هيكلة منظومة التقاعد في قطبين بنظام أساسي موحد وأنظمة تكميلية والتنفيذ في ماي المقبل كشف مكتب الدراسات الذي عهد إليه بتشخيص وضعية أنظمة التقاعد واقتراح سيناريوهات الإصلاح عن خلاصاته. وعقدت اللجنة الخاصة بإصلاح التقاعد أول اجتماعها، تحت رئاسة وزيرة الاقتصاد والمالية، إذ تم التذكير، خلال الاجتماع، بالوضعية الراهنة لأنظمة التقاعد، وتقديم نبذة عن مخرجات الدراسة المتعلقة بإصلاح التقاعد، وإنشاء لجنة خاصة بالإصلاح، كما تم التطرق إلى تركيبة هذه اللجنة والجدولة الزمنية لأشغالها. وتقرر إنشاء اللجنة الخاصة بإصلاح التقاعد بهدف تنزيل رؤية مشتركة ومتكاملة للقطبين العمومي والخاص في آجال معقولة تأخذ بعين الاعتبار التحديات والإكراهات المرتبطة بها. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي يعتبر ملف التقاعد من الملفات الشائكة، التي ظلت تتقاذفها الحكومات المتعاقبة، إلى أن أصبحت الوضعية المالية لصناديق التقاعد لا تحتمل التأجيل، وإن بدرجات متفاوتة. وخلص تشخيص وضعية صناديق التقاعد، مند سنوات، إلى وجود اختلالات هيكلية على مستوى بعض الأنظمة وعدم قدرتها على الاستدامة، لكن وتيرة تنزيل الإصلاحات ظلت بطيئة، واقتصرت على الجانب المقياسي ولم تتطرق إلى الجوانب الهيكلية، ما أدى إلى تفاقم الوضعية، التي تهدد باستمرارية بعض الأنظمة. توصيات منذ عقد وضعت اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد، خلال 2013، خارطة الطريق لإصلاح منظومة التقاعد، وأوصت آنئذ، بإحداث نظام تقاعد بقطبين (عمومي وخاص)، في أفق وضع منظومة تقاعد بنظام أساسي موحد. يقوم القطب العمومي على نظام أساسي مسقف باستحقاقات محددة ونظام تكميلي إجباري مسقف مبني على الرسملة، في حين يخضع القطب الخاص لنظام أساسي بسقف منخفض يشمل الأجراء وغير الأجراء، مع وضع أنظمة تكميلية اختيارية. كما أوصت اللجنة باعتماد الإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية، وإطلاق دراسة لتوسيع تغطية أنظمة التقاعد ليشمل العمال غير الأجراء. لكن وتيرة أجرأة هذه التوصيات ظلت بطيئة، إذ اقتصر التزيل على الجانب المقياسي، بعد مرور ثلاث سنوات، الذي هم نظام المعاشات المدنية، إذ تم رفع سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة، ونسبة المساهمة من 20 في المائة إلى 28، إضافة إلى تحديد المعاش على أساس 2 في المائة، عوض 2.5، وتصفية المعاش على أساس متوسط الراتب خلال ثماني سنوات الأخيرة من الخدمة الفعلية. وتمت المصادقة، خلال 2017، على القانون رقم 99.15، القاضي بإحداث نظام للمعاشات لغير الأجراء، الذي دخل حيز التنفيذ بعض مضي ثلاث سنوات، وشرع، خلال السنة الماضية، في تنزيل الإصلاح المقياسي لنظام منح رواتب التقاعد. غياب التجانس تخضع أنظمة التقاعد إلى قواعد غير متجانسة وتختلف من فئة إلى أخرى، إذ أن نسبة المساهمة تصل إلى 28 في المائة بالنسبة إلى الموظفين، تقتسم بالتساوي بين المنخرط والمشغل، وتنخفض إلى 18 في المائة بالنسبة إلى مستخدمي المقاولات والمؤسسات العمومية، يتحمل المشغل الثلثين منها ويقتطع الثلث المتبقي من أجر المستخدم، وتنخفض نسبة المساهمة في ما يتعلق بأجراء القطاع الخاص لتصل إلى 11.89 في المائة، يساهم المشغل بالثلثين والأجير بالثلث الآخر. وتختلف نسبة استبدال الدخل، أيضا، حسب الفئات، إذ تصل إلى 60 في المائة، بالنسبة إلى الموظفين، بمعنى أن الموظف يتقاضى معاشا يعادل، في المتوسط، 60 في المائة من الأجر الذي كان يحصل عليه قبل إحالته على التقاعد، ولا تتجاوز النسبة 57 في المائة لمستخدمي المقاولات والمؤسسات العمومية، وتعادل 58 في المائة بالنسبة إلى أجراء القطاع الخاص في ما يتعلق بأصحاب الأجور الأقل من ضعفي الحد الأدنى للأجور، وتتقلص النسبة إلى 11 في المائة في ما يتعلق بأصحاب الأجور، التي تساوي عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، أي أن هذه الفئة تتقاضى عند إحالتها على المعاش 11 في المائة فقط من الأجر، الذي كانت تحصل عليه خلال مدة عملها. حيف يطول الأجراء يعتبر الأجراء أكثر الفئات تعرضا للحيف بفعل النظام المطبق عليها، مقارنة بالفئات الأخرى، إذ أن تسقيف الأجر المرجعي الذي يحتسب على أساسه المعاش في 6 آلاف درهم، يجعل أن الحد الأعلى للمعاش الذي يمكن أن يحصل عليه الأجير لا يتجاوز 4200 درهم، علما أن هناك أطرا بالقطاع الخاص تتقاضى أجورا يمكن أن تصل إلى 100 ألف درهم، لكن معاشها يحتسب على أساس 6 آلاف درهم، ما يجعل قيمة المعاش هزيلة ولا يمكنها ضمان الحد الأدنى من متطلبات هذه الشريحة، علما أن المساهمة، في هذا النظام محددة في 11.89 توزع بين ثلث يؤديه الأجير، بناء على السقف المحدد في 6 آلاف درهم، وثلثين يؤديهما المشغل وتحتسب على أساس الأجر المصرح به، ما يمثل حيفا ليس فقط بالنسبة إلى الأجير، بل أيضا في حق المشغل الذي يؤدي مساهمة على أساس الأجر الذي يؤديه لأجيره، لكن احتساب المعاش يتم على أساس السقف المحدد، علما أنه لا يوجد سقف بخصوص النظام المطبق على الموظفين، ويصل السقف لنظام منح رواتب التقاعد إلى 19252. وهكذا، لو افترضنا أن أجيرا ومستخدما وموظفا، يتقاضون أجرا مماثلا في حدود 30 ألف درهم، وبالأخذ بعين الاعتبار نسبة استبدال الدخل بالنسبة إلى كل فئة، فإن الموظف سيتقاضى، وفق نظام الصندوق المغربي للتقاعد، معاشا في حدود 18 ألف درهم، وسيحصل المستخدم، التابع للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد معاشا بقيمة 17100 درهم، في حين لن يتجاوز معاش الأجير، وفق نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، 3300 درهم. بالموازاة مع ذلك، فإنه يتعين على الأجير التوفر على 3240 يوما، ما يمثل 15 سنة من العمل، للاستفادة من المعاش، علما أنه تم الاتفاق على تخفيض هذا الشرط إلى 1320، ويخول هذا السقف معاشا في حدود 50 في المائة من السقف المحدد في 6 آلاف درهم، تضاف نقطة مائوية عن كل سنة من التصريح، إلى حين الوصول إلى السقف الأعلى المحدد في 70 في المائة، الذي لا يمكن تجاوزه، رغم الاستمرار في أداء المساهمات. توازنات مالية مهددة سجلت الدراسة التي أنجزها المكتب المكلف بتشخيص الوضع واقتراح الحلول اختلالات في التوازنات المالية لمختلف الأنظمة بدرجات متفاوتة، حسب "كرم" كل نظام على حدة، إذ أن الرصيد التقني، الذي يمثل الفرق بين الاشتراكات والتعويضات، عرف أول عجز، خلال 2014، وصلت قيمته الإجمالية إلى الآن 7.8 ملايير درهم (780 مليار سنتيم)، بالنسبة إلى الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يدير معاشات الموظفين، ووصل العجز الخاص بنظام منح رواتب التقاعد، الذي يشرف على تدبير معاشات مستخدمي المؤسسات والمقاولات العمومية، 3.3 ملايير درهم، في حين سجل نظام الضمان أول عجز، خلال السنة الجارية، في حدود 375 مليون درهم. وتختلف الاحتياطات المالية، حسب الصناديق، إذ تعادل 68 مليار درهم بالنسبة إلى الصندوق المغربي للتقاعد، وتناهز احتياطات النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد 135 مليار درهم، في حين لا تتجاوز احتياطات الضمان الاجتماعي 61 مليارا، ما يؤثر على أمد الاستدامة بالنسبة إلى كل نظام، إذ في حال عدم اعتماد أي إصلاحات، فإن احتياطات الصندوق المغربي للتقاعد ستنفد في أفق 2028، في حين أن أمد الاستدامة يمتد إلى 2052 بالنسبة إلى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وستنفد احتياطات الضمان الاجتماعي في أفق 2038. الإصلاحات المقترحة تقترح الدراسة هيكلة منظومة التقاعد في قطبين، يضم الأول القطاع العمومي، والثاني القطاع الخاص الذي يشمل الأجراء وغير الأجراء، وينتظم القطبان وفق ثلاثة مستويات، المستوى الأول يهم اعتماد نظام أساسي بمساهمات واستحقاقات محددة، باعتماد سقف مرجعي يعادل مرتين الحد الأدنى للأجور، أي 5700 درهم، إضافة إلى أنظمة تكميلية إجبارية بمساهمات محددة بالنقط تبتدئ من أول درهم للدخل، بالنسبة إلى الموظفين، وأنظمة تكميلية إجبارية بمساهمات محددة بالنقاط تبتدئ من أول درهم للدخل بالنسبة إلى أجراء الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، وأنظمة تكميلية اختيارية بالنسبة إلى المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء، على أن يحدد الأجر المرجعي الذي يحتسب على أساسه المعاش في عشر مرات الحد الأدنى للأجور، أي في حدود 28300 درهم. وهكذا تقترح الدراسة تحديد سقف موحد للنظام الأساسي يعادل مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطبين العمومي والخاص، لتسهيل المرور إلى نظام أساسي موحد، وتقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الجارية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى عشر سنوات المقبلة، إضافة إلى رفع سن التقاعد إلى 65 سنة ورفع نسب الاشتراكات، بما في ذلك القطاع الخاص. وحددت جدولة زمنية لتنزيل الإصلاحات تبتدئ من أكتوبر الجاري، من خلال تحيين التشخيص والوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، يلي ذلك عرض ومناقشة مخرجات الدراسة، خلال الفترة الممتدة ما بين نونبر ودجنبر المقبلين، وتحديد التوجهات الإستراتيجية ووضع تصور للإصلاح، وخارطة الطريق ما بين يناير ومارس المقبلين، واعتماد سيناريوهات الإصلاح والمصادقة على خارطة الطريق، على أن يتم الشروع في تنفيذ خارطة الطريق، ابتداء من ماي المقبل.