“الزعيـم” اغتـال الديمقراطيـة

لزرق رصد بروز قيادات متهالكة فاقدة للصلاحية تناور باسم استكمال المشاريع فرضت أزمة الثقة التي تعصف بفئات واسعة من الشباب، في ظل ترهل القيادات السياسية، إعادة القراءة في واقع حزبي تراجعت فيه نسب دوران النخب في مناخ يسوده خطاب الشعبوية، بعدما أثبتت أغلب القيادات الحالية عدم فاعليتها وعجزها عن مجاراة الزمن الدستوري، وتحقيق ما وعدت به من إنجاز، وباتت متخوفة من حراك الشباب إلى حد مضاعفة جهودها للسعي إلى ضمان مستقبل أبنائها أولا ومواجهة التغيير، تجسيدا لغريزة البقاء. واعتبر رشيد لزرق أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية أن هذه القيادات السياسية والحزبية تريد من الشباب أن يكون خزانا انتخابيا، لا غير، وليس طاقات أو كفاءات وهو ما يزيد، في نظره، من أزمة الثقة الحادة التي تعصف بهؤلاء الشباب، في ظل صعوبات يمر بها الاقتصاد الوطني، زادت من حدته قيادات لا تملك زادا علميا يؤهلها لتحفيز إقلاع اقتصادي، بل إن تهافتها على ترشيح أبنائها سيؤجج عوامل الإحباط، وبالتالي يؤكد الاستنتاج الذي أصبح قاعدة بأننا في دوامة من الحلقات المفرغة، وإن المناصب خارج الزمن الدستوري تورث وتمرر من الآباء إلى الأبناء، وأما الباقي فليشرب البحر . وأوضح مدير مركز شمال إفريقيا للدراسات و البحوث و تقييم السياسات العمومية في تصريح لـ «الصباح» أن الديمقراطية، في مفهومها الريعي ، قد تنتج ارتباطا مصلحيا بشخصيات قيادية تحت مبرر انتصار «الزعيم»، الذي يحق له إصدار الأوامر والنواهي، حتى ولو جاءت ضد قيم وروح الديمقراطية، وعارضت الحريات والحقوق، لأن ثقافة الزعيم تتعارض مع جوهر الديمقراطية القائم على التغيير. وتأسف لزرق عما يقع الآن في الأحزاب السياسية، بما في ذلك تلك التي تدعي التقدمية والحداثة، مسجلا بروز قيادات متهالكة فاقدة للصلاحية تناور تارة باسم الفراغ وتارة أخرى باسم استكمال المشاريع، مستغلة تلبية حماس القواعد المتطلعة لدخول عالم الاستفادة من الريع، ما يجعل المنظومة الحزبية بدون خط سياسي ولا وضوح فكري، وأن ذلك يعود إلى جملة من الأسباب والمبررات، منها غياب مفهوم الديمقراطية المرتبطة بالمؤسسات، وحصر مفهوم التعاقد في الولاء الأعمى للزعيم، حينها يصبح أي رأي مخالف لرأي الزعيم خيانة عظمى، يهدد الشبكات المستفيدة من الريع. وخلص المتحدث إلى أن تطبيق مبدأ دوران النخب داخل الأحزاب السياسية، وما تثيره من قضايا فرعية تعد أهم المشاكل المطروحة بخصوص شأن سياسي شديد التعقيد، وأن « ما تفرزه هذه القضية من ظواهر، بعضها طارئ عن الفعل السياسي، والبعض الآخر معتاد في الفعل السياسي في السابق؛ وعانته المنظومة الحزبية، رغم تخيل البعض انتهاءه وعدم عودته مجددا»، مشددا على الحاجة الملحة لفهم حقيقي لما تعانيه المنظومة الحزبية من انتكاسات على مستويات عدة، ومحاولة الوصول إلى حلول فعلية للمشكلات، التي تواجهها الأدوات الحزبية، التي تدفع باتجاه استخدام العنف اللفظي والتعبيري للوصول إلى السلطة، وتجعل المؤسسة الحزبية تبتعد عن دورها الطبيعي، وهو الدفاع عن مشاريع مجتمعية بما لا يسمح، من ناحية، بتطور هذه المؤسسة بصورة طبيعية، ويؤدي، من ناحية أخرى، وفي الوقت نفسه، إلى إساءة استخدام هذه القيادات للأداة الحزبية، وهو ما ينذر بمزيد من المسخ السياسي، وبتهديد أخطر للاختيار الديمقراطي. ووصف لزرق أن إعادة انتخاب أمناء عامين للمرة الرابعة على التوالي «تراجيديا سوداء» من القرن الماضي لا تمت للحاضر بصلة، وأن ما يجري في كواليس الأحزاب يكشف بالملموس عطبا في تكريس مبدأ الديمقراطية التي تقوم على التداول على القيادة وبشكل أخص في أحزاب تدعي التقدمية، مسجلا أن خلود الأمناء العامين والرؤساء يوضح حجم التناقض مع روح العصر، بالنظر إلى جوهر التقدم هو التغيير، بينما يكرس الوضع المرصود عنصر الثبات، إن لم نقل «الرجعية» بلغة الرفاق. وأوضح المتحدث أنه عند الحديث عن عدم الثقة في الأحزاب ينتفض السياسيون بتصريحات مضادة، لكن عندما يتم المساس بالدولة يركنون إلى الصمت و الانتظارية، كأنهم لا يعرفون الأزمات التي يعيشها المغاربة وفي مقدمتهم الشباب، الذين تغشاهم حالات اليأس والقلق عن مصيرهم ومآل وضعيتهم، و»عندما يطرح هذا السؤال يجيب هؤلاء القادة بنصيحة التسلح بالأمل، في وقت تجدهم مهووسين بتأمين مستقبل أبنائهم الفاشلين والبحث عن ضمان مستقبلهم عبر إدخالهم السياسة بغية الاستفادة من الريع في وقت لا يجد أغلب الشباب مجالا لتصريف تطلعاتهم!؟». قمة الانتهازية المرحلة الحالية تقتضي العمل والتعبئة والانخراط الجماعي الفعال في التوجه الإصلاحي الهادف، لاستكمال بناء مغرب الوحدة والحداثة والتقدم والاستقرار والرفاه الاجتماعي، من أجل تحصين مكتسبات التجربة الديمقراطية المغربية وتنقيحها من الشوائب. ولن يتأتى ذلك إلا بوجود أقطاب سياسية، قصد الارتقاء بالعمل السياسي نحو ديمقراطية سليمة، عبر توفير فضاءات حرة ومسؤولة للتبادل والتأطير والالتزام، والسعي لتجميع المواطنين والمواطنات وتدبير الاختلافات والتناقضات وإفراز التصورات والمشاريع السياسية ذات الارتباط القوي بالانتظارات الوطنية الكبرى، والتمكن من تنزيل معادلة ربط المسؤولية بالمحاسبة، على اعتبار أن ماهية أي حزب سياسي تنطلق من استحالة وجوده إلا كعنصر داخل نسق معين قائم ومحدد، أما سعي البعض إلى السلطة كفاية و ليست وسيلة، يشكل ضربا لنبل الممارسة السياسية وقمة الانتهازية. ياسين قُطيب

“الزعيـم” اغتـال الديمقراطيـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مغاربة ضحايا تذاكر المونديال

تلاعبات في "ماستر" معهد ملكي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات