fbpx
خاص

إدمـان التلاميـذ … العبوديـة للمخـدرات

شباب يقتحمون “عالم البلية” من أوسع الأبواب في غفلة من الآباء

أول طريقها مفروش بالنشوة والفرح والسرور، وآخره محفوف بالمرض والجنون… هي ذي طريق من أدمن المخدرات، التي تبتدئ بمحاولة التجريب وتنتهي إلى التخريب والهدم.. تخريب أجساد المدمنين وتدمير عقولهم.. في الروبورتاج التالي محاولة من “الصباح” لرصد حالات إدمان لتلاميذ من مدينتي تطوان وطنجة وضواحيهما، كان يفترض أنهم طلاب علم، وفي غفلة من آبائهم صاروا “عبيدا” طائعين للمخدرات باحثين عنها بشتى الوسائل وبمختلف الطرق.. يستوي في ذلك الذكور والإناث، الذين انفلتوا من رقابة الآباء فوجدوا الباب مشرعا أمامهم لاحتراف استعمال المخدرات، وعندما علم الآباء بأمر بعضهم كان أوان الإنقاذ قد فات…

يوسف الجوهري (تطوان)

صعوبات كثيرة وتدخلات عديدة واجهت الأسرة التي لم تتقبل أن يكون بينها مدمن، بعد أن حرسته وهو يتلمس خطواته الأولى في الحياة، تارة يحبو فيسقط، وأخرى يحاول السير دون تعثر، وكذلك وهو طفل يركض ويلهو. وحتى بعد أن تجاوز سن الثالثة عشرة من العمر كان في نظرهم ذلك الغصن الذي لا يُخشى على تطوره ونموه من شيء، لذلك تركوا له “حيزا” غير يسير من الحرية، يلتقي فيه بمن يشاء ويصاحب من يشاء، بل تارة يدخل متى شاء، ويغادر البيت كلما أراد..

“رفاق السوء…”

هامش مُتَسِع من الحرية دون تضييق مَنَحَتْهُ الأسرة لابنها، ظنا من الأبوين أن فلذة كبدهما يحسن استغلاله والتصرف فيه، إلى أن وقفا على أن “الإدمان” وجد طريقه إلى سلوكه…  
هو واحد ممن تمكنت “لْبَلْيَة” منه في غفلة من أسرته، ليجد نفسه فريسة لإدمان ظهر أثره واضحا على جسده الذي صار نحيفا، وأصبح صديقا للسهر، بعد أن هجر النوم جفونه.
من “أصدقاء السوء” كانت الشرارة التي اندلعت في الجسد فنشرت فيه حرقة إدمان انطلق بالسيجارة.
لم يقف إدمان ذلك الشاب التطواني، الذي توصلت “الصباح” وهي تنجز هذا الربورتاج بقصته من أقرباء له، عند السيجارة التي تلقفتها يداه وهو تلميذ في مستوى الإعدادي، ولكنه في سنوات قليلة تمكن من تجريب مواد إدمان ومخدرات شتى، بداية من السجائر، مرورا بـ “المعجون” الذي كان يستهلك كميات منه رفقة بعض زملاء الدراسة، وكذلك بعض “الأَلُوكَات” المهيجة، وصولا إلى الحشيش الملفوف بتبغ السجائر وحتى الأقراص المهلوسة جربها، لكن دروة الإدمان بلغها عندما قفز إلى استعمال الكوكايين… 
عند تلك المرحلة فقط فطنت الأسرة، أبا وأما، إلى أن ابنهما الذي ربياه صغيرا وتعهداه بما كانا يعتبرانه أنه منتهى العناية والرعاية، تغيرت أحواله، وهَزُل جسده، مع سيلان دائم لأنفه، يضطره إلى حكه باستمرار، وكأنه يعاني أعراض حساسية شديدة.
يروي أقرباء هذا الشاب التطواني الذي احترف الإدمان، أن والديه اعتقدا في بادئ الأمر أن مرضا أصاب جسم ابنهما حتى صار نحيلا عديم الشهية كثير السهر، سيء المزاج..
عندها قرر الأب، الذي كان دائم الغياب عن البيت، عرض ابنه على الطبيب، لكن هذا القرار جعله يتمنى بعد ظهور نتيجة الفحوصات، لو أنه ما أقدم عليه، مفضلا أن يظل غافلا عن معرفة “الحقيقة المُرة”، دون أن يتوصل إلى الخلاصات الطبية، التي كانت صادمة بالنسب إليه، وجعلته يلج دوامة لا يستطيع الانفلات منها.

شك الطبيب في هزال “الشاب المريض”، فاختار أن يفحص كمية السكر في الدم، لعله يكون مصاب بالسكري.
ولكن جهاز الفحص بالأشعة كشف في البدء أن “بقعة في الرئة قد تكون دليلا على إدمان السجائر…سأل الطبيب الأب عما إذا كان ابنه مدخنا، وبصيغة الواثق، كان جوابه بالنفي، لأنه كان يعتقد أن السيجارة لم تطرق بَعْدُ بوابة شفتي ابنه..
وبعد ظهور أسباب الهزال، تمنى الأب لو اقتصر الأمر على دخان السيجارة..
وزيادة في التأكد، طلب الطبيب إجراء فحص مخبري، نتيجته السريعة، كانت كافية بأن تعري – على رأي مصدر “الصباح”-  ما كان الابن يسعى جاهدا لحجبه عن والديه، لكن النتيجة أظهرت آثار كوكايين في دم الشاب الذي كان بالكاد يتابع دراسته في الثانوي.
لم يصدق الأب أن يكون ابنه مدمنا، ذلك أن المخدرات الصلبة كانت قد سرت في عروقه واختلطت بدمه.

ومع استرجاع الوالد لشريط الأحداث التي مرت بابنه، أدرك أنه كان مهملا في دوره ومخلا في مراقبته وتتبع مساره، تاركا الحمل على والدته التي يظهر أن الابن “تخطى سلطتها”.
تقول مصادر “الصباح” إن أول غواية لهذا الشاب، الذي يتحدر من عائلة متوسطة، بدأت بحضوره لأحد الأعراس في الحي الذي تسكنه أسرته، وجمع مراهقين كان ضمنهم هذا الشاب، كما جمعت إلى جانبهم شخصا يكبرهم سنا..
كان ذلك الشاب هو من اختار توزيع علبة سجائره على الجميع وسط العرس للانتشاء، وحتى من كان أول عهده بالتدخين اختار أن يلقنه كيف يمسك السيجارة وكيف يمتص دخانها وكيف يخرجه من أنفه… لكي لا يبقى “غشيما”…!!
تكررت لقاءات “صديق السوء” بمن يصغرونه سنا، فصار في كل مرة يأتيهم بالجديد في عالم التخدير الذي يقودهم إلى توديع براءة الأطفال وولوج عالم الإدمان، فقد “جرب فيهم” بعض الحلويات المخدرة التي كان مصدرها الضفة الأخرى من المتوسط، وبعدها حَرَّضَهم على تناول الأقراص الطبية التي توصف عادة لعينة من المرضى ممن يعانون اختلالات نفسية أو عقلية، لتهدئتهم، لكنها عندما تصل “الأصحاء” تكون بمثابة شرارة تشعل نيران أجسادهم، لينطلقوا في حالات تعذيب للذات والآخر.
كانت أقراص “الإكستازي” قد وصلت إلى يديه عن طريق “رفيق السوء” الذي لم تكن تجمعه به قواسم السن أو الدراسة، بل يجمعه به “حرصه” على اتساع دائرة المدمنين وتخريب عقولهم.
 بعد اكتشاف الأسرة لإدمان ابنها تجندت لتخليصه من شوائب “لبلية” فصارت زبونا دائما لدى عيادات الأمراض النفسية ومصلحة طب الإدمان، ولكن في غياب إرادة المدمن وإصراره على الإقلاع، كانت جميع المحاولات تبوء بالفشل، ليظل الشاب تائها عليلا، شاحب الوجه، سيء المزاج، دائم التوتر… ذلك أن “طريق الأشرار” أدت به إلى الانهيار.
 
