مرت سنة على التخلص من الوهم ولا يزال الترقب سيد الموقف بقلم الدكتور: محمد الوادي دعونا نفتعل غباء مركبا ونقول كما كان يقال لنا سنوات الجمر وما بعدها من سنوات القهر: "قولوا العام زين". جملة حفظناها عن ظهر قلب… صنعها الإعلام الرسمي أيام البصري وأشباهه حتى أصبحت لازمة يتردد صداها في كل الأروقة والمنتديات الخاصة، والمكاتب الحكومية، وعلى شاشة التلفزيون الرسمي، وفي كل الأوقات والأماكن… حتى أصبحت أغنية لا تكاد مناسبة تخلو من أدائها تعبيرا عن فرح قهري، وانسياق لا إرادي وراء سياسة التضبيع. وحملت المعنى وضده في مقاربة لغوية وظاهرة صوتية فونيتيكية غريبة. وبرع المؤولون في تأويلها، والمفسرون في شرح مضامينها، والمحللون في مقاربة أبعادها الحقيقية والمتخيلة. جملة شغلت البلاد والعباد. وبعد سنوات عجاف (سياسيا واجتماعيا وثقافيا)، نبتت بيننا كائنات بلحى شيطانية أفسدت البلاد والعباد، وعمقت الهوة بين الكائن وما ينبغي أن يكون، وأدخلت البلاد في حالة انتظار والتباس، وساد اللون الرمادي الداكن... وتم سن سياسة ظاهرها دين وتعبد وورع وتقوى، وباطنها شيطنة وتخريب لمقدرات الوطن، ونشر لثقافة التضبيع ومحاصرة للكفاءات والمواهب بدعوى التعارض مع مبادئ الدين. هذه السياسة بنيت على الجهل، وعلى المصالح الشخصية، وعلى مسلمة هذا منا وهذا من عدونا، فشطروا الناس إلى شطرين، فشهدت الإدارة وكل المؤسسات الحكومية انفصاما وكان الضحية هو المواطن... هذه السياسوية أتت على الأخضر واليابس... وأعادتنا إلى الوراء لسنوات في الوقت الذي كان المغرب في أمس الحاجة إلى قفزة نوعية في ترتيب البيت الداخلي وعقد مصالحة مع المواطن، وفتح آفاق جديدة، وانفتاح أكثر على المنتظم الدولي، وتعزيز الجبهة الداخلية لكسب المزيد من التأييد لمطالب المغرب التاريخية العادلة ومقترحاته المنطقية في ما يخص قضيتنا الأولى... قضية الصحراء المغربية. سنوات طبعها جفاف أصاب الحرث والنسل والقلوب والعواطف والعقول وكل مقدرات الوطن. فيها تغير الخطاب وتغيرت الأهداف وعوض أن تنمو البلاد انتفخت وجوه وبطون وجيوب العينة نفسها من هؤلاء الساسة ومن دار في فلكهم. وفي غضون عشر سنوات أصبح جل هذه المخلوقات من الأعيان وكبار التجار والملاكين وأصحاب شركات ومؤسسات خصوصية. فشلت السياسة وفشلت معها كل الأوراش التي كان المغرب يعول على تنميتها... فشلت منظومة التربية والتعليم وعمت مؤسساتنا التعليمية الفوضى، وترهلت مناهجها، وتآكلت بناياتها، وأصيبت أطقم التدريس بالخيبة والإحباط، ونزل مستوى المتمدرسين في مختلف الأسلاك التعليمية إلى الحضيض، وصنفت جامعاتنا في الدرك الأسفل ضمن سلم الترتيب العالمي للمؤسسات الجامعية، وأصيبت منظومتنا الثقافية بانتكاسة، وعوض أن تكون الثقافة، كما هي عند الشعوب والأمم الراقية والطموحة، رافعة للتنمية، وتعبر عن المستوى الفكري والجمالي، وتكون سترة واقية وجرعات أساسية ضد الجهل والتخلف أدخلوها في نفق هذا حرام، وهذا جائز، وهذا مكروه.... أصبحت الدولة ومؤسساتها تسير بمنطق الحلال والحرام، وعدنا إلى ولاية الفقيه الذي لا يفقه شيئاً وإلى الفتاوى السوفسطائية ناهيك عما حل بميادين حيوية أخرى مثل الصحة والقضاء والأمن. شاخت سياستنا وتَفُهت ثقافتنا بسبب تسويق الوهم... وتسويق الحلم الكاذب. تَسلطَن التافهون وتحكموا في زمام الأمور، ورجع الرائدون والتنويريون والوطنيون إلى منطقة الظل.. وتم شل الطبقة الوسطى، التي هي عصب كل تطور، بدعوى التركيز على الطبقة المسحوقة والبعد الاجتماعي ومقاربة الهشاشة. وتم خنق الفئة المتنورة(الأنتلجنسيا) ومعها تم القضاة على كل مخطط تنويري وقيادي. ولم تجد الكفاءات الوطنية غير اختيارين؛ إما الهجرة إلى البلدان التي تقدر الطاقات الخلاقة، وإما الانزواء والترقب والانتظار إلى أن تفرج ذات يوم. ولأن مدبري الشأن السياسي والشأن العام ليس لهم رؤية متفتحة وعلمية بعيدة المدى فقد اهتموا بالترقيع وتحولوا إلى مجرد إطفائيين لإخماد الحرائق.. حرائق الاحتجاجات والاضرابات والمطالب بتحسين الأوضاع الاجتماعية. عاش المغرب حالة انتظار قاتلة، وحُرقة تلتهم قلوب الخائفين على مصير الوطن... وعلى مستقبل أجيال ومقدرات الأمة يتمزقون في صمت وهم يرون الأحلام تتهاوى على الصخور، والآمال تذوب كالملح في بحر لجي، والبلاد تتراجع على كافة المستويات حتى وصلت حافة الهاوية. سياسة استفاذ منها التافهون الذين وجدوا في سياسة عشوائية ومصلحية مبنية على الحزبية الضيقة مبتغاهم فكبروا وتجبروا وصنعوا لهم أبراجاً يطلون منها على قبيلة العزة والكرامة والنخوة والوطنية... ويضحكون، بل يستهزئون منهم. مرت الآن سنة ونيف على التخلص من الوهم والزيف والاتجار باسم الملة والدين ولا يزال الترقب سيد الموقف... هناك بطء بَيّنٌ في الأداء، وربما تردد وتخبط نتمنى أن تتخلص منه الحكومة وتمر إلى السرعة القصوى، وإلى اتخاذ القرارات الجريئة التي من دونها لا يمكن أن تتحقق القفزات المحلوم بها. أيها الوطن الجريح لقد أحببناك بصدق ومن غير بهرجة أو تطبيل وتظاهر كما يفعل محترفو الدين والنفاق والمتزلفون.. أحببناك في صمت وحاولنا أن نعطيك ما تستحقه... واجهنا سرّاق خيراتك باسم الدين فكادوا لنا كل الكيد وكادوا أن ينجحوا في افتراءاتهم بمكرهم وكان الله يراقبهم بعينه التي لا تنام... إلى أن طلعت شمس الحقيقة وتعرى بؤساء السياسة والدين في واضحة النهار وسقطت كل اقنعتهم، وسقطوا سقطة مدوية، ولا تزال بعض الأزلام ومن يدور في فلكهم يحاولون رد عقارب الساعة إلى الوراء ولكن هيهات هيهات.