تحولت من مدينة للزهور إلى فضاء للرعب ومطالب للمسؤولين بالتحرك "الكلاب ولاو كثر من بنادم فيما درتي تلقاهم"، "رد البال إلى مشيتي تاجيتي وسطهم انهشوك ونتا حي"، "ولينا حاضيين جنابنا ليعضنا شي كلب من هدو اللي دايعين فالزناقي"، "مابقينا عارفين راسنا وسط مدينة متحضرة ولا فمحمية ديال المجاحم؟"...هي أحاديث يتم تداولها يوميا بين سكان وزوار المحمدية بعد أن أرخت ظاهرة الكلاب الضالة بظلالها على الحياة اليومية لسكان مدينة الزهور وحولتها إلى جحيم لا يُطاق. إنجاز: محمد بها - تصوير: (عبد الحق خليفة) "ماقدو فيل زادوه فيلة"، مثل مغربي يستحق الاستعانة به لتسليط الضوء على حال المحمدية، التي مازال سكانها يعانون مظاهر الترييف التي تطبع الحياة اليومية لمجموعة من سكان الأحياء الشعبية الذين يتشبثون بسلوكات "البادية" من خلال ربط الدواب قرب العمارات السكنية وتربية الدجاج، وركن العربات المجرورة، إضافة إلى انتشار المطارح العشوائية للأزبال، قبل أن يجدوا أنفسهم تحت سيطرة معضلة خطيرة تتمثل في انتشار الكلاب الضالة التي تسبب الإزعاج بنباحاتها ومعاركها الضارية في أوقات متأخرة من الليل، إلى حد إيقاظ الأطفال والنساء بشكل مرعب. الشجرة والغابة "لا نقى لا أمان...اللي ما كملو الزبل وصحاب الدواب زادوه الكلاب الضالة"...عبارة يرددها الساخطون على الوضع الذي تعيشه أحياء المحمدية، التي يفترض أنها ضمن المجال الحضري، لكن الواقع يكشف أنها صارت مستنقعا في العشوائية والفوضى. الرشيدية من بين الأحياء التي تعاني مشكلا كبيرا في انتشار الكلاب الضالة، خاصة التي تتميز بسلوكها العدواني نتيجة إصابتها بالسعار، وهو ما أصبح عائقا لدى سكان المنطقة لقضاء أغراضهم ومصالحهم الحيوية، فعلى الراغب في الالتحاق بمقر عمله أو مدرسته وباقي الفضاءات التجارية أو الإدارية أو العودة إلى بيته، "التسلح" بكميات وفيرة من الحجارة للدفاع عن نفسه من هجومات كلاب مخيفة، أو الاستنجاد بجموع المارة لتجنب الوقوع فريسة سهلة للكلاب التي تهاجم الناس، خاصة إذا كان الشخص يتحرك وحيدا. وعبر عدد من سكان حي الرشيدية الذين صادفتهم "الصباح"، عن تحسرهم البالغ على وضعية "المسخ" الذي تتعرض له مدينتهم، مشيرين إلى أنها تحولت من مدينة الزهور إلى محمية للكلاب الضالة ومختلف مظاهر الفوضى. "السعار والجربة" في الوقت الذي يتفق فيه المواطنون مع العديد من النشطاء والحقوقيين العاملين في مجال الرفق بالحيوان، على إدانة عمليات تسميم وقتل الكلاب الضالة ومظاهر التعذيب البشعة المرافقة لحملات جمعها والتي تتنافى مع القيم الإنسانية والدينية، فإن المتضررين يوضحون أن هناك طرقا أخرى ناجعة تتمثل في جمع تلك الكلاب في فنادق متخصصة في العناية بالحيوانات الضالة أو منحها لجمعيات تتولى العناية بها مقابل الحصول على دعم مالي سنوي. ولم تفت مراد، طالب جامعي وأحد سكان حي الرشيدية، مناشدة رئيس جماعة المحمدية تخصيص وحدات بيطرية للقيام بحملات التطعيم والتعقيم لهذه الكلاب الضالة للقضاء على مخاطر "داء الكلب" التي تتربص بالمواطنين وتتهدد حياة المارة، خاصة كبار السن والأطفال وضعاف المناعة الذين لا يمكنهم تحمل تبعات عضة كلب مسعور. من جهتها، قالت إحدى الأمهات التي كانت مصحوبة بطفليها العائدين من المدرسة، إن الكثير من الكلاب تعاني "الجربة" الذي يتطلب علاجا مستعجلا، مشيرة إلى أن هذا المرض يظهر على شكل تقرحات وحكة شديدة تصل إلى حد حدوث التهابات في الجسم. وكشفت الأم أنها تحرص بشكل يومي على التكلف باصطحاب فلذتي كبدها عند التنقل إلى المدرسة والعودة منها، خوفا من تعرضهما للعدوى نتيجة التعرض لعضة أو ملامسة، خاصة أن صغار السن يقومون بسلوكات اللعب مع الكلاب دون إدارك لمخاطر هذا النوع من الأمراض التي تتربص بصحتهم وحياتهم. ألعاب السرك في السابق كانت الكلاب الضالة تتجمع في الخلاء أو تعيش وسط أوراش البناء المحصنة بأسوار وحواجز، إلا أنه في الوقت الحالي، استقوت ووجدت في إهمالها من قبل السلطات المحلية والمنتخبة فرصة للتكاثر والاستقواء، ومن ثم الانتقال لاستيطان الأحياء السكنية الآهلة بالسكان. زائر أحياء ومناطق المحمدية لا بد أن يثير انتباهه احتلال الأرصفة والمدارات والشوارع من قبل الكلاب الضالة، التي أصبحت تظهر على شكل مجموعات كبيرة تقوم بحركات استعراضية كأنها تشارك في ألعاب السرك، عوض الاقتصار على كلب أو كلبين يبحث فقط عن الأكل أو يكتفي بالنوم العميق كما في السابق. خطر متنقل وإضافة إلى مظاهر التحرش التي يتعرض لها ركاب السيارات والدراجات النارية والهوائية وكذا عربات الجر بالدواب، سواء تعلق الأمر بالنباح أو المطاردة من قبل كلاب مسعورة تكشف عن أنيابها بشكل يبعث على الخوف، فإن التعرض لخطر العض لمن اختار السير على قدميه في الطرقات والأزقة، أصبح كابوسا يقض مضجع السكان وضيوفهم في حلهم وترحالهم، بعدما تحول الشارع العام بمدينة الزهور إلى محمية للكلاب الضالة. وأدى تزايدها بشكل ملفت إلى بث الرعب والخوف في نفوس المارة، خاصة حرصها على التجول في إطار ما يعرف باللغة العامية "الصاروفة"، الأمر الذي يتهدد الناس خلال الليل والنهار، خاصة في الساعات الأولى من الصباح وكذا كلما أرخى الليل سدوله، إلى درجة التعرض لحوادث العض والنهش المؤدية إلى عاهات مستديمة أو فواجع الوفاة كتلك التي شهدتها عدد من المدن والأقاليم. وأمام هذه المخاطر التي تتهدد سلامة وحياة الناس، طرح مستجوبو "الصباح"، تساؤلات استنكارية من بينها، لم تغض السلطات الطرف عن غزوات الكلاب الضالة بمناطق وأحياء المحمدية؟ هل مدينة الزهور استثناء من حملة محاربة الكلاب الضالة؟ لماذا السلطات والمنتخبون يكتفون بموقف المتفرج أم ينتظرون سقوط ضحايا كلاب مسعورة؟ أين هي الميزانية المخصصة لمحاربة الكلاب الضالة؟ أسئلة حارقة لم يجد لها المتضررون من هذه الوضعية الكارثية جوابا إلى حد الساعة سوى التعليق بمقولة "الحافيظ الله أما السلطة والجماعة فراهم فدار غفلون".