ملاعـب القـرب… فضـاءات الريـع

زاغت عن أهدافها النبيلة وتحولت إلى مشاريع تدر الربح على أصحابها وتكرس الفوارق الاجتماعية في الوقت الذي كان الرهان عليها من أجل تشجيع الممارسة الرياضية وتقريبها من الشباب والمراهقين، لتساهم في إبعادهم عن الجريمة والمخدرات والفكر "الداعشي"، حادت ملاعب القرب، في العديد من المدن، عن أهدافها النبيلة وتحولت إلى آلة لتكريس نوع جديد من الريع الذي تستفيد منه جهات متعددة، دون حسب أو رقيب عليها، بدءا من الجمعيات التي تشغل هذه الملاعب لأهداف ربحية، رغم أنها لا تملك الصفة القانونية لذلك، مرورا ب"البلطجية" الذين يسيطرون عليها ويتحكمون في كواليسها، وصولا إلى المنتخبين الذين يستغلونها لأهداف شخصية سياسية وانتخابية، مع اقتراب كل استحقاق انتخابي. هذا التدبير الفوضوي والعشوائي، لملاعب القرب، حرم شباب العديد من المدن، من فضاءات لممارسة هواياتهم والترويح عن أنفسهم، خاصة في بعض المناطق المهمشة، لصالح مشاريع تجارية تدر الملايين على أصحابها شهريا، وتكرس الفوارق والظلم الاجتماعي. ن . ف فتوات للتحكم يسيطرون على حق الولوج إليها مستفيدين من الفراغ القانوني تحولت ملاعب القرب إلى قلعات حزبية، تترك للاستقطاب في وقت الانتخابات، وساهم الغموض وانعدام إطار قانوني واضح للاستغلال والتسيير في ظهور "فتوات"، يسيطرون على هذه الملاعب، ويضعون قوانين خاصة بهم لاستغلالها والاستفادة من مداخيلها، لدرجة أن مرور السنوات دون وضع قوانين صارمة، حولت هذه الكعكة إلى حق "مكتسب" للحائز المنتفع من مداخيل العقار. ويبسط "الفتوات" أياديهم على الملاعب منذ تشييدها، ليسيطروا على حق الولوج إليها، مستفيدين من الفراغ القانوني وناهجين أسلوب الفوضى لإبعاد المتنافسين أو الجمعيات ذات الأهداف الرياضية، أو التي لها تاريخ في الإسهام الثقافي والرياضي، كما يتم تغليب قانون الغاب. ونظرا لأن العقارات التي تشيد عليها تلك الملاعب تكون بوضعية قانونية ملتبسة، فهي إما بقايا تجزئات لم تعمد الجماعة إلى تحفيظها، أو أنها شيدت فوق أراض مهملة مملوكة لخواص، أو أنها وقعت على جزء من عقارات الدولة، إذ أن تداخل الجهات المالكة والمانحة، يعقد وضعيتها القانونية، فهي من حيث الشكل تتبع لمندوبية الرياضة، ومن حيث التمويل خضعت لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي سهرت عليه الداخلية (العمالات)، ومن حيث الدعم المادي السنوي والموسمي، تستفيد من منح المجالس الجماعية والإقليمية، فإن هذا التداخل يجعلها غير تابعة لأي جهة، بل تخضع لمن يبسط عليها اليد ويفرض قوانينه على أرض الواقع، بعد تأسيس جمعية صورية بمكتب مسيطر عليه، لإضفاء الشرعية. ومازاد من ارتفاع أطماع الفتوات للسيطرة على هذه الملاعب، وفرض أنفسهم بقوة، المداخيل المتنوعة التي توفرها، بدءا من فرض مبالغ على الفرق التي ترغب في الاستفادة من حصص للعب بها، إذ تبرمج مباريات إلى حدود الساعة العاشرة ليلا أو ما يزيد عنها، ناهيك عن تخصيص أوقات للمدارس الخاصة التي لا تتوفر على ملاعب لاستغلالها في حصص الرياضة المدرسية بمقابل، وفق عقود سنوية بالملايين، لدرجة أن بعض المدارس الخاصة أصبحت "تتزايد" للظفر بالحصص في الأوقات التي تريدها. ورغم ما تدره الملاعب من مداخيل فإن التبعية السياسية للجهة المسيطرة في مجلس الجماعة، تجعل الجمعيات المهنية تستفيد من تخصيص منح ودعم للصيانة وأداء فواتير الماء لها، وتستفيد من الإنارة العمومية. ولا تبحث السلطات المختصة، سيما مصالح الشؤون الداخلية، في مدى قانونية المداخيل أو إن كانت الجمعيات تتوفر على سجلات للمحاسبة وميزانياتها تخضع للرقابة، بل يكفي تجديد المكتب وفق أهواء الرئيس وحاشيته، للحصول على وصل إيداع يكون بمثابة الصك التجاري الذي يسمح بخرق القانون وجمع الأموال دون وجه حق. وتعالت في بعض المناطق أصوات ضد التسيير المفرد وانعدام المراقبة والاعتماد على تقارير مالية وأدبية صورية، تمرر في الجموع العامة لإضفاء الصفة القانونية على التسيير، إلا أن تلك الأصوات ما تلبث أن تخفت، بعد الحصول على امتيازات تخولها حقها من الكعكة. وبمقدور الدولة أن تنهي فوضى تسيير ملاعب القرب، سيما أنها تتوفر على موارد بشرية زائدة يمكن تكوينها، ووضع هذه المرافق العمومية تحت إدارتها، للقطع مع أي استغلال عشوائي، وفرض المجانية التي أنشئت من أجلها، لتمكين الأسر من فضاءات لأبنائها، قصد اللعب والترفيه والرياضة. المصطفى صفر

ملاعـب القـرب… فضـاءات الريـع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

منشآت بنكهة سياسية

حرق طفلة يورط زوجة أبيها

مقالات ذات صلة