منصة غير مسبوقة للبحث العلمي وحاضنة للمختبرات ومراكز العلم والتقنية والرقمنة لا حدود للمشروع المعرفي والعلمي الضخم لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بابن كرير، ولا أجندة "واضحة" غير مواصلة السير في طريق البحث العلمي والابتكار والريادة في التكوين بأحدث المناهج والوسائل التطبيقية في العالم. منذ الزيارة الأولى وحتى الأخيرة لهذا المدينة العلمية العملاقة، تشعر أنك في مكان مختلف لا يشبه باقي مؤسسات التعليم الجامعي الأخرى، ولا علاقة له بالنماذج المعروفة للتعليم العالي المعتمدة على قليل من المختبرات، في مقابل عدد بلا حصر من المدرجات و"الكلام" والدروس والتلقين النظري والأكاديمي. إعداد: يوسف الساكت/ تصوير (فدوى الناصر) منذ افتتاحها رسميا في يناير 2017 من قبل جلالة الملك، تحولت الجامعة إلى أيقونة وسط هذه المدينة الفوسفاطية، بل أضحى ابن كرير اسما متداولا في مراكز البحوث والمختبرات الدولية، والجامعات العالمية، وأصبحت المنطقة عنوانا مفضلا للباحثين عن التميز والاستحقاق في مجالات العلم والمعرفة التقنية والتكنولوجية والرقمية. تحفة معمارية سواء كنت قادما من مراكش، أو البيضاء، يمكن الوصول بسهولة إلى هذه المدينة التي شيدت على مساحة 33 هكتارا في قلب المدينة الخضراء محمد السادس (1000 هكتار)، حيث أبدع المهندسان المعماريان ريكاردو بوفيل وإيلي مويال، مهندسا البرجين التوأمين للبيضاء في صنع تحفة "فنية" تمزج بين الأسلوب العصري والطراز التقليدي وتوفر بنيات تحتية حديثة ومزودة بأفضل التجهيزات، تستجيب بشكل كامل لحاجيات التكوين والبحث. وتجمع الهندسة المعمارية للمدينة الجامعية بين الطراز التقليدي المغربي والتصميم المعاصر من خلال مبانيها البسيطة بألوانها الدافئة، وتحيط بها فضاءات للعيش مخصصة للتنمية الاجتماعية والفكرية والجسدية في فضاءات شاسعة، مفتوحة على الابتكار والاستثمار، كما قال خالد بادو، مسؤول التواصل بالجامعة، الذي أضاف أن الطموح لا حدود له، ولن نهدأ حتى نرى 80 هكتارا تعج بالمؤسسات الجامعية والفضاءات والمستشفيات ومراكز التكوين وقصور للمؤتمرات وفنادق". في هذا المكان البعيد نسبيا عن مركز ابن كرير، يمكن للأساتذة والمؤطرين والطلبة والضيوف ضبط وتيرة يومهم بين أوقات التعلم والترفيه، والاستفادة من الخدمات المتوفرة في جميع الزوايا، مثل الخدمات البنكية والبريدية والمركز الصحي ومتجر للتسوق وسلسلة متنوعة من المطاعم وفضاءات الاستراحة ومكتبات افتراضية. منهج بيداغوجي مبتكر تشبه الجامعة نفسها بأنها صورة مصغرة للعالم الخارجي بكل ما يحمله من تحديات وآفاق ووعود، وتهدف إلى الكشف عن القدرات الكامنة للشباب المغربي والإفريقي، عبر تمكينهم من قطب للمعرفة ومستودع للبحث والتربية عالية المستوى والابتكار، وفق منهج بيداغوجي مبتكر يضع التعلم عن طريق التجريب والتطبيق في صلب صيرورة التكوين والبحث. يقول هشام الهبطي، رئيس الجامعة، " تمثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية قوة تحفيزية من أجل إفريقيا ذات دينامية متجددة، إفريقيا حاضرة، فاعلة وطموحة. كما أنها مركز للتميز لتكوين جيل جديد من القادة الملتزمين، بناة إفريقيا جديدة". وأكد الرئيس، على هامش زيارة لمجموعة "إيكوميديا" الخميس ما قبل الماضي، أن الجامعة تضع، في إطار مقاربتها المتجددة، البحث والابتكار في قلب مشروعها البيداغوجي، محركا لنموذج أعمال يكون فيه الطلبة صناعا للحلول، وتستلهم برامجها من التحديات الإفريقية، مثل الأمن الغذائي والتوسع العمراني والتصنيع وتدبير السياسات العمومية، مضيفا أن الجامعة تؤسس لنموذج البحوث التطبيقية، شكلا من أشكال التميز للنموذج التربوي، وتحفز على الابتكار الذي يسمح للجميع، سواء كانوا طلبة، أو باحثين أو أساتذة، بتحقيق الذات والاستفادة من المواكبة بفضل منصة دعم المشاريع والشركات الناشئة". بالأرقام، تضم جامعة محمد السادس، إلى حدود اللحظة، 4562 طالبا مغربيا وإفريقيا، و30 برنامجا، و512 دكتورا، كما تتوفر على 50 تبادلا للطلاب و689 تدريبا ما بعد البكالوريا و33 ماجستير، وهي أرقام تتغير على مدار اليوم والشهر، بسبب النشاط الكبير في الإنتاج، ونظرا أيضا لخصوصية النموذج التعليمي المعتمد المرتبط بعلاقات وشراكات واتفاقيات تعاون مع مؤسسات دولية. إضافة إلى 13 مختبرا في عدد من التخصصات، تضم الجامعة التكوينات الأساسية موزعة على ثلاثة أقطاب: أولا، قطب العلوم، حيث توجد مدرسة الإدارة الصناعية، الموجهة بالأساس نحو عالم الأعمال، وتهدف، عبر عدد من البرامج التطبيقية، إلى تكوين مديرين صناعيين ومهندسين محترفين قادرين على الاستجابة لتعقيدات العالم الحالي في مجال التصنيع. كما يضم القطب نفسه معهد العلوم والتكنولوجيا والابتكار ومدرسة الزراعة والأسمدة وعلوم البيئة ومدرسة العمارة والتخطيط والتصميم التي تطمح إلى أن تصبح مركزا للابتكار في مجال الهندسة المعمارية، من خلال التربية والبحث لتلبية الاحتياجات الإفريقية والمغربية. ثانيا، قطب العلوم الإنسانية، من خلال كلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية، الموجودة في الرباط. ثالثا، قطب الأعمال، الذي يضم مدرسة إفريقيا للأعمال ومدرسة التدبير الفندقي وريادة الأعمال ومدرسة الذكاء الجماعي. وتطور الجامعة، إضافة إلى التكوينات الأساسية، برامج محددة تستجيب إلى خصوصيات معينة، مثل مركز التميز للمهن الرقمية "1337"، المفتوح على مدار ساعات النهار والليل، "المدرسة التي لا تنام أبدا" في وجه الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، على نحو مجاني، شرط تجاوز الاختبارات الأولية. وأطلق المجمع الشريف الفوسفاط مدرسة 1337، من خلال شراكته مع شبكة التكوين الدولية "مدرسة 42" التي تضم ما يقرب من ثلاثين فرعا/مدرسة في العالم، إذ تم افتتاح الفرع الأول في خريبكة في يوليوز 2018، ثم الثاني في جامعة ابن كرير. وتعتبر 1337 مدرسة رقمية من الجيل الجديد في المغرب، تعتمد على طرق تربوية مبتكرة، ولا يشترط التكوين فيها، أي دبلوم أو معرفة مسبقة في الإعلاميات، وتتم الدراسة، دون مدرسين، أو حصص، أو فصول دراسية، بل ترتكز على أسس بيداغوجية مبتكرة. مختبرات حية عبارة عن منصات تجريبية واقعية المقاييس للبحث التطبيقي، وفضاءات الممارسة التطبيقية، إذ تتوفر الجامعة على 10 مختبرات في مجالات مختلفة، مثل المزارع والمناجم التجربيبة، ومختبر التصنيع الذي ينتقل بسرعة من النظري إلى صنع نماذج حية (روبوات، آلات، معدات، وسائل عمل). ولا تقتصر المختبرات الحية على فضاء الجامعة، بل تنفتح على مناطق أخرى في المغرب، مثل محطة مازاغان (الجديدة) التي تضم مركزا للأبحاث في المجال الكيماوي والحيوي والزراعي، ثم مركز آسفي لإنتاج الأحماض، ثم مركز ابن كرير للطاقة الشمسية. "الداتا" تحدد المستقبل في 2021، أطلقت الجامعة مركز بيانات (داتا سنتر) يؤوي أكبر الحواسيب العملاقة وأكثرها قوة على صعيد القارة الإفريقية. ويندرج المركز الجديد ضمن أفضل مائة مركز ذكي مخصص للبحث العلمي والابتكار في العالم. ويوفر أعلى درجات الأمان والجاهزية القصوى، إلى جانب المرونة العالية والاتصال المثالي، ما سيساهم بالتأكيد في خدمة المنظومة الرقمية الوطنية، عبر ضمان السيادة الرقمية للمغرب من جهة، وتطوير خدمات رقمية جديدة مغربية مائة في المائة، من جهة أخرى. ويتألف المركز الإفريقي للحاسوب العملاق من حواسيب عملاقة، تضم آلاف وحدات المعالجة المركزية المرتبطة ببعضها، إذ تعادل طاقته الحسابية 8 آلاف حاسوب أساسي، يمكنها إنجاز 3 ملايين مليار عملية في الثانية، فيما تبلغ سعته التخزينية 8 آلاف تيرابات. ويستعمل مركز البيانات من قبل المقاولات من أجل تنظيم ومعالجة وتخزين وإيداع كميات ضخمة من المعطيات، كما يفتح آفاقا واسعة للبحث العلمي والابتكار أمام الجامعات المغربية. صطارغيت يعتبر "كومبيس صطارغيت"، من بين تحف الجامعة الدولية لابن كرير، سواء من حيث الموقع، أو الهندسة المعمارية، أو التصميم والتأثيث، وهو يشبه حرما جامعيا ناشئا يجمع بين نظام بيئي دولي لريادة الأعمال، وبين توفير بنية تحتية وموارد عالمية المستوى لدعم رواد الأعمال الذين يطلقون شركاتهم الناشئة، ويشتغلون على تنميتها. ويطور المركز، الذين يقوده عدد من الشباب من الجنسين، شراكات مع برامج تهدف إلى دعم الشركات الناشئة في إطلاقها وتطويرها، ثم شراكات مربحة للجانبين مع مختلف الجهات الفاعلة في النظام البيئي (الشركات، ومراكز الابتكار، والمستثمرين، والإدارات، والخبراء) مما يجعل من الممكن توسيع وتجميع وتعزيز العروض والخدمات المقدمة إلى رواد الأعمال. ومن هذا المركز، خرجت مجموعة كبيرة من الشركات الناشئة يقودها شباب وتحقق أرقام معاملات سنوية مبهرة، وتوفر حلولا ومناصب شغل، تربطه اتفاقيات عمل مع الجامعة نفسها.