فيلم وهمي لاعتقال قاتل

المتهم قتل أستاذا أمريكيا واختفى عن الأنظار وعشقه للتمثيل أوقعه في كمين الأمن استيقظ محمد، صباح أحد أيام دجنبر 2003 الباردة، وخرج إلى الزقاق ثم طرق باب صديقه وجاره الأستاذ الأمريكي، لكنه لم يجبه، علما أنه اعتاد الاستيقاظ باكرا. ظن أنه ربما خرج للتجول عبر شاطئ المدينة القريب من مسكنه. عاد إلى غرفته وهيأ فطوره، لكن شيئا ما ظل يرن داخله، فاستغل وجود مفاتيح شقة الأمريكي وصعد عبر الأدراج، فكانت صدمته كبيرة، إذ لمح جثته وسط بركة من الدماء. جندت الشرطة القضائية بالجديدة كل قواها الظاهرة والخفية، ووزعت الأدوار في ما بينها لتحديد هوية القاتل وفك لغز هذه الجريمة، لارتباطها الوثيق بموضوع قتل الأجانب، كي لا تأخذ اتجاهات وتفاسير أخرى، سيما أنها تزامنت مع أحداث إرهابية دولية. جثة في الصالون انطلقت فصول هذه القضية، نهاية أكتوبر 2003، بسرقة بطاقة الهالك الخاصة بحسابه الشخصي، وانتهت بالعثور عليه جثة هامدة بمقر سكنه بحي البركاوي خلال دجنبر الموالي. تقدم رئيس الشرطة القضائية باقي العناصر الأمنية الأخرى، وعاين الجثة الملقاة على أريكة بالصالون، وعليها عدة طعنات بادية للعيان، ما زالت واحدة بالعنق تحتفظ بأداة الجريمة. عثر على مجموعة من الصور الخليعة، يظهر فيها شباب في مقتبل العمر، وكوبين مازالا يحتويان على بقايا مشروب غازي وقنينات جعة وأعقاب سجائر وعوازل طبية ودفتر شيكات وسراويل قصيرة وقميص داخلي، ودم على الفراش. وعلى الآلة الكاتبة ورقة تحمل محاولات تقليد توقيع الهالك "مستر جورج" وهو أستاذ جامعي متخصص في تحليل الصور، سبق له الاشتغال بجامعة شعيب الدكالي. أثار انتباه رئيس الشرطة القضائية دفتر الشيكات الذي تحمل بعض أوراقه توقيعات مزورة، وانتبه إلى أن الجاني اقتطع منه بعض الأوراق. وكلف مساعده بالتوجه حالا إلى الوكالة البنكية التي أصدرت الشيك والسؤال عن صاحب الحساب والعمليات التي قام بها. وكانت دهشة المساعد كبيرة، عندما علم بأن شابا تقدم أمام المكلف بصندوق الوكالة البنكية صباح اليوم ذاته، بشيك يحمل مبلغ 10 آلاف درهم. متاهات البحث مد المكلف بصندوق الوكالة البنكية مساعد رئيس الشرطة القضائية بالمعلومات المثبتة على ظهر الشيك (اسم ورقم بطاقة الساحب)، انتبه إلى أن التوقيع يشبه إلى حد كبير ما تم اكتشافه بالورقة المرفقة لدفتر الشيكات. عاد مباشرة نحو رئيسه وأخبره بالمستجدات، التي ألقت بعض الضوء على القضية. كلف (م.ب) رئيس الشرطة القضائية أحد مساعديه بالتوجه نحو مقر سكن ساحب المبلغ المالي من البنك، بأحد الدواوير القريبة من أزمور، لكنه لم يعثر عليه، واستمع لوالده، فأكد أنه توجه صوب البيضاء، وأنه فقد منذ أيام حافظة نقوده وبها وثائقه الثبوتية ومبلغ 600 درهم، مؤكدا أنه وضع إخبارا لدى السلطة المعنية بذلك. أصيب رئيس الشرطة القضائية بخيبة أمل، وانفتحت أمامه متاهات البحث وأبواب التحري، بعدما تنفس الصعداء معتقدا أنه وجد الخيط الناظم والماسك بحيثيات القضية. عاد من جديد لوضع الفرضيات وربطها بالوقائع والأحداث.وانفرجت أساريره بعدما لاحت له فكرة ضرورة البحث عن سارقي المحافظ بالأسواق. نسق مع السلطات المحلية، التي عملت على تمشيط الأسواق الأسبوعية المحيطة بالمدينة، وتم إيقاف عدد من النشالين المحترفين المتخصصين في سرقة المحافظ الجيبية (البزاطم). تم عرضهم على رئيس الشرطة القضائية، وبدأت عملية الاستنطاق والبحث والتحقيق قصد الاعتراف بنوعية السرقة التي اقترفوها، إلى أن تم العثور على الشخص الذي نشل حافظة نقود. فرح المحقق لما أكد أنها كانت تحتوي على بطاقة وطنية ومبلغ 600 درهم، وأكد أنه احتفظ بالمبلغ المالي وباع البطاقة لشخص يقطن بأزمور. الكشف عن هوية المتهم لم يكن النشال يعرف هوية الشخص الذي باعه البطاقة الوطنية المسروقة، ولكنه اكتفى بسرد أوصافه ونعوته. وعاد المحققون إلى نقطة الصفر وشرعوا في تحرياتهم بالتركيز على محيط الأستاذ الضحية، سيما أن الأبحاث والتحريات، أكدت أنه من الشواذ جنسيا وأنه ربط علاقات كثيرة مع شباب من مختلف الأعمار. واستمع رئيس الشرطة القضائية لمحمد صديق وجار الهالك، لكنه لم يتعرف على المشتبه فيه. تم استدعاء عدد كبير من الشباب الذين اتخذت لهم صور مع الهالك، فاعترفوا بعلاقاتهم الشاذة معه مقابل حصولهم على مبالغ مالية وهدايا أخرى. تعاملت الشرطة القضائية بمرونة معهم، مما شجع عددا آخر من الذين حامت حولهم الشكوك على التقدم من تلقاء أنفسهم للإدلاء بشهاداتهم. واستخدمت الشرطة القضائية كل الوسائل المتاحة لها وجندت كل المتعاملين معها، وبثت عيونها في كل مكان، وتوصلت بمعلومة دقيقة ومهمة ساهمت في الوصول إلى هوية المتهم من خلال الأوصاف التي قدمها وكيل صندوق الوكالة البنكية والنشال وشاب كان يتردد على الهالك. وتم التوصل إلى هوية الجاني، إذ لم يكن سوى شاب في الثانية والعشرين من عمره، أنيق ومحب للسفر يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية وعاشق للسينما، يتحدر من أزمور، تعرف على الهالك بشاطئ البحر وظل يتردد عليه بمنزله. خطة جهنمية ظل رئيس الشرطة القضائية وحيدا بمكتبه يفكر في كيفية الإيقاع بالمتهم وإخراجه من المكان المختبئ فيه. وعلم من السلطة المحلية أنه يعشق السينما ويريد الاشتغال بها، وتفتقت عبقرية رئيس الشرطة ذاتها واستعمل ذكاءه ودهاءه المهني، وطلب في اليوم الموالي من مساعديه الإعلان عن حلول شركة أمريكية بأزمور بغية تصوير مشاهد من فيلم عالمي. وهيأت الشرطة نفسها سيناريو محبوكا، إذ اكترت فيلا وجيء بآليات التصوير وشاحنات قديمة وتم نشر إعلان لأبناء أزمور الراغبين في المشاركة في اختيار "الكومبارس" لتصوير فيلم عالمي بالمدينة القديمة، وتمت الإشارة إلى مكان إقامة الشركة وشروط المشاركة في عملية الانتقاء ومنها إتقان المترشحين للغة الفرنسية أو الإنجليزية. ووصل الخبر إلى شقيق المتهم الذي أخبره أن هدفه وحلمه أصبحا قريبي المنال، وأنبأه بحاجة شركة لإنتاج الأفلام الأجنبية إلى مشاركين مغاربة، وطلب منه التقدم إليها لأنه يتوفر على كل الشروط المطلوبة. وكان رئيس الشرطة القضائية يقضي جل وقته بسيارة مركونة أمام الفيلا تتيح له متابعة الداخل إليها والخارج منها. انتظر اليوم الأول والثاني والثالث، قبل أن يشاهد المتهم قادما نحو الفيلا، وظل يتابع تحركه وما أن ولج الباب الخارجي، حتى تحركت القوة الأمنية وأغلقت الباب وأعلنت عن بداية التصوير. فهم المتهم بذكائه أن رجليه قادتاه إلى ما لم يكن يفكر فيه، ولم يجد بدا من الاعتراف بتفصيل بما قام به طيلة السنوات القليلة الماضية، مشيرا إلى أنه قتل فرنسيا بإنزكان بعدما وعده بمساعدته على الهجرة إلى فرنسا، كما اعترف بقتله في 2001 لمومستين بأكادير. أحمد ذو الرشاد (الجديدة)

فيلم وهمي لاعتقال قاتل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رشوة تورط طبيبا بخنيفرة

"ولد لفشوش" يسحل شرطيا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات