ديروش: المغرب أول حليف لأمريكا في إفريقيا

على مدار العقدين الماضيين، طور المغرب والولايات المتحدة الأمريكية شراكة عسكرية إستراتيجية متقدمة، تقوم على مصالح أمنية مشتركة، واحترام متبادل، وأهداف طويلة الأمد لتحقيق الاستقرار الإقليمي. ومن خلال صفقات دفاعية كبرى ومناورات عسكرية واسعة النطاق، أصبحت الشراكة العسكرية المغربية الأمريكية النموذج المثالي في الانخراط الأمريكي في شمال إفريقيا، ونموذجا يحتذى به في التعاون عبر الأطلسي. لكن ما الذي يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى المضي قدما في هذا المستوى من الدعم الاستراتيجي للمغرب؟ وما أبعاد المشروع الصناعي العسكري الأمريكي المزمع تدشينه في المملكة؟ وكيف تقرأ هذه التحولات في ضوء المنافسة الإقليمية، والتداخل الدولي في الشأن المغاربي؟ هذه الأسئلة وغيرها نناقشها، في حوار حصري لـ "الصباح"، مع ضيفنا البروفيسور "ديفيد ديروش"، الخبير الأمريكي في قضايا الدفاع والسياسات الأمنية والمستشار العسكري السابق في البنتاغون. أجرى الحوار: محمد السعدوني (واشنطن) بداية كيف تصف الحالة الراهنة للتعاون العسكري والدفاعي بين الولايات المتحدة والمملكة المغربية؟ > العلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب جيدة، وفي الواقع هي ممتازة. أعني، الدولة الوحيدة في إفريقيا التي لدينا معها علاقة تعاون دفاعي أقوى هي مصر، ويرجع ذلك في الغالب إلى اتفاقيات كامب ديفيد. لكن يمكنني القول إنه عندما ننظر إلى حجم التعاون بين الولايات المتحدة والمغرب، فإنه يتجاوز الجوانب المادية فقط، والتي تمثل دائما مصدر قلق في حالة مصر. وبالطبع، فإن دور المغرب في استضافة التدريبات السنوية للأسد الأفريقي، والدور القيادي الذي تلعبه في القارة وفي عمليات حفظ السلام، يجعلها في رتبة أعلى وأكثر أهمية. لذا فهي علاقة جيدة جدا وإستراتيجية للغاية مما يعزز مكانة المغرب طرفا رئيسيا وفاعلا في المعادلة الأمنية الإفريقية‫.‬ ما القيمة الإستراتيجية التي يمثلها المغرب للولايات المتحدة حليفا رئيسيا من خارج الناتو، خاصة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل؟ > حسنا، كما تعلمون ليس لدينا العديد من الحلفاء الرسميين أو الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو في إفريقيا، وأعتقد أن المغرب هو الدولة الوحيدة في القارة الإفريقية التي تحمل هذا التصنيف. لا أعتقد أن مصر مصنفة حليفا رئيسيا من خارج الناتو، لذا فهذه نقطة مهمة جدا بالنسبة إلينا. هذا التصنيف لا يمنح الكثير من الامتيازات في حد ذاته، ولكنه أولا وقبل كل شيء يعد اعترافا بأهمية العلاقات مع الولايات المتحدة. كما يمنح المغرب أولوية في الحصول على المعدات الدفاعية الفائضة عن الحاجة من واشنطن. فقد حصل المغرب على أكثر من 220 دبابة ‫"‬أبرامز‫"، وأكثر من 600 ناقلة جنود مدرعة من طراز ‫"إم 113‬" كانت في خدمة الجيش الأمريكي وتم سحبها. المغرب حصل على الأولوية في اقتناء هذه المعدات، بينما تسعى دول عديدة للحصول عليها. لكن باعتباره حليفا رئيسيا من خارج الناتو وضعه في مقدمة الصف، وتم توفير تلك المعدات دون أي تكلفة تذكر على الحكومة الأمريكية‫.‬ تشكل الصفقات الأخيرة التي تشمل طائرات "إف-16"ومروحيات "أباتشي" وصواريخ "ستينغر" خطوة بارزة في مسار تحديث الجيش المغربي. ما الذي تعكسه هذه الصفقات من حيث الاستراتيجية الأمريكية طويلة المدى في المنطقة؟ > نعم، تم منح المغرب وفق صفقات عسكرية حديثة نحو 25 طائرة ‫"إف 16‫‬" وصواريخ "سايدوايندر" التي تركب عليها، و36 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز ‫"‬أباتشي‫" وصواريخ ‫"‬جافلين‫”"‬ و‫"‬ستينغر‫".‬ هذه كلها قدرات عسكرية متقدمة جدا وتقنيات حديثة ومتطورة جدا. مرة أخرى، هذه المعدات لا تمنح بسهولة، بل تعكس اعترافا بوجود جيش متقدم قادر على تشغيلها وصيانتها ونشرها وحسن التعامل معها. كما تظهر أننا لا نصدر هذه الأنظمة الحساسة لأي جهة كانت. لذا فهي دليل على أننا نرى في المغرب شريكا محتملا وجزءا من الحلول، وليس مشكلة يجب التعامل معها. نحن أمام علاقة ناضجة جدا مع جيش محترف ومكون تكوينا أكاديميا جيدا، جيشا محترفا مسؤولا لا تملكه معظم الدول‫.‬ يعد الإعلان عن إنشاء منشأة عسكرية صناعية في المغرب، وتحديدا في البيضاء، لتجميع مكونات مقاتلات طراز الـ ‫"‬إف 16‫"، خطوة تاريخية. كيف تقيمون هذه الخطوة من حيث الشراكة الصناعية الدفاعية ونقل التكنولوجيا؟ > إنها خطوة مهمة بالنسبة إلى المغرب. ما تعكسه هو أن المغرب يرغب في بناء قوة عاملة مدربة في مجال صناعة الطيران، وهو مستعد لتحمل بعض التأخير وتكاليف إضافية لتحقيق ذلك. في الواقع، سيكون أرخص تكلفة للمغرب أن يشتري الطائرات كاملة التجهيز بدلا من تجميعها محليا. لكن القيادة المغربية، من وجهة نظري، تتصرف بحكمة وذكاء عندما ترى أن هذا التأخير والتكلفة الإضافية هو ثمن يستحق الدفع من أجل تطوير يد عاملة تقنية قادرة على صيانة وتطوير وتجميع طائرات مقاتلة متقدمة. إنها خطوة مدروسة نحو تنفيذ سياسة صناعية عسكرية تهدف إلى إدخال المغرب إلى عالم الصناعات الجوية المتقدمة‫.‬ القوات المغربية قادرة على الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي إذن، وفقا لما تقوله، سيدي، كيف يمكن أن تؤثر الشراكة الدفاعية المتنامية بين المغرب والولايات المتحدة على التوازن الإستراتيجي في شمال إفريقيا، خاصة في ما يتعلق بالجزائر وباقي الفاعلين في المنطقة؟ > حسنا، كما تعلم، الجزائر لا تشكل مصدر قلق كبير بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. أعلم أن هناك عداء طويل الأمد بين المغرب والجزائر، لكن الولايات المتحدة لا تلعب دورا كبيرا في هذا، وبصراحة، نعتبره أحد كل النزاعات في العالم. نحن ندرك أن هناك مواجهة تاريخية، ونرغب في أن يجد الطرفان حلا لها بأنفسهما، لأنها في نظرنا تعد استنزافا للموارد التي يمكن استغلالها بشكل أفضل في التنمية الصناعية والبشرية. أما القلق الأكبر فهو من منطقة الساحل. هذه منطقة تنزلق نحو الفوضى، حيث شهدنا انقلابات عسكرية إما سهلتها روسيا أو رحبت بها على الأقل، مما أضعف السيطرة الحكومية. والجهات الوحيدة التي استفادت من ذلك هي الجماعات الإرهابية مثل داعش في فرعها الإفريقي، وفيلق إفريقيا الروسي، الجماعة المرتزقة التي كانت تعرف سابقا باسم ‫“‬فاغنر‫”.‬ للأسف قيادة المغرب في إفريقيا غالبا ما يتم تجاهلها، لكن قاعدة المدرسة العسكرية المغربية تدرب العديد من الأفراد من الدول الإفريقية الفرنكوفونية الواقعة جنوب الصحراء. والمغرب يمتلك جيشا محترفا مدربا قابلا للانتشار لحفظ السلام. معظم الجيوش الإفريقية بالكاد قادرة على حفظ الأمن داخل حدودها، لكن ما لدينا مع القوات المغربية هو قدرة حقيقية على الحفاظ على الأمن الداخلي، إلى جانب القدرة على الانتشار خارج الحدود، وهي ميزة ستصبح ذات أهمية كبرى إذا استمر تدهور الأوضاع في منطقة الساحل والصحراء‫.‬ نراهن على المغرب لمنع انتشار الفوضى في إفريقيا هل يمكن القول إن الدعم العسكري الأمريكي الحالي للمغرب هو جزء من خطة أوسع لإحداث توازن إستراتيجي ضد قوى ناشئة أخرى مثل روسيا والصين في إفريقيا؟ > سؤال جيد. بصراحة، أعتقد أنك تنسب للولايات المتحدة قدرا من التخطيط أكثر مما هو موجود فعلا. لا أعتقد أننا نراه كمسألة خلق توازن إستراتيجي ضد روسيا أو الصين. أعتقد أن المسألة تتعلق أكثر بمنع بعض الدول الإفريقية من الانهيار والتحول إلى مصدر للإرهاب والهجرة الجماعية والجريمة المنظمة. فالمخاوف اليوم ليست من نوعية الحرب الباردة حيث تقوم روسيا بتوسيع نفوذها وتأسيس دولة تابعة لها تزعزع استقرار المنطقة. الخوف الأكبر يتمثل في أن ترى دولة، ودولة مالي مرشحة لذلك، وكذلك بوركينافاسو والنيجر، تفقد قدرتها على العمل دولة. وعندما يحدث هذا الفراغ في الحكم، تظهر وتنشط جماعات مثل داعش، وينتشر الإرهاب، وتحدث موجات هجرة جماعية تزعزع استقرار الدول على جانبي البحر الأبيض المتوسط. هذه هي المخاوف الحقيقية. وما نطمح إليه هو وجود دول مستقرة يمكنها منع تحول دولة فاشلة إلى مشكلة إقليمية‫.‬ انطلاقا مما ذكرت، ما الدور الذي تتوقع أن يلعبه المغرب في العمليات العسكرية المشتركة المستقبلية أو المبادرات الأمنية الإقليمية التي تدعمها الولايات المتحدة؟ > كما ذكرت سابقا، المغرب هو بالفعل شريك أمني دولي. فله مشاركات في البوسنة، والمغرب يمتلك القدرة على العمل ضمن تحالفات متعددة الجنسيات وعلى قارات أخرى. أعتقد أنه إذا حدث انهيار كارثي لدولة ما‫،‬ وهو أمر لا يستبعد حدوثه في منطقة الساحل، فإن المغرب سيكون من الدول التي يتوقع منها أن تلعب دور الحاجز الذي يمنع انتشار عدم الاستقرار ويبقيه محصورا داخل الدولة‫.‬ الصدام بين المغرب والجزائر يتعارض مع مصالح أمريكا برأيكم، هل تعتقدون أن هذا التعاون العسكري المتقدم بين الرباط وواشنطن يمكن أن يسهم في الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل، أم أنه قد يؤدي إلى تغيرات في منطقة المغرب العربي المعقدة أصلا؟ > بالطبع، أي صدام بين الجزائر والمغرب على المدى الطويل هو ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وضد مصالح الجزائر، وضد مصالح المغرب أيضا. لذا، لا أعتقد أن هذا الدعم العسكري يُقدم بهدف فرض إرادة أمريكا أو إرادة المغرب على الجزائر. هذا الأمر ينظر إليه في واشنطن على أنه انحراف أو جانب غير صحي في علاقة متميزة‫.‬ بخلاف ذلك‫ أ‬عتقد أن المصالح المغربية والجزائرية ستخدم بشكل أفضل من خلال سلام دائم يتطلب ربما تنازلات كبيرة وتخليا عن بعض المطالب التاريخية ودفنا للمشاعر العدائية. أعتقد أن الجميع يريد سلاما حقيقيا بين المغرب والجزائر. فاقتصاديا، ينبغي أن يكون هناك حجم هائل من التبادل التجاري بين هذين البلدين، ولو حدث ذلك، فسيشكل قوة اقتصادية هائلة على الجانب الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط‫.‬ إذن، انطلاقا من كل هذا، المساعدة العسكرية الأمريكية ليست موجهة نحو ذلك الصراع، بل تهدف إلى دعم فكرة أن المغرب القوي سيكون مزودا للاستقرار في منطقة تتجه جنوبا نحو اضطراب متزايد، وأيضا بالنظر إلى سجل المغرب في المساهمة بقوات في مهام حفظ السلام، حيثما تكون الحاجة إلى جيش منضبط ومدرب ومجهز جيدا، كما حدث في البوسنة. لقد كنت في قاعدة بالبوسنة وكانت القوات المغربية تؤمنها، وأقول لك "كنت أنام كل ليلة هادئا مطمئنا وكأنني طفل صغير"‫.‬ نموذج المملكة في التدين يحتذى به إذن انطلاقا من تحليلكم، كيف يندرج دور المغرب ويتناسب مع الإستراتيجية الأوسع للدفاع ومكافحة الإرهاب الأمريكية في إفريقيا، خصوصا مع تصاعد التهديدات في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؟ > أعتقد أن جزءا كبيرا من ذلك يتمثل في أن المغرب نموذج يحتذى به. المغرب هو إحدى القيادات المتميزة في العالم الإسلامي، وهذا لا يناقش كثيرا في الولايات المتحدة لأننا لا نحب التحدث عن الدين. لكن الموجة الحالية من زعزعة الاستقرار في الساحل تدّعي أن لها شرعية دينية إسلامية. أرى أن هذا الادعاء زائف، لكن لا أحد يهتم برأيي. ما يهم هو أن المغرب دولة إسلامية، وكل بوابة في ثكنات الجيش المغربي مكتوب عليها اسم "الله"، وهذه دولة تظهر أنه يمكن تحقيق التنمية دون صدام دائم أو انتهاك حقوق الإنسان أو تدمير الاقتصاد‫.‬ يمكنك أن تكون مزدهرا، كما هو الحال في المغرب، مع احترام حقوق المواطنين والنساء. وهذا يعد ردا قويا على الخطاب الذي تنشره جماعات مثل "بوكو حرام"، والتي تسهم في زعزعة الاستقرار في منطقة الساحل. إذن، هذا النموذج له تأثير قوي، ولكن إذا ساءت الأمور حقا، فإن المغرب هو إحدى الدول القليلة القادرة فعليا على الرد على العدوان المسلح‫.‬ في سطور: - خبير أمريكي في قضايا الدفاع والسياسات الأمنية - أستاذ الدراسات الإستراتيجية في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية. - شغل مناصب حساسة في وزارة الدفاع - شغل منصب مستشار عسكري سابق بوزارة الدفاع - صوت مرجعي في تحليل سياسات الأمن والدفاع الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول الساحل

ديروش: المغرب أول حليف لأمريكا في إفريقيا

واشنطن تراهن على المملكة والتسليح يعكس الثقة في الشراكة الإستراتيجية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"مولات اللحسة" تشعل محكمة إنزكان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات