تحركات أرضيات داخل أحزاب تحالف الأغلبية استعدادا لنسخة ثانية من حكومة أخنوش ارتفعت شدة ارتدادات فرضية تعديل حكومي داخل الأحزاب المعنية، خاصة في حزب الاتحاد الدستوري المساندة للحكومة دون حقائب، والاستقلال المشارك فيها مع اعتماد خطاب المعارضة. وفي الوقت الذي يستعجل فيه رفاق محمد ساجد في حزب الحصان الخطى نحو مؤتمر مرتقب مستهل أكتوبر المقبل عله يظفر بوضعية جديدة في حكومة ما بعد الدخول السياسي المقبل، فشل الاستقلال في رسم أجندة الطريق نحو مؤتمر سيكون له ما بعده. ثورة "نقد ذاتي" بالاستقلال حروب بين أجهزة الحزب تؤزم الوضع التنظيمي وتخفي صراعا على المناصب عاش الاستقلال صراعات داخلية مباشرة بعد جلاء الاستعمار، أدت إلى حدوث أكبر انشقاق في تاريخ الحزب بمغادرة الجناح اليساري بقيادة المتمرد المهدي بن بركة، الذي جر معه ثلة من الشباب المتحمس لتأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي سيأخذ الجزء الأكبر منه تسمية الاتحاد الاشتراكي، الذي سيغادره آخرون، بعد خلاف مع المؤسس علال الفاسي، المرجعية الفكرية للحزب الذي عانى بسبب تهجم الاستعمار وقاومه، وبسبب نيران صديقة لم يسلم منها إلى أن غادر الدنيا. وعوض أن يحافظ الاستقلاليون على تراث الحزب، وعلى السياسة "العلالية" إن صح التعبير، دخلوا في "جوقة" الصراعات الوهمية على المناصب، ولم يكونوا في مستوى تطلعات المواطنين، والديمقراطيين، إذ أزاحوا قيدومهم امحمد بوستة من الحزب بمؤتمر استثنائي، بعد فشل تجربة التناوب التوافقي الأولى في 1994، بمناورة من قيادة الاتحاد الاشتراكي، التي أرغمته على رفض طلب القصر، بتشكيل الائتلاف الحكومي من أحزاب الكتلة الديمقراطية، بعد وضع شرط إبعاد إدريس البصري، الوزير القوي في الداخلية، جيئ بعباس الفاسي لكي يلعب دورا ثانويا لمساعدة عبد الرحمن اليوسفي على قيادة التجربة في 1998، وبدون شروط، بل بمشاركة كل وزراء السيادة، تختلف عن شرط مشاركة وزير سيادة واحد البصري في حكومة بوستة، التي تم وأدها، ففشلت التجربة، وعقد مؤتمر استثنائي لتوديعه، وقبل بذلك الاستقلاليون، منهم من اعتبر ذلك على مضض، ومنهم من ربط ذلك بإمكانية استوزاره التي حلم بها كثيرا، فضيع الحزب قوته. وبعد مرور تجربة التناوب التوافقي في 1998، دخل الحزب في صراع إعمال الديمقراطية، والسماح لأكثر من مرشح للتنافس على منصب الأمين العام، قادها النقابي المتمرد حميد شباط، ضد عبد الواحد الفاسي، ولعب دورا في إخراج الحزب من التدبير التقليدي إلى العصري، لكنه مارس "الكولسة المسمومة" لإقصاء أكبر منافس له هو محمد الوفا، الذي أغلق عليه الباب بتغيير بنود النظام الداخلي على الساعة 3 صباحا، ما يعني أن شباط قرر أن يكون أمينا عاما للحزب ولنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ولعب دور التهدئة مع الأقطاب القوية، مثل القطب الصحراوي يمثله ولد الرشيد، والقطب الريفي، يمثله نور الدين مضيان، والقطب السوسي يمثله عبد الصمد قيوح، ثم استقطب مئات المناضلين الذين رفضوا الانضمام إلى التيار اليساري والإسلامي بالمغرب، وعوض أن ينمي شباط ثقافة الديمقراطية والانفتاح، غرس الشعبوية في الحزب وأدخله في صراعات على إدارة المخزن، وضد الديمقراطية بمغادرة الحكومة عبر القيام بمحاولة فاشلة لإسقاط حكومة الإسلاميين، ليغادر بطريقة مذلة الحزب والنقابة، بعدما تعدى صلاحيته في تدبير شؤون البلاد على المستوى الخارجي عبر دفع موريتانيا إلى الغضب على المغرب في محيط إقليمي ملتهب، يقوده نظام الكابرانات بالجزائر، فلم يكن شباط ومن معه من المتحالفين خارج الاستقلال، مثل إلياس العماري، عراب الأصالة والمعاصرة، قادرين على استيعاب كيفية اشتغال الدولة بجعل المصالح العليا للبلاد فوق كل اعتبار. وحينما دخل الحزب مرحلة النضج السياسي من باب انتخاب قيادة جديدة بزعامة نزار بركة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي فشل في تدبير عملية الاستوزار، ولأن أغلب أعضاء اللجنة التنفيذية من تيار ولد الرشيد، وتيار بلا هوادة لبركة، لم يتم استوزارهم، اعتبروا أن معركتهم هي إحداث القلاقل لبركة، والضغط عليه، لضمان البقاء أصلا في اللجنة التنفيذية، التي سيتم توسيع عدد أعضائها مستقبلا، ولأجل الحصول على منصب عال في مؤسسة دستورية، إذ تسابق الاستقلاليون على تنويع سيرهم الذاتية بشهادات من الجامعات، وأحيانا بشهادات " الفيسبوك" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، على أمل الحصول على منصب ينهي به العضو ذكرا أو أنثى مساره السياسي. لذلك لم يتمكن الاستقلاليون من ضبط النفس، في اجتماعهم بالمقر المركزي للحزب بالرباط، إذ حولوا صراعهم الخفي حول من له أحقية تولي المناصب العليا في المؤسسات العمومية، وتدبير حقائب كتاب الدولة، وضمان العضوية في اللجنة التنفيذية المقبلة، التي ستشهد توسعا في عدد أعضائها إلى ملاسنات وتبادل الاتهامات بين بعض القادة. وهاجم أعضاء من تيار حمدي ولد الرشيد، بركة، واتهموه بتسريب التعديلات المراد إدخالها على النظام الداخلي للمجلس الوطني، وهو ما نفاه تيار بلاهوادة، بحكم أن بركة رجل كتوم. ولم يستمع بركة لنداء عبد الواحد الفاسي، نجل المؤسس علال الفاسي بإحقاق التوازن بين التيارات عوض ترك تيارولد الرشيد، يمارس هيمنته، إذ مارس " الدكاكة" في حق المناضلين، على حد تعبيره، لأنه وضع لائحة مغلقة تضم أسماء أعضاء التيار دون غيرهم من الاستقلاليين، أشبه ما يكون بإحداث طائفة، ضد أخرى، ما سيمس بالديمقراطية الداخلية التي ستكون هشة. أحمد الأرقام