زوجتي مدمنة
 
 مطأطأة الرأس لا تقوى على رفع رأسها، مصرة على الرد على الأسئلة التي كانت تطرح عليها بصوت لا يكاد يسمع..
“آه متافقين على الطلاق”، هكذا كانت تكرر الجواب عن السؤال الذي وجهه لها القاضي، دون أن تلتفت إلى الشاب الوسيم الذي كان يقف إلى جانبها..
 وبدوره كان يؤكد الرد ذاته، دون رغبة في ذكر تفاصيل أكثر عن سبب لجوئهما إلى الطلاق، بعد زواج استمر ثلاثة أشهر.
سارة، التي اختارت رفيقتها في الدراسة أن تروي قصتها لـ “الصباح”، لتذكر أسباب انهيار حياة شابة حسناء لم تتجاوز العشرين من العمر، حملت جسدا ينضح بالمرارة والقهر، بعد أن كان يشع جمالا ونضارة.   
 لم يفلح قاضي الأحوال الشخصية، الذي ترأس جلسة الفراق، في الظفر بجواب يقنعه باستحالة استكمال علاقة ربطت بين زوجين شابين، ينتميان معا إلى أسرتين ميسورتين من طنجة، لم يبخل والداهما عليهما بتوفير كل مستلزمات الحياة الهنية، والتي كانا يعتبرانها ضرورية.
 تقول رفيقة “سارة” وحافظة سرها، إن القاضي  وبعدما لم يظفر بجواب من الزوجة الشابة حول دافعها إلى طلب الطلاق، اختار الاستفراد بالزوج وإبعاد الزوجة عن القاعة..
عند تلك النقطة، فقط، انكشف المستور، واضطر الزوج إلى البوح بالسر الكامن وراء لجوئها للفراق: “زوجتي مدمنة”.. قالها على مضض وكأنه كان يرغب في أن يحتفظ بهذا السر بينه وبين من اختارتها أسرته لتكون رفيقة حياته وأما لأولاده..
لم يكن إدمان “سارة” من الصنف الذي يمكن الإقلاع عنه بسهولة، لأنه إدمان انطلق بمحاولات لتجريب عينات من المخدرات الخفيفة، وانتهى بتعودها على استعمال المخدرات الصلبة، التي لم تعد تقوى، حتى وهي ربة بيت، أن تفارقها أو أن تعيش حياتها العادية بدون استعمالها.
وفي سرد صديقة “سارة” لقصة صديق واكبت مسار تدمير حياتها، كان الدافع العبرة لمن يقتحمون طريقا مليئا بالأشواك، لا يدركون خطورته، قبل أن ينشب الإدمان أظافره في أجسادهم، فيصيرون عبيدا للمخدر المهلك.
مستهل طريق “سارة” إلى الإدمان، انطلق وهي تلميذة تتابع دراستها في إحدى الإعداديات الثانوية بمدينة طنجة.. هناك وعندما كانت في آخر موسم دراسي بهذا المستوى، تعرفت على بعض الشابات اللواتي كن يكبرنها سنا، و”يَفُقْنَهَا تجربة”.. تجربة لم تكن طريقا “للصلاح” أو الإستزادة في طلب العلم والدراسة والتحصيل وإنما كانت سبيلا نحو تخطي الخوف والتردد، واقتحام المجهول..
كانت الطلعة البهية لـ”سارة” كفيلة بجذب كل من يراها، لذلك كانت هدفا للمتربصين أصحاب الدراجات النارية كبيرة الحجم أو السيارات الفارهة.
 تقول صديقة “سارة” إنها كانت تحظى دائما بالاهتمام وسط الجموع الشبابية، حتى وإن كن فتيات أخريات غيرها معها، اهتمام جعلها ضيفة مفضلة ومرغوبا فيها..
وفي مرحلة الدراسية الثانوية كانت “سارة” قد تعودت على قضاء فترات أكبر خارج الفصول الدراسية، مكتفية بلقاء “الأصدقاء” ومشاركتهم الخرجات المتعددة والمتوالية.. 
لم تكن خرجات “سارة” مع رفاقها مجرد خرجات للنزهة، خاصة مع وجود مدمنين، ومن هناك كانت النشوة الأولى التي انطلقت بمحاولة التجريب، وانتهت بالإدمان وعدم القدرة على الابتعاد..
كانت الحلويات المُهيجة بداية الطريق، ومع مرور الوقت وصل التجريب إلى الاحتراف، وما هي إلا فترة غير طويلة، حتى قفزت رفقة أصحاب السيارات إلى تجريب مخدر الكوكايين الذي صارت مدمنة عليه.
توقف المسار الدراسي لـ”سارة” بقرار أسري، لأن شابا خطبها، ولأن الأسرتين اتفقتا. لم يكن أمامها غير القبول بزوج لم تختره ولا تعرفت عليه..
تزوجت “سارة” لأنها جميلة، لكنها رحلت إلى بيت الزوجية جسدا بدون روح، كما تقول صديقتها.. 
كانت “سارة” وهي في بيت أسرتها، حتى بعد انقطاعها عن الدراسة تعرف الطريق للوصول إلى “الجرعة” التي كانت وحدها الكفيلة بإعادتها إلى توازنها النفسي والجسدي.
لكن، في بيت الزوجية، صارت مقيدة مطوقة بالتزامات قَلَّصَت من حرية تنقلها، فغدت محرومة من الجرعة التي تخفف هيجانها..
صبرت وعانت. كانت تترنح أحيانا عندما يشتد بها الإدمان، فيخال الزوج أنها تعاني مرضا ما.. وكلما اقترح عليها الذهاب إلى الطبيب، كانت ترفض متذرعة بأسباب كثيرة، أغلبها واه.
طال مرض “سارة” ولم يعد الزوج يتقبل إصرارها على الامتناع عن الذهاب إلى الطبيب طلبا للعلاج..
وبعد إلحاح، تقول الصديقة، قررت الاعتراف لزوجها بالسر الذي ظلت تخفيه عنه.. صارحته بأن مرضها سببه الإدمان على استعمال الكوكايين الذي التصق بها وهي تلميذة تتابع دراستها في الثانوية..
لم يستطع الزوج تصديق ما سمعته أذناه، صرخ وصاح، ولكن وحدها توسلات سارة جعلته يحاول أن يهدئ نفسه، بحثا عن مخرج من الورطة التي وجد نفسه فيها.. 
 غادر المنزل إلى وجهة مجهولة، وبعد شهر عاد إلى البيت، فطلبت منه إيجاد حل لمشكلهما، لم ينطق بكلمة. ظل صامتا.. فجاءه الجواب من سارة.. طالبة الفراق..  
كان شرطها الوحيد هو أن يسترها ولا يبوح بسرها لأحد، لأنها كانت تدرك أن وصول خبر إدمانها إلى أسرتها، سيكون دافعا لتوقيع خاتمة حياتها بيد أحد إخوتها..
فضل الزوج الاستجابة لطلبها، ومعه الاحتفاظ بأمر إدمانها سرا، لذلك تردد في الجواب عن سؤال القاضي.. لأنه كان يحاول أن يفي بوعده لزوجة دمر حياتها الإدمان.

“أرقام خطيرة”

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المخاطر المتزايدة التي يسببها الإدمان في المجتمع، داعيا إلى الاعتراف به، “مرضا يتطلب العلاج”، وقابلا من الناحية القانونية للتكفل به من طرف هيآت الضمان والتأمين الصحي والحماية الاجتماعية.
وأبرز أحمد رضى الشامي أهمية “مراجعة القانون الجنائي، بما يسمح من جهة بالتطبيق الممنهج للمقتضيات القانونية التي تُلزم متعاطي المخدرات بالخضوع للعلاج، وتشديد العقوبات ضد شبكات الاتجار في المخدرات والمواد غير المشروعة”.
وكشف الشامي عن نتائج عدد من البحوث والدراسات الميدانية التي تم إنجازها حول الإدمان بالمغرب في السنوات الأخيرة، منبها إلى وجود أكثر من 6 ملايين من المدخنين، 500 ألف منهم أقل من 18 سنة، وحوالي 18500 شخص يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن،  وأن “أكثر من 9 في المائة من القاصرين في الوسط التعليمي استهلكوا مرة واحدة على الأقل مخدر القنب الهندي…”.

انتقاء في العلاج 

ذكر مصدر طبي أنه “يصعب تحديد قاعدة للبيانات تتعلق بفئة المدمنين من الشباب الذين مازالوا يتابعون دراستهم، ويتابعون علاجهم على مستوى مدن الشمال”.
وفي تبريره لهذا المعطى ذكر المصدر ذاته أن “مراكز ومقرات العلاج تختلف، وتتراوح بين العيادات أو المصحات الخاصة، ومصالح طب الإدمان التي تحدثها وزارة الصحة، ويشرف عليها أطباء وممرضون مختصون تلقوا تكوينات مختلفة تحت إشراف الوزارة”.
وفي هذا السياق أفاد المصدر الطبي أن “عددا من الأسر التي تكون ميسورة الحال بمدن الشمال تختار أن يتابع أبناؤها علاجهم بمصحات  وعيادات بعيدة، وتختار اللجوء إلى الخدمات الطبية بمدن بعيدة من قبيل الرباط أو البيضاء”، في حين يلجأ من لا قدرة له على أداء تكاليف العلاج الخاص، إلى مصالح طب الإدمان بالإقليم.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى