الشمال والغرب والبيضاء وجهاتهم وبعضهم يغامر بالهجرة سرا أملا في الانعتاق من البطالة لا تطيق فئة عريضة من شباب فاس العيش فيها لتدهور الأوضاع وانسداد الآفاق وانحسار فرص الشغل، بعد إغلاق عشرات المعامل وتوالي النكبات والأزمات بعد تسعينات القرن الماضي. ويلجأ كثير منهم إلى الهجرة في اتجاه الشمال والغرب والبيضاء، بحثا عن فرص للانعتاق من واقع لا يرضيهم. أوضاع شباب العاصمة العلمية، سبب في نزوح بعضهم إلى مدن أخرى وحتى المغامرة بأرواحهم بقوارب الموت بحثا عن الشغل والكرامة. وتشكل البيضاء والقنيطرة وطنجة أكثر المدن احتضانا لهم لما يجدونه فيها من فرص عمل شبه مفقودة بمدينتهم التي تراجع إشعاعها الاقتصادي وأضحت قبورا دافنة لأحلامهم. كثيرون من شباب فاس لا يستطيعون توفير ولو جزء قليل من مصروفهم الشخصي، فبالأحرى مدخول يساعد به الشاب أسرته ويبني مستقبله، لذلك إما أن يغرق في بحر الجريمة بحثا عن المال، أو يغامر بالهجرة الحل الذي يختاره الكثير منهم ممن هجروا الديار مكرهين، واستقروا بمدن يسعون فيها لتحقيق مرادهم. "ماذا عساني أفعل هنا. مللت الطواف بين الشوارع. البطالة تقتل الطموح في" يحكي مدون بمرارة قصة ضياعه، بعدما أجهض حلمه في إيجاد عمل بعد حصوله على الإجازة من كلية الآداب، مضيفا "حتى العمل في التعليم متعاقدا، لم يعد ممكنا بعدما تجاوزت الثلاثين"، ليخلص "لقد حان وقت الرحيل". كثيرون أمثاله يعيشون على أمل الرحيل إلى حيث صيانة كرامتهم ممكنة بشغل حافظ لها، إن في المدن الكبرى أو في الضفة الأخرى ولو غامروا بأرواحهم، لأنهم لن يكونوا الأوائل فقد توفي حملة شهادات من مغامرين بالارتماء في حضن البحر، بحثا عن حياة أفضل، سيما من زواغة وليراك. وفاة شباب ضحايا الهجرة السرية، لا يخيف بعضهم يرون أن "الدنيا حظوظ" "فقد تنجو وتعيش" طالما أن لا حياة في عيشك بمدينة لا يفكر مسؤولوها في سبل إنقاذ شبابها من واقع البطالة والفقر. وهذا سر دعوة صفحة فيسبوكية، الشباب للانخراط الكلي في تقديم طلبات للاستفادة من قرعة دخول الولايات المتحدة. يوميا تزداد النفسية سوءا ولا جهود لانتشال شباب مدينة فاس من "حفر الفراغ والبطالة والضياع" يكتب مدون غاضب، متسائلا عن "كم مصنعا دشن، وكم مرتعا أقفل وكم أزمة حلت، وماذا تغير في فاس؟"، ليجيب "لا شيء طبعا" اللهم "مما نراكمه من خيبات أمل تزداد حدتها مع مرور السنين والتجارب". ويخلص إلى أن "مدينة فاس في قبضة غير آمنة" و"منتخبوها يفتقدون الجرأة والعزم والرغبة"، ليبقى شبابها أكبر ضحية لخدعة تنمية لم ير منها ولو بصيص أمل يمكن أن يعفيه عناء الغربة والعيش بعيدا عن أسرته، بحثا عن شغل يصون كرامته، كي لا يبقى عالة عليها تنفق عليه في صغره وحتى كبره. ويتساءل شاب "ماذا ينقص فاس حتى تكون كطنجة والبيضاء والقنيطرة، وقد كانت لحين واحدة من أكبر وأهم المدن، متأسفا لهجرة أبنائها ليس فقط من حملة الشهادات، بل حتى سواعدها التي تختار حقول الكيف بالشمال أحيانا للعمل والكسب لإعالة أسرها، فارة من مدينة لبست رداء القبح. "وجدنا أنفسنا عاجزين عن خلق فرص شغل لشبابنا وتطوير فرص خلق مشاريع وبناء مصانع وشركات جديدة قد تخفض نسبة البطالة وبديلة عن تلك المقفلة سيما في النسيج" يكتب فاعل جمعوي مؤكدا أن شباب العاصمة العلمية يهاجر تدريجيا إلى مدن أخرى وهو معذور لأنه "يبحث عن لقمة العيش". ويستدرك "هذه الهجرة ليست دوما آمنة، فقد يكون الشباب لقمة سائغة وسهلة إما بالضياع أو عدم القدرة على جمع ولو جزء بسيط من المال ينفقه على نفسه ووالديه المحتاجين إليه"، مضيفا "لكن ذلك ربما أرحم له من البقاء في مدينة يتخبط فيها بين "البريكولاج" والبطالة"، ما يفقده الثقة في نفسه ومحيطه وحتى وطنه. حميد الأبيض (فاس)