كورونا … “همزة” المختبرات والمستوردين
دراسة مجلس المنافسة كشفت المستور وأبانت عن الاختلالات الهيكلية للسوق
شهدت التحاليل المخبرية المنجزة بالمغرب تطورا ملفتا للنظر خلال الأزمة الصحية. ومراعاة لغياب العدد الكافي من المعدات والموارد البشرية المؤهلة والضرورية لإنجاز هذه الفحوصات إبان الأشهر الأولى من تفشي الجائحة، عمدت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى إسنادها حصرا إلى المختبرات العمومية الجهوية والإقليمية التابعة للمستشفيات العمومية والعسكرية والمراكز الاستشفائية الجامعية، وإلى تلك التابعة للمعهد الوطني للصحة ومعهد باستور.
وارتكزت التحاليل على بؤر العدوى المرصودة بالنسبة إلى الحالات الحاملة لأعراض الإصابة، وعلى مخالطيها.
إنجاز: عبد الواحد كنفاوي
فتحت وزارة الصحة، مع تفاقم الوضعية الوبائية وإرادة الدولة في تكثيف التحاليل المذكورة على نطاق واسع، سوق فحوصات التشخيص الخاصة بـ “كوفيد 19” تدريجيا في وجه الوحدات التابعة للقطاع الخاص، شملت، على الخصوص، المختبرات الخاصة للتحاليل البيولوجية الطبية.
الجهات المتدخلة
أفاد مجلس المنافسة في دراسة حول وضعية سوق فحوصات “كوفيد 19″، أن سلسلة إنجاز فحوصات الكشف عن الإصابة بالفيروس تتدخل فيها جهات عديدة فاعلة، مشيرا إلى أن المؤسسات المعنية بمنح تراخيص تصنيع واستيراد المواد الضرورية لإجراء الفحوصات تختلف عن المؤسسات المسؤولة عن منح تراخيص الولوج إلى البنيات الخاصة في السوق، كما يلعب الممثلون المهنيون، إضافة إلى هذه المؤسسات، أدوارا عديدة في مجال مواكبة هذا السوق، سواء تعلق الأمر بالمستلزمات الطبية اللازمة أو بتقديم خدمات الكشف عن فيروس” كوفيد 19″.
مراقبة وزارة الصحة
أوضح مجلس المنافسة أن سوق فحوصات “كوفيد 19″تخضع لإشراف كامل لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية التي تسهر، وفقا للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، على مراقبة نشاط المختبرات الخاصة بالتحليلات البيولوجية الطبية والمستلزمات الطبية اللازمة لإجراء الفحوصات المطروحة في السوق، عبر مديرياتها المركزية والإقليمية والمؤسسات الخاضعة لوصايتها.
وتسلحت الوزارة، خلال الأيام الأولى من تفشي الجائحة، للتصدي لها بمفردها، بضمان استيراد كواشف فحوصات « بي سي إر» التقليدية من كوريا الجنوبية لحسابها الخاص وعرضها في السوق، إضافة إلى المعدات اللازمة لتأمين الإمدادات لفائدة المختبرات العمومية المحددة والمؤهلة للتكفل بعمليات تشخيص الإصابة بالفيروس. وتم اقتناء هذه المنتوجات عبر اللجوء إلى مسطرة الصفقات التفاوضية.
وحرصت الوزارة على توفير الدعم اللوجستيكي لجميع المختبرات العمومية التي تضم، على وجه التحديد، المعهد الوطني للصحة، ومعهد باستور، والمراكز الاستشفائية الجامعية، والمستشفيات العمومية الجهوية.
توسيع تشخيص الإصابة بالفيروس
استجابت الوزارة، من أجل تكثيف عمليات تشخيص الإصابة بالفيروس، لطلب المختبرات الخاصة الانخراط في عمليات الكشف عن الفيروس لأول مرة في يونيو 2020 ، بهدف توسيع نطاق تشخيص العدوى بالنسبة إلى الحالات التي تظهر عليها الأعراض، والمسافرين ، والطلبة، وموظفي الإدارات العمومية، ومستخدمي القطاع الخاص في إطار اتفاقيات أو بشكل فردي أثناء استئناف العمل. وتم إمداد هذه المختبرات بالكواشف والمعدات اللازمة بشكل تدريجي.
