fbpx
خاص

حكاية مغربي عاشق للسويد

وصلها قبل 42 سنة واشتغل طباخا في إقامة رئيس حكومتها ويرغب في أن يموت ويدفن فيها

يصعب نقل واقع وحقيقة الحياة في السويد في زيارة قصيرة إلى البلد، رغم أن جميع المشاهدات توحي بالنظام والدقة والقانون واحترام الآخر. وحتى لا نتهم بالتحيز إلى “الغرب الكافر” على حساب بني جلدتنا، ارتأينا أن نتحدث، في الورقة التالية، بلسان مغربي عاش في السويد 42 سنة، وتزوج وأنجب ابنه فيها، واشتغل في إقامة رئيس حكومتها، ليحكي لنا مظاهر من الحياة في هذه المملكة “السعيدة”،
التي يتمنى أن يموت ويدفن فيها.

إعداد: نورا الفواري موفدة “الصباح” إلى ستوكهولم

أينما وليت وجهك في بلاد العالم، ثمة مغاربة. ورغم أن عددهم متواضع في السويد، مقارنة بجاليات عربية أخرى، إلا أنك تجدهم بكثرة في ستوكهولم، في الفندق وفي “السوبير مارشي” والمطعم… منهم الشابات والشباب الذين وصلوا قبل ستة أشهر فقط، ومنهم الذين عاشوا سنوات طويلة في هذه المملكة “السعيدة”، إلى أن اختلطت ملامحهم بملامح السويديين، حتى تخال أنهم أيضا من حفدة “الفايكينغ” العظماء.

“الدنيا تخلطات”
“الصباح” التقت شكيب منطق، مغربي يبلغ من العمر اليوم 62 سنة، وصل إلى السويد حين كان عمره 20 سنة فقط، بعد أن وقع أسير حب فتاة سويدية جميلة، أمنت له “الأوراق” وأنجبت له ابنا هو اليوم في سن 34، يعرف أصوله المغربية جيدا ويفتخر بها، رغم أنه قليل السفر إلى بلد والده.
شكيب، الذي يشتغل في مجال المطعمة والفنادق، ويدير فريقا مكونا من مستخدمين سويديين وأجانب في 4 مطاعم تحت إشرافه، يتحدر من بولمان، لكنه عاش قبل هجرته من المغرب، بالقنيطرة، واشتغل ب”لاراك” وكان يلعب ضمن تشكيلة الفريق الوطني لكرة السلة، وهو من المغاربة “المختلفين” عن باقي أبناء الجالية المغربية المقيمة في السويد، التي لا يحب أن يختلط معها كثيرا، مفضلا أن تكون لديه حياته الخاصة، بعيدا عنهم، قريبا من المواطنين الأصليين للبلد.
سألته “الصباح”، في اللقاء معه، لماذا؟ فكان جوابه صريحا قاطعا، بدارجة متعثرة شيئا ما، “حين وصلت في البداية، التقيت ناس زوينة، ومن بعد تخلطات الدنيا. إنهم في السويد لكن بعضهم ما زال مقيما بعقوله وعقلياته في المغرب. كا يتجمعوا على الخوا الخاوي، وأكثرهم لا شغل له ولا مشغلة سوى الحديث عن الناس. لا يتحدثون لغة أهل البلد، ولم يقوموا بأي مجهود يذكر من أجل تلقنها رغم أن الدولة توفر لهم إمكانية ذلك، وبالمجان”.

ارتفاع نزعة العنصرية
لقد أصبحت السويد، تعيش متأخرة، ما عاشته فرنسا قبل سنوات، إذ يتجمع أبناء الجالية المغاربية عموما، في مدن الضواحي والهامش، حيث يسود الفقر والأمية ويرتفع منسوب الجريمة والسرقة والعنف والتطرف، بسبب عدم القدرة على الاندماج داخل المجتمع السويدي، وحرص الآباء على تربية أبنائهم على التشدد الديني، وكره الآخر، وكأنه سبب جميع الشرور التي لحقت بهم، وهو الشعور الذي يزيد تأجيجه فقهاء “الجهاد ضد الكفار”، يقول فاعل مغربي في المجتمع المدني، تحفظ عن ذكر هويته، مضيفا أنهم سبب ارتفاع نزعة العنصرية لدى السويديين تجاه الأجانب، خاصة من بين العرب والمسلمين، واللاجئين القادمين من العراق وسوريا، وتوجه الناخبين للتصويت عن الحزب اليميني المتطرف في السويد، الذي يدعو إلى طرد اللاجئين وتشديد قوانين الهجرة على المقيمين ومنعهم من استقدام أبنائهم وأسرهم في إطار التجمع العائلي، حاملا شعار “السويد للسويديين”، بسبب ما يقترفه المهاجرون وأبناؤهم من جنح وجرائم. وهو الحزب الذي يرشحه كثيرون ليكون الأول في الانتخابات المقبلة التي ستعرفها البلد في شتنبر المقبل.

شعب طيب وبارد
سألنا شكيب عن العنصرية لدى الشعب السويدي، فأكد أنها موجودة لدى البعض، وليس الكل. لكن هذا البعض، يضطر إلى الاحتفاظ بها لنفسه، ويحرص على أن لا تظهر في سلوكاته ومعاملاته مع الأجانب، لأنها جريمة يعاقب عليها القانون في السويد، لكن السويديين عموما، شعب طيب، بارد شيئا ما، ومنطو على نفسه، لكنه ليس سيئا.
وألقى شكيب اللوم على بعض المسلمين، الذين يتصرفون بعنف كبير ويحرقون السيارات ويهاجمون الشرطة ويخرجون في مظاهرات غير مصرح لها، احتجاجا على حرق القرآن أو على رسوم كاريكاتورية للرسول محمد، في حين كان بإمكانهم التصرف بطريقة أخرى أكثر تحضرا وأكثر نجاعة وفعالية في إيصال رسالتهم، وهو ما يجعل المجتمع السويدي يرفضهم ويدين سلوكهم لأنه غير مقبول لديه.
سألنا شكيب كيف استطاع أن يصل إلى هذه المكانة في عمله وكيف يشتغل سويديون تحت إمرته وإشرافه، علما أنه كان مشرفا على مطبخ رئيس الوزراء السويدي شخصيا قبل سنوات، فأجاب: “يكفي أن تتقن عملك جيدا، إلى درجة أن عليك أن تكون أفضل من المواطن السويدي بثلاث أو أربع مرات. كما يجب عليك أن تفرض احترامك وتتعامل معهم بعقليتهم، أي ببرودة دم، فالسويدي حتى، وإن أراد قتلك، يقولها لك بابتسامة عريضة، ولا يظهر لك أي شر نهائيا، عكسنا نحن، “فينا الغوات على والو، وكا يشوفونا الناس حنا اللي ظالمين”.

مساجد مراقبة
تضمن السويد لجميع مواطنيها، أصليين وأجانب، وحتى اللاجئين إليها، حقوقا “فوق اللازم”. فإلى جانب الامتيازات الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم وتعويضات فقدان الشغل، تخصص الدولة دعما ماديا وإعانات للاجئين، وصلت حد توفير ثلاثة منازل لأسرة لاجئة مكونة من رجل وثلاث زوجات، في الوقت الذي يعاني السويديون من أجل الحصول على شقة صغيرة، وعدد كبير منهم يضطر إلى الإقامة في بيت العائلة بسبب عدم وجود منازل للكراء، في الوقت الذي توفرها الدولة مجانا لللاجئين، على حساب مواطنيها المقيمين، وهو ما أجج الغضب والعنصرية لدى السويديين تجاه الأولين، الذين يرفضون العمل ويفضلون الإعانات ويعيشون على حساب الشعب السويدي، الذي يدفع ثلث راتبه من أجل الضرائب، يوضح شكيب.
أما بالنسبة إلى الممارسات الدينية، فتحترمها الدولة السويدية، والدليل وجود العديد من المساجد في العاصمة ستوكهولم، وفي غيرها من المدن، لكنها، في السنوات الأخيرة، أصبحت تراقب مضمون الخطاب الذي يلقى داخلها من قبل بعض الأئمة والفقهاء، الذين يحرضون الأزواج على ضرب زوجاتهم، ويجبرون الفتيات الصغيرات على ارتداء الحجاب، فأوقفت عنهم الدعم تماما، بل وصل الأمر بالسلطات السويدية إلى تجريد آباء وأمهات متطرفين، من أبنائهم، لأنهم يربونهم على العنف والكراهية أو يجبرون بناتهم على ارتداء النقاب، أو يقومون بتعنيف أبنائهم، يؤكد الفاعل الجمعوي، المذكور آنفا، في لقاء مع “الصباح”.

لـن أعـود أبدا!
لم يزر شكيب المغرب منذ أكثر من 17 سنة تقريبا. لكنه يتابع جميع أخباره من خلال التلفزيون و”فيسبوك”. ليست لديه أي رغبة في العودة إليه مرة أخرى، حتى بعد أن جاوز عمره الستين. وهو يفضل أن يموت في السويد التي تحترم حقوق الميتين أيضا، ويدفن في مقابرها الجميلة النظيفة والمرتبة، التي تشبه الجنة، حسب قوله، على أن يعود إلى بلد ترك أناسه “مأدبين” و”شبعانين” حسب تعبيره، فوجدهم في آخر زيارة له، وقد تحولوا إلى وحوش مفترسين.
“حين تركت المغرب، كانت مدينتي القنيطرة كلها فيلات. حين عدت بعد سنوات وجدت الكثير من العمارات المتراصة جنبا إلى جنب. وجدت الأزبال في كل مكان. وجدت قلة التربية وانعدام الاحترام في الشارع لدى البعض وليس الكل طبعا. لا مكان لي هناك بين شعب يعشق المظاهر وأصبح مجنونا على المال، وذهبت الرحمة من قلبه”، يقول شكيب قبل أن يضيف “كان للمغرب أن يكون أفضل من السويد لو تظافرت الجهود لذلك، فهو يملك موارد أكثر منها. لكنها تملك حسن التدبير والحكامة والنظام. إنها تستثمر في الرأسمال البشري، وفي التربية والتعليم والثقافة من أجل ضمان المستقبل”.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى