الاعتراف بحقوق المرأة وصل مرحلة تمكينها منها فعليا 2/1 بقلم: عبد الكبير طبيح (*) بادر رئيس المحكمة الإدارية بالرباط إلى تنظيم ندوة حول موضوع " حقوق المرأة من خلال القضاء الإداري... المحكمة الإدارية نموذجا"، وهي مبادرة جريئة تضع القضاء بصفة عامة والقضاء الاداري بالخصوص في قلب النقاش العمومي حول التمكين الفعلي للحقوق المعترف بها دستوريا وقانونا للمرأة المغربية، من أجل الانتقال إلى مصاف الدول التي تتعامل مع قضايا حقوق المرأة بطريقة صادقة وجدية. وليس تلك التي تعتبرها واجهة أمام العالم من أجل الادعاء بالتحضر، بينما في الواقع الذي توجد عليه حقوق المرأة مازال قابعا في العصور القديمة. من المعلوم، بالنسبة لكل متتبع للتطور الذي عرفه النقاش العالمي حول الدفاع عن حقوق الإنسان، الذي استعمل كذلك أداة سياسية في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي الى أـن أدى إلى تفكيكه سنة1987 ، سيلاحظ أن ذلك النقاش العالمي مر من ثلاث مراحل هي: المرحلة الأولى، وهي مرحلة تسمى التحسيس بأهمية احترام وإعمال حقوق الإنسان، كما هي معرفة في القوانين الطبيعية وفي تعاليم كل الديانات السماوية وغيرها من الديانات، بالنظر الى أنها تهتم بالإنسان لذاته. وهي مرحلة عاشها المغرب بفضل الحضور القوي للشخصيات النسائية والجمعيات النسائية التقدمية والوطنية، التي تنبأت بأهمية دور المرأة في تطور المجتمع، وضرورة مناهضة الفكر الذي أراد ان يقصر دور المرأة أداة للذة الجنسية للرجل. المرحلة الثانية، وهي مرحلة التطبيق القانوني لتلك الحقوق، أي النص عليها في قوانين البلدان التي تؤمن به حقا. وبدأت هذه المرحلة بالنص عليها في قوانينها العادية، وانتهت الى تضمينها في دساتيرها، من أجل منع التراجع عنها بسبب تغيير الحكومات المسيرة لتلك البلدان، وحتى يتم ضمان استمرار مشروعيتها القانونية وإلزامية احترامها. المرحلة الثالثة، وهي مرحلة المحاسبة على تنفيذ الدول لالتزاماتها المتعلقة باحترام حقوق الانسان، وفي مقدمتها احترام حقوق المرأة . وهي المحاسبة التي تظهر بقوة في كل اتفاقيات التجارة الدولية والاتفاقيات المالية الدولية، وقرارات وتوصيات كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتوصيات وقرارات عدد من برلمانات الدول المتقدمة اقتصاديا، والتي تربط أي تعامل مع أي دولة بمدى احترامها لحقوق الانسان، وعلى رأسها حقوق المرأة . ومن الإنصاف الفكري الإشهاد لبلدنا اليوم بأنه نفذ التزاماته المذكرة في المرحلة الأولى وفي المرحلة الثانية، مع بعض الخصاص في مجالات معينة، والذي يجب تداركه في أقرب وقت، وأصبح المغرب اليوم في المرحلة الثالثة أي مرحلة المحاسبة على مدى تنفيذ التزاماته في مجال حقوق الانسان، وعلى الخصوص ما تعلق منها بحقوق المرأة، ليس بالنظر الى الاتفاقيات الدولية، كما كنا نطالب بذلك في السنوات الماضية، بل اليوم من حقنا أن نطالب بتنفيذ ما أتى به دستور 2011 في مجال الحقوق التي اعترف بها للمرأة، والتي أريد لها أن لا تنفذ من طرف الحكومات المعينة بعد المصادقة على ذلك الدستور. وينتظر المجتمع الحقوقي من الحكومة الحالية المبادرة الى إثبات احترامها لدستور 2011 في مجال حقوق المرأة، وليس بالالتفاف عليه كما كان عليه الحال في السابق. تمكين المرأة من الحقوق يستخلص مما سبق أن صيغة المطالب التي ترفع اليوم بخصوص حقوق المرأة لم تبق تلك الصيغة، التي تطالب بالاعتراف بحقوق المرأة، لأن موضوع الاعتراف بحقوق المرأة خرج وتجاوز مرحلة مطلب الاعتراف به الى مرحلة تمكين المرأة من الحقوق فعليا، أي فعلية تلك الحقوق، وهو المصطلح المتعامل به دوليا. أي تطبيق ما ينص عليه دستور 2011 والقوانين الجاري بها العمل، وفي مقدمتها مدونة الاسرة. حقا أن ما يجب الاعتزاز به هو صدور أحكام عن القضاء الإداري، و على رأسها المحكمة الإدارية بالرباط التي اتسمت بالجرأة في عدة قضايا كانت موضوع خلاف في التفسير والتأويل بين المتدخلين فيها سواء كانوا إدارات عمومية أو أشخاصا ذاتيين، كما هو الحال بخصوص الاحكام التي مكنت المرأة المنتسبة للسلاليات من حقوقها، والأحكام التي مكنت الأرملة من حقها في تقاعد زوجها بعد وفاته، وغيرها من الأحكام القضائية التي انتصرت في المحكمة الإدارية لتمكين المرأة من حقوقها الدستورية والقانونية. لكن ما زال هناك مجال للقضاء الإداري ينتظر منه أن يلعب فيه دوره الدستوري في التقوية من فرض إعمال قواعد المحاسبة على عدم تطبيق الدستور والقوانين ذات الصلة بحقوق المرأة والقطع مع كل ما من شأنه إفراغ تلك الحقوق المضمونة دستوريا وقانونيا من أي محتوى، بناء على تفسيرات أو تعليلات تستند الى ما يناقض الدستور وما يناقض القانون. وتعتبر نفسها رقيبا على ذلك الدستور وعلى تلك القوانين وتسمح لنفسها بتجاوزه ومناقضته. القضاء الإداري والأخطاء القضائية ذلك لأن دور القضاء الإداري واختصاصه في تحقيق تمكين المرأة من حقوقها الدستورية والقانونية لا يقتصر على ما تقوم به الإدارة من تجاوزات التي قد تمس حقوق المرأة وغيرها من المعنين، بل إن دور القضاء الإداري منتظر كذلك بخصوص ما أهله وخصه به الدستور، إذ بالإضافة الى ما حققه القضاء الإداري من دعم ومؤازرة للمرأة في الوصول الى ما تتملكه من حقوق، فإن دوره هو كذلك منبه ومذكر للدولة بمسؤوليتها الدستورية على ما قد يشوب بعض الاحكام القضائية من أخطاء. علما أن الخطأ القضائي معترف به وهو يتجسم في عدم تطبيق نصوص دستورية أو عدم تطبيق نصوص قانونية جار بها العمل, تعترف للمرأة بحق من حقوقها الطبيعية، أو تجاوز تلك القوانين أو إهمال إعماله. وهذا الاختصاص ليس متروكا للاجتهاد القضائي حتى يمكن تطبيقه في حالة وعدم تطبيقه في حالة أخرى، بل يجد سنده في الوثيقة الدستورية التي ينص فصلها 122 منها على ما يلي: " يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة. ومن المعلوم ان تعريف الخطأ القضائي لم يترك كذلك للتفسير أو التأويل أو الاختلاف حول مضمونه. وانما تدخلت وثيقة أخرى مكملة للدستور وتحظى بنفس القيمة الدستورية للدستور نفسه، وهو القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والذي عرف الخطأ القضائي عندما نص في المادة 97 من جملة ما نص عليه، على ما يلي: "ويعد خطأ جسيما: " الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الأطراف، " الخرق الخطير لقانون الموضوع. علما أن الصيغة التي كتبت بها تلك المادة لا علاقة لها بالمراكز القانونية التي انتهى اليها حكم معين، والذي يحتفظ لنفسه بنهائيته وبأثره على المراكز القانونية للمعنيين به، أي أن ثبوت الخطأ القضائي ليس طريقة أخرى من طرق الطعن التي تلغى بها الأحكام القضائية، لأن إعمال وتطبيق المادة 97 المذكورة هو منفصل عن الحكم الذي شابه الخطأ القضائي. وهي مادة يستند ويعتمد عليها لتطبيق النص الدستوري المذكور في الفصل122 من الدستور المشار اليه أعلاه. أي تحمل الدولة تعويض الخطأ القضائي للمتضرر من حرمانه من الاستفادة، مما ينص عليه القانون، وهو الخطأ المتمثل في خرق قانون مسطري أو موضوعي. لماذا يعتبر خرق القانون خطأ قضائيا؟ سمو النص القانوني الى المرتبة الدستورية لم يكن منصوصا عليه في الدساتير المغربية من دستور1962 الى دستور 1996، ولم تصبح له تلك المرتبة الدستورية إلا في دستور 2011. المتتبع للحراك الذي عرفه العالم العربي، وبالأساس في كل من تونس ومصر، وبعد ما عرفته كذلك بلادنا، سيلاحظ أن المجال السياسي المغربي طبعته لحظات ستسجل كمحطات أثرت في تاريخ المغرب وأسست للتحول الدستوري الذي عرفته بلادنا، وللتحول من أجل بناء الدولة المغربية الديموقراطية الحديثة. تلك المحطات التي يمكن تحديدها في: - محطة الخطاب الملكي ل 9 مارس . - محطة انخراط إجماع المجتمع السياسي والمجتمع المدني والشعبي في مبادرة مراجعة الدستور. - محطة الخطاب الملكي ل 17-06-2011. وهذه المحطات هي بمثابة تحكيم قام به جلالة الملك، يمكن أن نعطيه عنوان: التحكيم الملكي الثالث . ذلك أنه منذ تولي جلالة الملك مهامه قام بثلاثة أنواع من التحكيم: التحكيم الأول: يمكن وصفه بتحكيم بين الدولة والمجتمع. والمتمثل في إنشاء هيأة الإنصاف والمصالحة. وهي الهيأة التي فتحت ملف الزمن الذي عرف بزمن الجمر والرصاص. وهي الهيأة التي وقفت على مسؤولية الدولة في ما تعرض له أبناء وطننا في الماضي. التحكيم الثاني: يمكن وصفه بتحكيم بين المجتمع والمجتمع. والمتمثل في الخلاف الذي كاد أن يعصف بالمجتمع المتعلق بمبادرة حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي السابقة في فتح مجالات أخرى للمرأة بتعديل قانون الأحوال الشخصية. فووجهت تلك المبادرة بمقاومة لذلك التعديل. مما دفع إلى تدخل من جلالة الملك عندما عرض مدونة الأسرة لأول مرة في تاريخ المغرب على البرلمان. تلك المدونة التي شكلت ثورة في المجتمع المغربي وشهد بذلك العالم كله. التحكيم الثالث: يمكن وصفه بتحكيم بين الدولة والدولة. وهو الذي يهمنا في هذا المقال، والمتمثل في سن دستور 2011. وهو الدستور الذي تخلى فيه جلالة الملك عن عدد من صلاحياته التي كانت تنص عليها الدساتير السابقة منذ دستور 1962 الى دستور 1996. إن أية قراءة لدستور 2011 لن تكون موفقة إذا لم تقرأ بقراءة متكاملة مع خطاب 9-03-2011 وخطاب17-06-2011. إذ بقدر ما كان خطاب 9-03-2011 محددا للإطار العام والقواعد الأساسية لمشروع الدستور بقدر ما كان خطاب 17-06-2011 مفسرا لما أتى به الدستور في القضايا جد الحساسة، كتلك التي تتعلق بتخلي الملك عن عدد من صلاحياته، ومن بينها صلاحية إصدار القانون بظهير، بعدما وسعت اختصاصات البرلمان، وهو القانون الذي يهمنا في هذا العرض. ماهية الفصل 122 والمادة 97 لم يحظ دستور 2011 بأي نقاش أو تتبع من قبل المسؤولين المباشرين على سن القانون ولا من المسؤولين المباشرين على شرح القانون، ولا المسؤولين المباشرين على تطبيق القانون لشرح التحول الجديد الذي حمله دستور 2011 بخصوص سمو القانون، وتم اختزال الفصل 124 في عناوين الأحكام وافتتاح واختتام جلسات. بينما الفصل 124 لا يتعلق فقط بعنوان الأحكام والإعلان عن افتتاح الجلسات، بل يتعلق بالأساس بتعليل الأحكام التي تصدر ضد المتقاضين، أي أن الحكم يجب أن يطبق ويطابق القانون، لكي ينسب صدروه لجلالة الملك. والفصل 124 من الدستور ليس قاعدة دستورية معزولة، بل هو داخل في نفس نسق الدستور الذي دشن التحول الذي حمله دستور 2011 عندما أكد على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، ولكنه رفع الى المرتبة الدستورية، وألزم كل السلطات العمومية باحترامه، إذ تنص الفقرة الأولى من الفصل 6 من الدستور على ما يلي: القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بمن فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. كما تنص الفقرة الثالثة منه على ما يلي: تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة. ليس للقانون أثر رجعي. وهذا التشديد على وجوب تطبيق القانون لم تكتف فيه فقط بالنص عليه في الدستور كقواعد دستورية لتبقى حبرا على ورق، بل تم خلق آليات الإلزام بتطبيقه. وخلق الجزاء على عدم تطبيق القانون. وهو ما نرصده في التوجهات الثلاثة التالية: التوجه الأول: وتجلى في تدخل مشرع ومحرر القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة وشدد على التحول المشار اليه أعلاه عندما اعتبر أن الحكم الذي يخرق القانون يعتبر خطأ جسيما. وحدد القانون التنظيمي الذي هو مكمل للدستور عقوبة ذلك الخرق بالتوقيف حالا. مما يعني قبل أن يحال على المجلس الأعلى للسلطة كمجلس تأديبي. التوجه الثاني: هو المضمن في الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك الى المؤتمر الأول حول" استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد سير العدالة"، الذي افتتحت أشغاله الاثنين 2 أبريل 2018بمراكش، والتي ذكر فيها جلالته بما سبق أن تضمنه دستور 2011 في فصليه 6 و124 من وجوب تطبيق الأحكام القضائية للقانون والقانون وحده، إذ ورد في تلك الرسالة ما يلي: "بغض النظر عما حققه المغرب من إنجازات، في بناء الإطار المؤسساتي لمنظومة العدالة، فإنه يبقى "منشغلا، مثل كل المجتمعات التي تولي أهمية قصوى للموضوع، بالرهانات والتحديات التي تواجه القضاء عبر العالم". "ويأتي في مقدمة هذه التحديات، ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة والتطبيق،" باعتبار أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي". "فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد، وأن يجعل من القانون وحده مرجعا لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته. "وهو واجب على القاضي، الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والنزاهة، والبعد عن أي تأثر أو إغواء" يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية". "كما أن تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، " يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها، لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، التي تشهدها مختلف المجتمعات". يتبين إذن أن خرق القانون هو خطأ قضائي. وأن الخطأ القضائي تتحمل الدولة تعويضه لمن صدر ضده. وأنه من أجل تمثل المفهوم المجتمعي للمادة 97 المشار اليها أعلاه, يجب الوقوف على مفهوم القانون في دستور 2011، والوقوف على مصدر القانون. هل هو فقط قرار يتخذ من أجل الدفاع عن مصالح مؤقتة تفرضها حالة مؤقتة. أم أن القانون هو التعبير الحقيقي عن إرادة الدولة والمجتمع ورغبتهما ونظرتهما لما يجب ان تكون عليه الحياة المشتركة بين الأفراد المكونين لهذا المجتمع. (*) محام بهيأة البيضاء