وأكد الممثلون المهنيون المنتسبون إلى المختبرات المرخص لها أن 90 في المائة من نشاطهم ارتكز، طيلة 2020 بوجه خاص، على إجراء فحوصات “كوفيد 19”.
وفرض على المختبرات الخاصة، في المراحل الأولى من انضمامها إلى العملية، الامتثال لدفتر التحملات، الذي حددته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية الذي ينص على توفير المعدات والمستلزمات لإجراء فحص “PCR-RT التقليدي»، علما أنه قبل اندلاع الجائحة، نادرا ما كانت تستخدم هذه التقنية في المختبرات الخاصة للتحاليل البيولوجية
الطبية، إذ كانت الفئة القليلة منها، التي اعتادت على استخدام هذه التقنية، تلجأ إلى فحص “PCR السريع”، بوجه خاص، الذي يستند إلى أجهزة آلية مندمجة وسهلة الاستعمال للتحكم في عملية تشخيص مختلف الأمراض.
شكلت المختبرات التي اعتادت على استعمال تقنية فحص ” بي سي إر” التقليدية ومعداتها أول فئة رخص لها بإجراء فحوصات كوفيد، إضافة إلى طلب من المختبرات الخاصة، المجهزة حديثا بالمعدات والراغبة في الانضمام إلى شبكة التشخيص، العمل على تأهيل مواردها البشرية قصد تمكينها من التحكم في الجيل الجديد من معدات فحص” بي سي إر التقليدي”.
ارتفاع عدد المختبرات
يظهر جليا أن العجز المسجل على مستوى عرض المختبرات العامة ينعكس بشكل ملموس على إمكانية ولوج المرضى إلى فحوصات تشخيص الإصابة بالفيروس، ويضطرون، في كثير من الأحيان، إلى اللجوء لخدمات القطاع الخاص لإتمام كلفة التحمل. ويتبين من الإحصائيات، المتوصل بها من قبل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أن عدد المختبرات الخاصة عرف تطورا ملحوظا مقارنة بنظيرتها في القطاع العام، الذي لم يتجاوز عدد مختبراته31 في المجموع، منذ شتنبر 2021.
استحواذ 3 جهات على سوق التحاليل
أكدت الدراسة التي أنجزها مجلس المنافسة أن سوق فحوصات “كوفيد 19” تتسم بنسبة عالية من التركيز على المستوى الجهوي، فمن أصل الجهات الاثنتي عشرة، تستحوذ ثلاث جهات على نسبة 77 في المائة من العدد الإجمالي للمختبرات الخاصة للتحاليل البيولوجية الطبية، ويتعلق الأمر بجهات الدار البيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة، إذ بلغت نسبة الفحوصات المنجزة في المختبرات الخاصة الموجودة بهذه الجهات 75 في المائة إلى غاية فاتح دجنبر 2021 ، منذ شروعها في إنجاز عمليات التشخيص.
وارتفعت نسبة التركيز بشكل طفيف، خلال الفترة التي تلت شتنبر 2021، بجهتي الدار البيضاء – سطات، والرباط – سلا – القنيطرة، في حين تراجعت حصة جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، بسبب انضمام مختبرات خاصة جديدة إلى الشبكة.
كواشف الفحوصات… الهيمنة
أظهرت الدراسة أن بنية سوق استيراد كواشف فحوصات “كوفيد 19” تتسم بهيمنة عدد محدود من الشركات، إذ أن حصة إحدى الشركات انتقلت من 25 في المائة، خلال 2020، إلى 39، في ما يخص الفحوصات القائمة على تقنية “بي سي إر”، في حين ارتفعت حصة شركة أخرى في سوق فحوصات المستضدات البيولوجية من 73 في المائة خلال 2020 إلى 86 مع متم أكتوبر 2021، ما يمثل زيادة بنسبة 4 في المائة.
أرباح متزايدة
أرباح المختبرات المرخص لها بإجراء الفحوصات المتعلقة بـ”كوفيد 19″ عرفت ارتفاعا ملحوظا. وأوضح معدو الدراسة أن الأرباح تختلف حسب نوعية الفحوصات، إذ تحقق المختبرات أرباحا على فحص “بي سي إر” التقليدي تتجاوز 95 مليون سنتيم في السنة، بمتوسط عدد فحوصات في اليوم في حدود 50 فحصا، وتتجاوز أرباح اختبارات “بي سي إر” السريع 29 مليونا، بمعدل 25 فحصا في اليوم، ويمكن فحص مستضد المختبرات من تحقيق أرباح تتجاوز 38 مليونا، وتحقق أرباحا تصل إلى 10 ملايين من فحوصات المصلي النوعي أو الكمي، وأزيد من 31 مليون سنتيم عن الفحص المصلي الآلي.
وهكذا، فإن الأرباح الإجمالية السنوية بالنسبة إلى المختبرات التي تنجز كل أصناف الفحوصات تتجاوز 170 مليون سنتيم، علما أن الأمر يتعلق بتحاليل “كوفيد 19″، فقط، وتأخذ بعين الاعتبار الأرباح المحصلة من التحاليل الأخرى. وتتراوح الأرباح عن كل صنف من الأصناف بين 13.5 درهما عن كل تحليلة من نوع الفحص المصلي النوعي أو الكمي و 63.5 درهما بالنسبة إلى فحص “بي سي إر” التقليدي، الذي يظل أهم مصدر للأرباح بالنسبة إلى المختبرات، علما أن هناك عددا محدودا من المختبرات التي كانت تنجز هذا الصنف من الاختبارات. ورغم تسقيف الأسعار، فإن وحدات التحاليل المخبرية ظلت تحقق أرباحا مهمة.
اختلالات بالجملة
أوضح مجلس المنافسة، في الدراسة التي أنجزها، أن منح التراخيص إلى المختبرات الخاصة الراغبة في الانضمام إلى شبكة المختبرات التي تنجز فحوصات “كوفيد 19″، يخضع إلى مسطرة خاصة، مشيرا إلى أنه رغم أن نظام الترخيص يتيح إمكانية الولوج السريع للمختبرات والاستجابة لطلبات المرضى، فإنه ينطوي على مخاطر إزاء هذه المختبرات، التي تخصص استثمارات ضخمة لتهيئة المواقع وتجهيزها، دون الحصول على ضمانات صريحة بالتوصل بالتراخيص النهائية.
وأشار معدو الدراسة إلى أن وزارة الصحة تمثل، باعتبارها السلطة الحكومية التي تشرف على القطاع، أحد المستهلكين الرئيسيين لخدمات مختبرات التحاليل البيولوجية الطبية، المتعلقة بتشخيص الإصابة بفيروس “كوفيد 19″، بواسطة المعهد الوطني للصحة، الذي تناط به مهمة تحديد الحد الأدنى من الشروط الواجب احترامها للترخيص بالانضمام إلى شبكة تشخيص الإصابة بالفيروس، ومراقبة عمل المختبرات المرخص لها، وإنجاز خدمات فحوصات التشخيص لفائدة المرضى، مقابل تعريفة محددة، ما يجعله، في الآن ذاته، حكما وطرفا متدخلا في سوق فحوصات “كوفيد 19”.
واعتبرت الدراسة أن عدم تحيين مصنف أعمال التحاليل البيولوجية الطبية، منذ 2005 ، شكل عقبة رئيسية، حالت دون تعويض المواطنين والتكفل لهم في ما يرتبط بخدمات تشخيص الإصابة بفيروس “كوفيد19 ” في ذروة تفشي الجائحة، مشيرة إلى أن الأسعار المطبقة على خدمات تشخيص الإصابة بالفيروس كانت، في الواقع، مشابهة لأسعار التحاليل ذات الصلة بمرض التهاب الكبد من نوع “ب”، قبل اتخاذ قرار تسقيفها.
وطالب معدو الدراسة بضرورة تحيين إدراج فحوصات “كوفيد 19” مع تحديد جميع حالات منح التعويض وربطها بدواعي إجراء هذه الفحوصات، على غرار تجارب البلدان الأخرى.
وأكدت الدراسة أن المنظومة الصحية الوطنية لم تكن مستعدة لاحتواء تفشي جائحة “كوفيد 19″، بسبب غياب صناعة محلية واسعة النطاق للكواشف والمعدات الشخصية، إذ رغم الأهمية القصوى لمجال تشخيص الأمراض المعدية والصناعات المتعلقة بها، ومستوى الابتكار الملحوظ الذي عرفه هذا المجال على نطاق عالمي، فإن المغرب يملك ثلاثة مصانع، فقط، على المستوى الوطني.