جغرافية البيضاء… المجال والأنساب

كتاب للغندور يستعيد أصول أحياء ومناطق العاصمة الاقتصادية من خلال العائلات صدر حديثا كتاب للباحث عبد المجيد الغندور بعنوان "الدار البيضاء.. النشأة والأنساب" استعاد فيه جانبا غير مطروق في تاريخ الدار البيضاء، وهو المجال المتعلق بأنساب العائلات الكبرى التي كانت تقطن وتعمر فضاء المدينة والمجال الفلاحي المحيط بها، قبل أن تتحول إلى ميتروبول اقتصادي وعمراني وتجمع سكاني هو الأول في المغرب. في هذا الخاص تركز "الصباح" على جزء من الكتاب المتعلق بأصول ملكية بعض الأراضي التي نشأت فيها أحياء ومناطق تعميرية ظلت تحمل أسماء مالكيها الأصليين أو صارت تحمل أسماء أخرى، في رحلة بالذاكرة نحو الأصول الأولى للعاصمة الاقتصادية. إنجاز: عزيز المجدوب من كان يتخيل أن الدار البيضاء، هذه المدينة المليونية المترامية الأطراف، ومجالها العمراني الكثيف الذي يجمع بين الحداثة في أحدث صرخاتها وبين البؤس الذي ما زال يخيم على بعض أحيائها، كانت في يوم من الأيام، بل بالأمس القريب، مجرد أراض فلاحية وبساتين وجنانات، ممتدة خارج أسوار المدينة القديمة. هذا المشهد تعكسه لنا صور الدار البيضاء مطلع القرن العشرين، والخرائط التي وضعها الفرنسيون تمهيدا لاحتلال هذه المدينة، التي راهنوا عليها من أجل تركيز تغلغلهم الاستعماري بالمغرب، انطلاقا من هذه المدينة التي احتلت موقعا إستراتيجيا أهلها لأن تكون عاصمة اقتصادية للمملكة وأكبر تجمع عمراني. في كتابه "الدار البيضاء.. النشأة والأنساب" حاول الباحث عبد المجيد الغندور تعقب المجال البيضاوي في علاقته بالأنساب، والعائلات الكبرى التي كانت معروفة بالبيضاء، وشكلت نواتها الأولى خاصة بعد إعادة تعميرها خلال العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر على عهد السلطان محمد بن عبد الله، عقب النوائب التي تعاقبت عليها بفعل تدمير البرتغاليين وزلزال 1755، الأمر الذي كاد أن يطمر حاضرة أنفا إلى الأبد، قبل أن تستفيق من رقادها وتنبعث من جديد. ظلت الدار البيضاء، طيلة قرون، كحاضرة محصورة وسط مجال الأسوار التي تحيط بالمدينة القديمة، بينما كان المجال خارج هذه الأسوار عبارة عن أراض فلاحية تابعة لقبيلة مديونة وبهذا المعنى، حسب الغندور، فإن التجمع الكوسموبوليتي لسكان البيضاء حاليا، هو في ضيافة قبيلة مديونة تاريخيا وجغرافيا ومجاليا. ورغم التحول الذي خضعت له هذه الأراضي الفلاحية، التي كانت تابعة للخواص ولملاك بعينهم وفخذات تابعة لقبيلة مديونة، إثر مخطط التهيئة الذي وضعته فرنسا خلال السنوات الأولى للحماية فجعل منها مناطق حضرية، إلا أن العديد من هذه الأحياء والمناطق ظلت محتفظة بأسماء مالكيها الأصليين كما هو الشأن لدرب غلف وبن جدية وبن امسيك وغيرها. أعلام دروب بالمدينة القديمة وفي هذا السياق سنتتبع بعض الأحياء التي حملت أسماء شخصيات بيضاوية، وكذلك أحياء أخرى وجدت فوق أراض وأملاك لأسماء وقبائل استوطنت المجال المحيط بالبيضاء. ولم تخل المدينة القديمة، داخل السور، من أحياء وأزقة ودروب حملت أسماء شخصيات منها "درب الكرواوي" نسبة إلى الحاج الكرواوي السعيدي الذي كان أحد أغنياء الدار البيضاء ومن وجهائها كما كان محميا لبعض الدول الأوربية التي كان يتعامل مع قنصلياتها التي نبتت في المدينة ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر. وهناك "درب اللبادي" الذي يوجد قرب فسحة سيدي علال القرواني، وينسب إلى الحاج محمد بن اللبادي التطواني الذي كان أمينا بمرسى الدار البيضاء، إذ اشترى بها عقارات وصار من الملاكين، وأيضا "عرصة بن سلامة" نسبة إلى محمد بن سلامة الذي كان وكيلا عاما على قبض أكرية الأملاك. ويوجد أيضا "درب الميلودي" على اليسار الداخلي من باب مراكش، وينسب إلى القايد الميلودي بن محمد الذي سمي الدرب باسمه، وكان قائدا على مديونة وزناتة وفضالة في عصر السلطان الحسن الأول، وبقي الدرب يحمل اسمه إلى حين احتلال فرنسا للدار البيضاء، فعين محمد الكباص قائدا على المدينة، فوجد الدار المعدة لقائد المدينة مشغولة بسكنى الشريف محمد الأمراني، نائب السلطان، فسكن الكباص بدرب الميلودي فأطلق عليه اسمه وظل مقيما به إلى حدود 1912 فترقى بعدها إلى الوزارة، حسب ما ذكر المؤرخ هاشم المعروفي في كتابه "عبير الزهور». وأشار المؤرخ نفسه إلى ميلاد أحياء أخرى على عهد السلطان المولى عبد الحفيظ الذي بادر إلى توسيع المجال العمراني للدار البيضاء وإنشاء أحياء جديدة، منها درب بن حمان (بوشعيب) ودرب الصوفي (الفقيه) ودرب عمر ودرب برشيد ودرب الحاج الشرقي، ودرب بالكنداوي (الحاج الجيلالي) ثم عرصة افتيحات (نسبة إلى الحاج عبد السلام فتيح) وحي بوسبير القديم ودرب التازي نسبة إلى الحاج عمر التازي. سكان كازا في ضيافة قبيلة مديونة يقول عبد المجيد الغندور إن قبيلة مديونة كان لها دور أساسي في تمديد المدار الحضري لمدينة الدار البيضاء والتوسع في وعائها العقاري، إذ توسعت المدينة وشيدت فوق أراض فخذات قبيلة مديونة التي كان معظمها ملكا لأهالي القبيلة الذين هم في الوقت نفسه أهالي الدار البيضاء. وأضاف الغندور أن ملكية الأراضي التي شملها تصميم هنري بروست الذي كلفه المقيم العام ماريشال ليوطي، بتخطيط توسع المدينة خارج الأسوار، كانت هذه الأراضي تشكل في الأصل أملاكا للخواص، يوضع عليها ارتفاق قانوني، فيصبح مآل تلك الأراضي هو الإدماج بالملك العمومي، بعد إجراء عملية الاقتناء بالتراضي أو عن طريق إجراء مسطرة نزع الملكية حسب ظهير 16 أبريل 1914. ويحدد الغندور، بناء على المعطيات التي استند إليها وهي عبارة عن وثائق أو روايات شفوية، المجال الترابي للبيضاء بناء على انطلاقه من معطى أنها تابعة لفخذات قبيلة مديونة، الأصول العقارية لبعض الأحياء والمناطق نسبة إلى العائلات والفخذات التي كانت تملكها. ويقول إن أراضي منطقة الحي الحسني ومطار أنفا والألفة والرحمة وعين الذياب وسيدي عبد الرحمن وسيد الخدير تابعة لفخذة أولاد مسعود (أولاد أحمد) من قبيلة مديونة. أما مناطق تادارت وكاليفورنيا وشارع مكة ومنطقة مرجان وحي الليمون ومنظرنا وسيدي معروف والأحياء القريبة منه فقد شيدت على أراضي أولاد حدو، فيما بنيت ليساسفة بتجمعاتها السكنية والتعليمية على أراضي ليساسفة وهي إحدى فخذات قبيلة مديونة. كما أقيمت مناطق شارع ابن تاشفين وعين البرجة والمجازر القديمة ومحكمة الاستئناف بشارع الجيش الملكي (عين مازي)، ومحطة القطار المسافرين ومقبرة اسباتة والشهداء والغفران وعرصة ابن امسيك وسيدي عثمان ومولاي رشيد ومبروكة والسالمية وسيدي مومن فوق فخذة الهراويين التابعة بدورها لقبيلة مديونة. ويتحدث المؤلف نفسه عن ما يسميه "ممتلكات الأهالي" إذ يقول إن "ناحية الهجاجمة" كانت توجد بها عرصة أحمد وشقيقه الميلودي وكلاهما أولاد براد، وعرصة عبد السلام بومهدي وعرصة ابراهيم الهجامي. أما ناحية شارع غاندي بالاتجاه صوب المعاريف قدوما من أنفا العليا أو الحي الحسني، إذ أن هذا الشارع يعد حدا فاصلا بين فخذة أولاد مسعود وفخذة المعاريف، وهناك كان يوجد سوق المعلم عبد الله بن صالح المسعودي الذي كان أحد الملاك العقاريين الكبار بالمنطقة. وفي الجانب الآخر لشارع غاندي هناك سانية الحاج الرداد بن الحاج الطاهر بن الحبيب بن الغندور، نزع جزء من ملكية هذه الأرض لفائدة وكالة الماء والكهرباء أي "ليدك" حاليا. وغير بعيد عنها توجد بلاد الحاج بوشعيب بن الغزواني الحريزي الحبشي البيضاوي كانت توجد بجوار شارع غاندي وقد تصرف فيها ورثته وبيعت وجزئت. وبشارع ابن سينا بجانب المركب الرياضي محمد الخامس كانت توجد أرض السي بوعزة بن عمار، وبها مجمع "القصيبة" الذي ما زال قائما إلى يومنا هذا، إضافة إلى سانية الحاج الطنجي. درب غلف سمي درب غلف نسبة إلى بوعزة بن الخياطي الأحمدي الهرواي المديوني البيضاوي المدعو "غلف" والذي توفي سنة 1905، وكان الحي يضم العرصة التي كانت توجد داخل السور بزنقة الزموري وما زالت موجودة إلى الآن، كما أن جميع الأراضي المحيطة بضاحية الدرب بما فيها "الجوطية" القديمة على جانب شارع "ستندال" فتعود ملكيتها الأصلية إلى هذا الرجل، الذي ضم إلى أملاكه أيضا حي النخيل، ويعرف عند البيضاويين القدامى ببلاد "بوكليب" وهو لقب أحد ورثة بوعزة غلف إضافة إلى شارع عبد المومن، وصولا إلى حي "ريفيرا" عبر حي البطحاء. كما يعود جزء من أراضي حي الوازيس إلى الطيب الرويسي، وبني هناك مسجد ما زال يحمل اسمه قريبا من ضريح سيدي محمد "مول الصبيان"، وكان الرويسي يملك رياضا آخر بالضفة الشرقية لوادي بوسكورة، شيدت على أنقاضه سينما "ريتز" بوسط المدينة. وسط المدينة عندما كان "جنانات" ويشير الغندور أيضا إلى أن الموقع الحالي لزنقة الأمير مولاي عبد الله أغلب أراضيها والمناطق المجاورة لها تعود ملكيتها إلى الحبيب الغندور ويقدم في هذا السياق مخطوطا يرجع تاريخه إلى سنة 1850 حين اقتنى هذا الرجل هذه المساحة الأرضية، وكانت عبارة عن جنان يقع على الضفة اليمنى لوادي بوسكورة، وكانت الزنقة نفسها تسمى زنقة وادي بوسكورة، وهي الممر الرئيسي للوادي وتشير الوثيقة نفسها إلى مالكين مجاورين للجنان بينهم بوعزة بن الخياطي الأحمادي المدعو "غلف" والشافعي ومحمد الدكالي واليعقوبي الفاسي. وغير بعيد عن هذا المكان وتحديدا قرب برج الساعة قريبا من زنقة علال بن عبد الله كانت توجد أملاك بوعزة بن عمار، إضافة إلى أملاك الحاج عبد القادر بن بوعلام الدكالي. وبالمضي قدما في اتجاه شارع ابن تاشفين وعين البرجة كانت توجد أملاك ورياض الحاج محمد الأخيري، فيما كانت تعود ملكية معظم أراضي منطقة سيدي عثمان إلى الحاج أحمد بن الحسين عكاشة، وضمنها المساحة التي كانت تضم الكاريان، وغير بعيد عنها توجد "عرصة ابن امسيك" وكانت في ملك بوعزة بن امسيك الهراوي المديوني البيضاوي. وهو الأمر الذي ينسحب على العديد من الأحياء التي ما زالت تحمل أسماء مالكيها الأصليين مثل حي بوشنتوف بدرب السلطان التي كانت عبارة عن بساتين وجنانات في ملكية الحاج بليوط بوشنتوف، أو "درب الكبير" نسبة إلى الحاج الكبير الحريزي أحد الملاك العقاريين بالبيضاء، فضلا عن "قطع ولد عايشة" الذي يوجد بمحاذاة شارع أنوال ويرجع في الأصل إلى علي العبوبي المديوني حسني، المدعو ولد عايشة، وتصرف فيها أبناؤه الفقيه محمد العبوبي والحاج التهامي العبوبي وعبد الله العبوبي، وحي بن جدية وغيرها.

جغرافية البيضاء… المجال والأنساب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لقطات

اليحياوي‭ ‬تغني‭ ‬للبؤات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات