات مهمة في كيفية التعاطي مع الجريمة الاقتصادية والمالية، وهو تطور فكري ونوعي من نوعه يحسب للأمن في الوقت الراهن. وعلى مستوى محاربة الإرهاب أصبح هناك تنسيق بين جميع الأجهزة الأمنية، وهذا التنسيق أتى أكله استباقيا، وظهرت الكفاءة العملية للضابطة القضائية، لأنها باتت تقوم بعمليات استباقية، كما منح التواصل الإعلامي، شحنة قوية في ضبط الجريمة، ومنحت هذه الإجراءات احتلال البلد مراكز أولى في محاربة الجريمة الإرهابية، ويتم ذلك في مهدها قبل تنفيذها، إضافة إلى التطور الثقافي للعناصر التي تلج مجال الأمن، والتي بات أغلبه يتوفر على شهادات عليا في الإجازة والبعض يحمل "الماستر". عبد الحق حدودي (وكيل عام سابق ومحام بهيأة مكناس) استقاهما: عبد الحليم لعريبي مجهود كبير لا يمكن إنكار المجهود الكبير الذي يقوم به رجال ونساء الأمن للسهر على راحة المواطنين . وكل من يعتقد العكس فهو مخطئ، إذ لا يتوانى رجال الأمن في التضحية بأرواحهم كلما واجهوا موقفا يقتضي ذلك. ولهذا فأنا أنظر إلى رجال الأمن نظرة احترام كبيرة لأنهم فعلا يستحقونها من خلال ما يبذلونه من مجهودات وتضحيات. كما أن كل مغربي ينبغي أن يكون فخورا بنعمة الأمن في بلدنا. صحيح أن العديد من الأشخاص في عقود سابقة كانوا يشعرون بنوع من الخوف من رجال الأمن، إلا أن الوضع اليوم أصبح مختلفا، بما أن العلاقة اليوم تغيرت لأنهم نجحوا بمجهوداتهم الجسيمة في إحداث تغيير كبير. محمد بلعلا (تاجر) نقط مضيئة لا أحد ينكر أن الانطباع عن رجل الأمن والمؤسسة الأمنية، كان سلبيا وقاتما، وكان التركيز على الأخطاء والتجاوزات التي تقوم بها هذه المؤسسة في حق المواطنين هو الأمر الشائع، فيما لم نكن ننتبه إلى النقط المضيئة في عمل رجل الأمن من حماية المواطن ومحاربة الجريمة. لكن، هذه النظرة تغيرت خلال السنوات الأخيرة، وشاهدنا طريقة محاربة الإرهاب وغيرها من المجالات وصولا إلى معركتنا مع وباء كوفيد 19، إذ سنكتشف مؤسسة مواطنة. ساعد على ذلك التغييرات العميقة التي شملت هذه المؤسسة والهيكلة التي خضعت لها، وتعزيز دواليبها بإطارات عالية وذات خبرة في مجال التواصل وتحسين صورة المؤسسة لدى رجل الشارع وفي الإعلام. لقد تشرفت أنني كنت عضوا في اللجنة العلمية، لآخر دورة لتظاهرة الأبواب المفتوحة، التي نظمها الأمن الوطني بطنجة صيف سنة 2019، وراعنا حجم المهام والأدوار التي يقوم بها الشرطي. كما أنني لاحظت حجم رضا المواطنين عن عمل الشرطة، وهو ما يفسر الشعبية التي صار يحظى بها الشرطي وسعي عدد من الشباب إلى الالتحاق بمؤسسة الأمن الوطني. مراد القادري (شاعر وباحث) تفاعل إيجابي نستشعر، خلال السنوات القليلة الماضية، تقدما ملموسا في ما يتعلق بتفاعل مصالح الأمن مع ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من صور وفيديوهات، إذ يلاحظ أن الأمن صار يأخذ ما يتداول على تلك المواقع بعين الاعتبار، ويصدر بيانات في الموضوع. كما أن هناك تواصلا مع المواطنين عن قرب، سيما في المناطق التي كانت تعرف انتشار الجريمة، وكانت تعتبر من البؤر السوداء، وذلك بفضل مجهودات المصالح الأمنية، وجدية التفاعل مع المواطنين. كما أن هناك نقلة نوعية في ما يتعلق بتحيين ومحاربة، كل ما يمكن أن يسيء للجهاز الأمني، بهدف تحسين صورة رجل الأمن لدى المواطن، فقد صارت، وبفضل تلك المجهودات، إيجابية ومشرفة. ومن بين ما يشد الانتباه، حرص المصالح الأمنية على التقرب من الأطفال، من خلال تحقيق حلم بعضهم بارتداء الزي الخاص برجل الامن، وأيضا عقد لقاءات تواصلية داخل المؤسسات التعليمة حول السلامة الطرقية ومحاربة الجريمة وغيرها من المواضيع. عبدالعالي الرامي (فاعل جمعوي) استقتها: إيمان رضيف/ تصوير (عبد المجيد بزيوات)