تحكيم ملكي لحسم الحرب الإيديولوجية أفرز مدونة أسرة جريئة خلال السنة الأولى من حكم الملك محمد السادس، أحدث مشروع "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، الذي طرحته حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وارتبط بوزيرها سعيد السعدي، فأحدث انقساما حادا في الشارع المغربي. اعتقد الكثيرون آنذاك أن الأمور ستتطور إلى "حرب أهلية" من خلال استقطاب قوي في الساحة السياسية امتد إلى الشارع، بخروج "المظاهرة المليونية"، بتعبير التيار الإسلامي، الذي قادها ووقف خلفها، إلى شوارع الدار البيضاء في ماي 2000، احتجاجا على مشروع الخطة من منطلق الرفض والإدانة، بينما خرجت مظاهرة أخرى مؤيدة للخطة في الرباط، نظمتها الجمعيات النسائية وأحزاب اليسار. انتهت المعركة، التي اكتست طابعا سياسيا وإيديولوجيا حادا، بالتحكيم الملكي، من خلال إحداث لجنة خاصة من العلماء ورجال القانون والفعاليات الجمعوية النسائية، ثم تدخل الملك لحسم الجدل بين إسلاميي المغرب وحداثييه بخصوص تعديل مدونة الأحوال الشخصية، خاصة أن الجدل كان محتدا بين قطبي المشهد الإيديولوجي والسياسي في المغرب، ليكون التدخل الملكي حاسما للجدل دون الانتصار لطرف على حساب الآخر، لكن مع تمكين المرأة المغربية من حُقوقها ورفع ما كانت تواجهه من ظلم وحيف. وأعلن الملك عن تكوين لجنة استشارية متعددة الاختصاصات لاقتراح مراجعة جوهرية لمدونة الأحوال الشخصية، وتوج ذلك بصدور مدونة الأسرة التي اعتبرت "ثورة هادئة" على النص القديم، وذلك بالرغم من الصعوبات التي واجهت اللجنة ووصلت إلى حد انقسامها إلى قسمين، لكن حكمة الملك محمد السادس حالت دون فشل طريق الإصلاح. ولم تقتصر بصمات الملك بخصوص المدونة الحالية التي جاءت بهدف تعزيز دور المرأة داخل الأسرة المغربية مع منحها حقوقا جديدة وتقييد تعدد الأزواج وتسهيل الطلاق، عند حد التحكيم فحسب، بل وجه الملك تعليمات بمناسبة الذكرى الـ14 لصدور المدونة تقضي بإعادة النظر فيها عبر تقييمها وتقويم اختلالاتها، وذلك في رسالة وجهها إلى المشاركين في المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة، الذي احتضنته العاصمة الرباط في فبراير 2018. ولم تقف التحكيمات الملكية، المُنتصرة لحُقوق المرأة المغربية عند مُدونة الأسرة، بل تجاوزتها إلى مجموعة من الملفات الأخرى، ما جعل المرأة المغربية تراكم الكثير من المُكتسبات التاريخية في عهد الملك محمد السادس إذ حرص على أن تنال جميع حقوقها على قدم المساواة بأخيها الرجل، وذلك عبر دعمه تمدرس الفتيات وتمكين المرأة من الوصول إلى مناصب صنع القرار، إضافة إلى ضمان المساواة ومكافحة جميع أشكال التمييز طبقا لمقتضيات دستور 2011. ومن المكتسبات التي حققتها المرأة في عهد الملك محمد السادس، ما دخل من تعديلات على قانون الجنسية، إذ أصبح من الممكن للمرأة مثل الرجل أن تقوم بمنح الجنسية لزوجها وأطفالها الأجانب، عكس ما كان قائما في السابق. كما تم السماح للمرأة المغربية سنة 2017، بولوج مهنة "العدول" التي كانت حكرا على الرجال، مما يؤكد على الدأب القويم والمستديم للملك في إنصاف النساء ومساواتهن مع الرجال، فضلا عن إصدار وزارة الداخلية دورية تمكن النساء السلاليات من الاستفادة من نصيبهن من أراضي الجموع إسوة بنظرائهن الرجال. عزيز المجدوب