أمين عام الاتحاد المغربي للشغل قال إن العمال يستحقون تحسين أجورهم مقابل مشاركتهم في صنع الثروة اعتبر الميلودي المخارق أن مطلب الزيادة العامة في الأجور ليس تسولا بل هو حق، بالنظر إلى أن 74 في المائة من حجم الضريبة على الدخل تأتي من الاقتطاعات من أجور العمال والموظفين، وأن ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للأجراء وعموم المغاربة، جعله مطلبا مستعجلا لا يحتمل الانتظار كثيرا. ونفى المخارق عند حلوله ضيفا على نادي "الصباح" نهاية الأسبوع الماضي، أن يكون هناك عجز داهم في صناديق التقاعد، وإنما هناك سوء تدبير ألحق أضرارا بأموال المنخرطين. في ما يلي نص الحوار: اجرى الحوار: ياسين قُطيب وبرحو بوزياني / تصوير (عبد اللطيف مفيق) ما هو تقييمكم للحوار الاجتماعي الحالي وهل أنتم راضون عن الحصيلة ؟ > كما تعلمون جميعا فقد أجرينا مشاورات مع الحكومة في إطار جولة من جولات الحوار يوم الجمعة 14 أبريل الماضي، لكننا في الاتحاد المغربي للشغل نعتبر أن للحوار قواعده وأهدافه، كما هي متعارف عليها في أدبيات مركزيتنا، فقد كنا دائما نُندِد بل وأحيانا نقاطع كل الحكومات التي حاولت أن تجعل من الحوار الاجتماعي مجرد إعلانات صورية للاستهلاك فقط، وذلك عكس ما نطمح إليه من حوار اجتماعي حقيقي، يعود بالنفع على الأُجراء والموظفين وعموم الشغيلة المغربية، ولم يكن لنا أن نخوض في هذه الجولة دون أن نشير إلى صعوبة الوضع الاجتماعي والاقتصادي، واشتداد محنة عموم الفئات الشعبية ،واتساع دائرة الأزمة لتشمل كذلك الطبقة المتوسطة، جراء تآكل القدرة الشرائية لدى المغاربة لذلك. ما هي أوليات في مطالبكم في جولة أبريل 2023 ؟ > بدأنا بالتساؤل عن الإجراءات الاستعجالية التي تنوي الحكومة اتخاذها من أجل الحد من التداعيات غير المسبوقة لغلاء الأسعار على أصحاب الدخل المتوسط والمحدود، وباعتبارنا المركزية النقابية الأولى والأكثر تمثيلية في العديد من القطاعات خاصة منها الإستراتيجية، لم نكتف بصياغة المطالب، بل بادرنا بتقديم مقترحات الحلول، كما هو الحال بالنسبة إلى مقترح تخفيض الضريبة على القيمة المضافة وعلى الضرائب الاستهلاكية التي تقتطع من المواد المكونة لقفة الأسر المحدودة الدخل، علما أن هذه الفئة تؤدي أكبر نسبة من الضرائب المفروضة على المواد الاستهلاكية التي تتراوح بين 10 و20 في المائة فقط بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة، لكن الحكومة مازالت تقف موقف المتفرج على ما يقع، وهذا بالحرف ما قلته لرئيس الحكومة، في وقت يجب الانتباه فيه إلى أن هناك تهديدا للسلم الاجتماعي واستقرار الدولة. كيف كان رد الحكومة على ذلك ؟ > نحن على يقين بأننا لا نطلب المستحيل من الحكومة، ذلك أن جل دول البحر الأبيض المتوسط بادرت إلى التخفيض من نسبة الضريبة على القيمة المضافة، وآخرها اسبانيا والتي ألغت هذه الضريبة بالنسبة إلى 50 مادة استهلاكية، وذلك ما نأمل أن تقوم به حكومتنا في الأشهر المتبقية من السنة المالية الجارية، لكننا نتوصل دائما بردود ألفناها سواء من رئيس الحكومة أو من الوزارة المنتدبة في الميزانية ، بالقول المكرر بأن هناك إكراهات ماكرو اقتصادية تمنع اللجوء إلى الحلول المقترحة من قبيل تمويل التغطية الاجتماعية، وكأن قفة المواطنين ليست ذات أولوية في هذا المجال، علما أن أهم أهداف السياسات الضريبة في العالم إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين فئات المجتمع ، وأساسا الحفاظ على القدرة الشرائية لدى الشرائح الاجتماعية الهشة، وهو ما لا يمكن إدراكه في منظومة تتسم باتساع دائرة الامتيازات والتهرب الضريبي . ما جدوى الحوار الاجتماعي إذا لم يكن هناك التزام بالوعود، كما هو الحال بالنسبة لاتفاق أبريل من السنة الماضية ؟ > نعتبر في الاتحاد المغربي للشغل أن جوهر الحوار الاجتماعي في مدى الالتزام بتنزيل نتائجه، فهم يتغنون بمأسسة الحوار الاجتماعي ونحن نقول هل بهذه المأسسة سيقتني المغاربة متطلباتهم من الجزار والخضار والبقال وما إلى ذلك. ولكي نكون منصفين يجب الاعتراف بأن الحكومة الحالية التزمت ببعض الوعود لكنها تملصت من البعض الآخر، فلو أننا لمسنا بأنها لم تلتزم ببعض ما تضمنه اتفاق 30 أبريل 2022 لما عدنا للجلوس معها في جولة هذه السنة، إذ بعد مفاوضات عسيرة تمكنا من انتزاع مكتسبات من قبيل الزيادة في الحد الأدنى للأجر في القطاعين الفلاحي و الخدماتي بنسبة 10 في المائة، على شطرين وكذا الرفع بالحد الأدنى للأجور في الوظيفة العمومية إلى 3500 درهم وزيادة في معاشات التقاعد بالنسبة للقطاع الخاص المنخرط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنسبة 5 في المائة لكل المحالين على المعاش منذ 2020، وسيفتخر الاتحاد المغربي للشغل بإسقاط شرط مجحف في قانون الصندوق المذكور، كان يرمي بعشرات الآلاف من المتقاعدين إلى جحيم الفقر عندما كان يفرض تجاوز عتبة 3240 يوم عمل للاستفادة من المعاش، والتي تم تخفيضها إلى 1320 يوم عمل، وقد لبت الحكومة هذا الطلب الذي رفعناه منذ حكومة عبد الإله بنكيران وكذلك في حكومة سعد الدين العثماني لكنها لم تحرك ساكنا. قوم "يقولون ما لا يفعلون" كيف تردون على من يقولون بأن النقابات قبلت في عهد حكومة أخنوش بأقل مما قدمته لها الحكومتان السابقتان؟ > هذا كلام لم يصدر إلا عن "بيجيدي " وتلك أمة قد خلت، وقوم "يقولون ما لا يفعلون"، ثم ماذا قدموا للنقابات؟ فقد طرحنا على بنكيران مطلب إسقاط شرط 3240 يوم عمل للاستفادة من المعاش فأجابنا بأحد عروضه في فن " وان مان شو"، وكذلك الأمر بالنسبة لخلفه الطبيب النفسي الذي أشبعنا كلاما لا طائلة من ورائه فقد جاؤوا إلى الحكم واستفادوا دون أن يفيدوا، وتركوا الطبقة العاملة على حالها، بل أسوأ مما كانت عليه فقد اتسمت مرحلتهم بقرارات اجتماعية أقل ما يمكن أن توصف به أنها "بلطجية"، من قبيل الاقتطاع من الأجور والرفع من سن التقاعد ومن الاقتطاعات وتقليص حجم المعاشات، وأعدوا قانونا "تكبيليا" للإضراب بشكل سري، وبطريقة لم يجرؤ عليها أي رئيس حكومة منذ 1962، تاريخ أول دستور للمملكة، ولحسن الحظ أن جهات عليا تدخلت لتأجيل النظر في مشروع قانون تنظيمي مخجل، كان سيضع المغرب ضمن مقدمة الدول المناهضة للحرية النقابية على مستوى العالم. 9 ملايير درهم قليلة ما هو تعليقكم على ما قاله الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن الكلفة الإجمالية للحوار الاجتماعي ناهزت 9 ملايير درهم ؟ > ليس لدي أي معطيات بهذا الخصوص لكي أؤكد أو أنفي صحة هذا الرقم، وحتى إذا كان هذا الكلام صحيحا، فماذا تعني 9 ملايير درهم مقابل الحصول على السلم الاجتماعي، الذي يجب أن نعتبره مكسبا لا يقدر بثمن، نحن لا نحبذ مثل هذا الكلام لأنه يذكرنا بأجوبة الحكومة السابقة والتي قبلها، فقد سبق أن قيل لنا إن الحوار الاجتماعي كلف الدولة 16 مليار درهم وقلنا إنه ثمن قليل بالنسبة إلى نعمة الاستقرار الاجتماعي، لا ينبغي أن تبقى الحكومات حبيسة الحسابات الميزاناتية والتعامل بمنطق (كم سيكلفنا ذلك؟) في ملف يهم أصحاب السواعد التي تحرك عجلة الاقتصاد الوطني لتنتج القوت اليومي للمغاربة. 1000 درهم شهريا نحن لا نذهب إلى جلسة الحوار الاجتماعي للنظر في مقترحات الحكومة، بل حملنا معنا مطالبنا لأننا في الاتحاد المغربي للشغل، نعتبر أن أي حكومة لن تمنحنا مكتسبات عن طيب خاطر، ولكن يجب أن ننتزع الحقوق، سواء بالمفاوضات أو بالنضال والاحتجاج ولم لا الإضراب، لذلك كان أول ما طالبنا به زيادة عامة في الأجور واقترحنا آليات لذلك، سواء في القطاع العام أو الخاص، الذي يفرض على الحكومة دفع أرباب العمل، عبر اتحاد مقاولات المغرب إلى الدخول في مفاوضات قطاعية تهدف إلى تحسين الأجور وتقديم تشجيعات ضريبة للمقاولات، التي تنخرط في اتفاقات أو "برتوكولات"، أما بالنسبة للقطاع العام فإن على الدولة باعتبارها المشغل أن تبادر إلى سن زيادة عامة في الأجور لا تقل عن 1000 درهم شهريا، وهذا ليس بالمطلب المستحيل، بالنظر إلى أن حكومتي عباس الفاسي و إدريس جطو منحتا زيادة شهرية صافية من 600 درهم. نضال منذ الحماية يجب التنبيه إلى أن للإضراب حمولة كبيرة في تاريخ المغرب المعاصر، وأدعوكم بالمناسبة إلى زيارة متحف الاتحاد المغربي للشغل، الذي أقيم في منزل المقيم العام الفرنسي الماريشال ليوطي، والذي منح هدية من المغفور له محمد الخامس اعترافا من الملك الراحل بمساهمة نقابتنا في تحرر البلاد، ومناسبة هذا الحديث الرد على بعض السياسيين الذين يمنون علينا لمجرد جلوسهم على طاولة الحوار معنا، ويمانعون في تمرير قانون يضمن حقا من حقوق الإنسان، لذلك وجب تذكير هؤلاء بأن الاتحاد المغربي للشغل أشعل فتيل إضراب بطولي في 8 دجنبر 1958 إثر اغتيال الشهيد النقابي التونسي فرحات حشاد، الذي كان مناسبة للحركة النقابية المغربية للمطالبة باستكمال استقلال المغرب، ولدينا وثائق وصور معروضة في متحف النقابة تشهد كيف أن الأمين العام السابق للاتحاد المغربي الشغل، الراحل المحجوب بن الصديق، اعتقل وعذب لتمسكه بمطلب استقلال المغرب في مواجهة جبروت سلطات الحماية، وقبل ذلك خاضت منظمتنا إضرابات آخرى، من أجل المطالبة بضرورة عودة العائلة الملكية من المنفى، فقد رفضنا كل المناورات التي قامت بها الحماية، التي تعهدت بالسماح بممارسة نقابية حرة، والسماح بحكومة انتقالية، وهو ما رفضه الاتحاد جملة وتفصيلا، وأغلق باب الحوار مع الفرنسيين قبل رجوع الملك إلى عرشه، وما هي إلا أشهر قليلة حتى تحقق المراد، تزامنا مع تأسيس الاتحاد المغربي للشغل في 20 مارس 1955. عبث الاقتطاع من الأجور نحن لا نفهم المنطق الذي ارتكزت عليه الحكومة السابقة والتي سبقتها، من أجل سن آليات الاقتطاع من أجور موظفي القطاع العام، فكيف نقتطع من أجر موظف يتقاضى أقل من الحد الأدنى للأجور، كما هو الحال بالنسبة إلى موظفي الجماعات المحلية، وقد تمكنا من إحراز بعض المكاسب باستعمال سلاح الإضراب مكرهين، كما وقع في مواجهة مدير عام سابق للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كان لا يصرح ببعض موظفيه لدى الصندوق، الذين يشتغلون فيه و هذا عبث. قانون "تكبيلي" للإضراب لماذا تعثر قانون الإضراب ؟ > هذا أمر تسأل عنه الحكومات المتعاقبة التي سقطت في فخ وضع مشاريع قوانين "تكبيلية" وليست تنظيمية لحق يضمنه الدستور بصريح نصه، وليس بوضع مساطر "شيطانية" لجعل ممارسة حق دستوري مستحيلة، إذ لا يمكن أن نصف وضع شروط من قبيل فرض طلب الإذن وحضور السلطة للجموع النقابية إلا بأنه "عبث"، في وقت نلتزم فيه بمطلب استقرار المقاولة شريطة ضمان ممارسة حق الإضراب، كما هو متعارف عليه في جميع دول العالم. ولا يعقل أن تتم الدعوة إلى الإضراب من قبل نقابتنا دون الحرص على ضمان استمرار الحد الأدنى للخدمات المقدمة سواء في القطاع الخاص أو العام، فنحن نحرص دائما على استمرار عمل مصالح المداومة والمستعجلات والعمليات في إضرابات المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة، وكذلك الحال بالنسبة إلى قطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب. أما في ما يتعلق بطلب الإذن فلا أعتقد أن النقابات تلجأ للإضراب من أجل التسلي، وإنما لدفع أرباب العمل للجلوس إلى طاولة الحوار، وعندما تتم الاستجابة للمطالب أو على الأقل إبداء إرادة في التفاهم نعلق الإضراب . كيف تعاملت معكم الحكومة الحالية بخصوص هذا الملف؟ >عندما فتحت الحكومة الحالية ملف قانون الإضراب قلنا لها إننا مستعدون لكن بشروط، وقبل كل دفع أو دفاع كما يقال في القضاء، يجب أن نرمي القانون الذي قدمته الحكومتان السابقتان في سلة المهملات لنبدأ العمل من جديد، وأن يكون هناك توازن بين الحق في الإضراب وحرية العمل. ونحن نتقدم حاليا في هذا الورش باجتماعات اللجان المشتركة المكونة من النقابات وممثلي "الباطرونا" تحت إشراف وزارة التشغيل ونحن على استعداد لكي نسرع وتيرة العمل، حتى وإن اقتضى الأمر أن تجتمع هذه اللجان كل يوم. نتداول في كل مجالات الإضراب بما فيها الاحتجاجات المترتبة عن الاقتطاعات من الأجور التي أكدنا بخصوصها بأن المسألة تخضع لما تقرره الاتفاقيات الجماعية. وهنا أشير إلى قطاع الغاز و البترول، الذي تمثل فيه نقابتنا عمال شركات متعددة الجنسيات لا يوجد فيها إضرابات لأنها تنخرط معنا في اتفاقيات جماعية واضحة المقتضيات تحدد طريقة الزيادة في الأجر وموعدها وإعادة النظر في أنظمة التعويضات والحلول التصالحية لنزاعات الشغل، وكذلك الشأن للمؤسسات البنكية الكبرى المنخرطة في مركزيتنا والتي لا يكون الحديث فيها عن الإضراب إلا بعد مفاوضات وإنذارات، وفي الغالب ما يتم التوصل إلى نزع فتيل كل توتر محتمل، وطبعا هذه القاعدة تسري حتى على القطاعات شبه العمومية الإستراتيجية. وماذا عن مسألة الاقتطاع من أجور المضربين ؟ > كنا دائما وسنبقى ضد الاقتطاع من أجور المضربين، لأننا لا نلجأ إلى هذا السلاح إلا إذا فرض علينا ذلك، وهو ما تشير إليه إحصائيات الوزارة الوصية التي تؤكد بأن 62 ,7 في المائة راجعة بالأساس إلى خرق مدونة الشغل، وعدم التصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهو كذلك خرق سافر للقانون، بالإضافة إلى حالات الطرد التعسفي وعدم الالتزام بمقتضيات الاتفاقات والبرتوكولات، وتأتي المطالبة بالزيادة في الأجور في الرتبة الخامسة من أسباب الإضرابات المسجلة برسم سنة 2022 . وبخصوص طريقة احتساب أيام الإضراب عند أداء الأجر الشهري كنا دائما ندفع في اتجاه اعتماد منطق طي صفحة الماضي و بدء صفحة جديدة، حتى لا ندخل في متاهة الاقتطاع والإضراب المضاد إلى ما لا نهاية. كما اقترحنا في حالة أخرى اعتماد آلية أيام التعويض عن الإضراب، فقد رفضت نقابتنا اقتطاع أجر 15 يوما من إضراب عمال السكك الحديدية وتوصلنا مع إدارتها إلى التنازل عن ثلثي أيام الإضراب واشتغال العمال المضربين الثلث الآخر تعويضا عن أيام الإضراب. هيبة الإضراب هل ما زال لسلاح الإضراب وقعه في زمن المرونة في التشغيل خاصة في القطاع الخاص؟ > سيبقى الإضراب هو الملاذ الأخير إذا أغلقت أبواب المفاوضات أمام النقابات، فهناك عدة طرق للتعبير عن غضب العمال من حمل الشارة والتوقفات الإنذارية قبل بلوغ مرحلة الإضراب، هذا معمول به في كل دول العالم، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، على اعتبار أن الحق في عمل لائق أصبح من مرتكزات حقوق الإنسان، وفي اعتقادنا لا ينبغي اللجوء إلى هذا السلاح بشكل متواتر حتى تبقى للإضراب هيبته. نتذكر جميعا عندما كنا نسمع إعلانا عن الإضراب ونحن نقابيين شبابا تعلن حالة الطوارئ في البلاد، لكن بعض الأوساط النقابية استعملته بشكل متكرر، إلى حد أنه فقد ذلك المعنى الذي كان للإضراب في الثمانينات على سبيل المثال، فاليوم تتخذ قرارات الإضراب بشكل ميع الفكرة ولم يعد يهتم بوقعها أحد. هل تعتقدون أن صدور هذا القانون سيبقى رهينا بانجلاء شبح انعدام الثقة؟ > أصبحنا نخاف على النقابيين من بطش أرباب العمل، فمجرد بأن يتم الإعلان عن إحداث مكتب نقابي يتم طرد أعضائه وفي أحسن الأحوال يؤجل هذا الطرد إلى أول احتجاج ولو تم بحمل الشارة فقط، وهنا يطرح دور الدولة في حرصها على حماية هذا الحق الدستوري، وللأسف يقف بعض ممثلي السلطات العمومية موقف المتفرج بهذا الخصوص، فكيف يمكن أن يمر عامل عمالة صباح مساء على 400 امرأة طردهن رب العمل واعتصمن طيلة شهر رمضان دون أن يحرك ساكنا. لا يمكن أن نصف مثل هذا المشهد إلا بأنه دليل صادق على الحياد السلبي في تطبيق القانون، لذلك كانت الحريات النقابية من بين أهم المحاور التي طرحتها نقابتنا على رئاسة الحكومة، إذ يتم انتهاكها على مرأى ومسمع ممن يفترض فيهم الحرص على تنفيذ القوانين التي تسنها وتحميها. أين مدخرات الموظفين ؟ حاولنا التصدي لرفع سن التقاعد في حكومة "بيجيدي" إلى 63 سنة لكن الأغلبية العددية في البرلمان منحتها سلاح الشطط وتمرير القانون دون أن تكون لنا طريقة أخرى لمنعها، فأنتم تعلمون أن النقابات ليس لها حق اللجوء إلى المحكمة الدستورية وقبل ذلك اقترحنا حلولا وسطى كأن يكون رفع سن التقاعد اختياريا، على اعتبار أن هناك أعمالا يمكن أن يستمر مزاولوها إلى ما فوق هذا السن، لكن بالمقابل هناك أعمال شاقة يصعب القيام بها مع التقدم في السن، بل إن هناك دولا حددت لها سن تقاعد أقل من العادي. وطالبنا بالكشف عن مصير الملايير التي حرمت منها الصناديق سواء بسوء التدبير أو بعدم أداء مساهمات الدول لعقود، فلو أن الدول أدت في وقت من الأوقات 22 مليارا من المتأخرات لما وصلت الصناديق إلى ما هي عليه الآن، لقد سبقنا فرنسا في الاحتجاج على رفع سن التقاعد، لكن الحكومة السابقة أصرت على تمريره ضدا على مصلحة المعنيين به ودون نقاش ولا حوار، لأنها لا تؤمن بالاختلاف، وأعتقد أن عاقبة الذين قطعوا أرزاق العمال "لن تخرج على خير" في الدنيا قبل الآخرة، لكم عبرة في مآل وزير من الحكومتين السابقتين شارك في هذه المجزرة. تهريب اجتماعي لم تقف دائرة سوء تسيير صناديق التقاعد عند الخروقات المرصودة سابقا، بل مازالت مستمرة إلى اليوم وتهدد مستقبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالامتناع عن تسجيل الأجراء فيها، أو في أحسن الأحول تسجيلهم بطريقة أصفها دائما بالتهريب الاجتماعي، فهناك ممارسات تحرم الصندوق من الملايير بتقليص عدد المنخرطين، ولذلك نتوقع أن تصل هذه المؤسسة إلى حافة الإفلاس بحلول 2032 وبعدها بعشرين سنة سيأتي الدور على النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ليس لأنه يتمتع بالنجاعة في التسيير، ولكن لأنه نظام بخيل على سلم المعاشات الممنوحة، التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال ثلثي الأجر، والسؤال الكبير الذي سيبقى مطروحا، هو أين ذهبت مدخرات عقود من انخراط الموظفين في الصندوق المغربي للتقاعد، لذلك نقول في الاتحاد المغربي للشغل إن هذا الصندوق ليس به عجز، بقدر ما هو سوء حكامة، لذلك نعتبر بأن ما تقدمه الحكومة اليوم ليس إصلاحا، وإنما هي إجراءات مقياسية، ورفضنا أن يكتب في محضر اجتماعنا مع رئيس الحكومة ووزيرة الاقتصاد والمالية تحت عنوان إصلاح صناديق التقاعد، ثم بعد ذلك تفاجأنا بتسريب وثائق وندوة صحافية عقب لقاء أولي قدم على أنه وقع الاتفاق على مضامين تقرير مكتب دراسات، علما أنه أنجز في 2018، فكيف يعقل أن نعتمد تقريرا من هذا القبيل والجميع يعرف أن هذه المكاتب تصنع توصياتها تحت طلب من يؤدي ثمن أتعابها، لذلك وجدنا أنفسنا مجبرين على إصدار بلاغ نتبرأ فيه من هذا الاتفاق، لأن الملفات الاجتماعية الكبرى لا تحل بمثل هذه الطريقة. فوضى التصريحات لا يمكن تحميل الأجراء عبء سوء تدبير صناديق التقاعد، فلنأخذ مثلا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ورغم المجهودات المبذولة من قبل الإدارة الحالية، فإن47 في المائة من المنخرطين مصرح بهم بأقل من الحد الأدنى للأجور، علما أن الأكثرية غير مصرحا بها أصلا، والإحصائيات الرسمية تقول إن هناك 5 ملايين أجير في القطاع، ولا يوجد في سجلات الصندوق إلا مليونين و800 ألف، هذه معطيات صادمة لأنها تشير إلى أن قرابة نصف المنخرطين مصرح بهم بأقل من الحد الأدنى، وكذلك ليس كل هؤلاء المنخرطين مصرح بهم 12 شهرا في السنة، فهناك بعض أرباب العمل يقومون بتسجيل أجرائهم فقط للحصول على رقم الانخراط ولا يؤدون بعد ذلك مساهمات الصندوق، وكذلك ليس كل المنخرطين مصرحا بهم 26 يوما في الشهر، إذ عادة ما يتم فرض 10 أيام فقط للاستفادة من التعويضات العائلية، هذه فوضى غير مقبولة. الشركات الجهوية... شر لابد منه وصلنا إلى قناعة بأن الشركات الجهوية متعددة الخدمات شر لابد منه، رغم أن هناك تخوفا بين صفوف عمال ثلاثة قطاعات هي : المكتب الوطني للكهرباء، ووكالات التوزيع المستقلة، وشركات "ليدك" و"ريضال" و"أمانديس"، بالإضافة إلى قطاع الماء الصالح للشرب، الذين تفاوضت نقاباتهم مع الداخلية منذ سنتين، واليوم اعتبرت الدولة أنه حان الوقت لتنزيل هذا المشروع، لكن الهيآت الممثلة لعمال المكتب الوطني للكهرباء والوكالات المستقلة وشركات التوزيع المفوض لها، اشترطت لقبول المشروع الحفاظ على المكتسبات والأجور والإبقاء على الوضعية الاجتماعية كما كانت عليه، خاصة في ما يتعلق بصناديق التقاعد الداخلية والخدمات الاجتماعية، وفعلا هذا ما تمت بلورته في الفصل 16 من مشروع القانون المذكور، ومازالت المفاوضات جارية تحت إشراف وزير الداخلية. في سطور - من مواليد 1950 بالبيضاء - انتخب منذ 2010 كاتبا عاما للاتحاد المغربي للشغل خلفا للمحجوب بن الصديق - انخرط في العمل النقابي سنة 1975 بتأسيس الفدرالية الوطنية للتكوين المهني - مستشار سابق بالغرفة الثانية باسم الاتحاد المغربي للشغل 288 رقم مشؤوم إذا كان هناك عزوف عن النقابات، فالسبب هو محاربة الدولة لهذا الانتماء، والدليل على ذلك أنه هناك فصل في القانون الجنائي يحمل الرقم المشؤوم 288، ويمكن بمقتضاه أن يحكم بالسجن على أي نقابية أو نقابي من شهر إلى سنتين حبسا نافذا، وهو شبيه بذلك الذي كان يسجن به السياسيون والمعروف بظهير كل ما من شأنه، وهو فصل مخالف للدستور موروث عن زمن الحماية، لأنه كان يشكل خطرا على المستعمر، على اعتبار أن الإضرابات كانت تنتهي بالمطالبة بالاستقلال.