عانتها دول أوربية عديدة رغم اختلاف أنظمتها السياسية وتركيبتها الاجتماعية بقلم: تورية لغريب (*) لا يمكن تفسير شغب الملاعب، بعيدا عن التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يشهدها العالم، مما يستدعي وجوب اهتمام الباحثين في مجال علم النفس الاجتماعي، لفهم أسباب هذه الظاهرة المؤسفة، فهي ليست بجديدة بحيث سبق أن عانتها دول أوربية عديدة في بادىء الأمر قبل أن تشهدها ملاعب الدول العربية. وعلى اختلاف هذه الدول كلها في أنظمتها السياسية والاقتصادية وتركيبتها الاجتماعية، لكن ما يوحدها هو سلوك التجمهر الذي يتصف بالرعونة والطيش، هي إذن سلوكات تتنافى مع كل المعايير الأخلاقية وتتسم بضعف أو انعدام الشعور بالمسؤولية لدى الأفراد، ولعل التكتل البشري هو الذي يمدّ هؤلاء بالقوة، فتجدهم يهتفون ويصيحون جماعة إلى أن يتطور الوضع لأعمال شغب تطبعها العدوانية والعنف، هي مجرد استجابات مشتركة رعناء وبدون زعامة موحدة للجماعة، مما يخل بالأمن ويكبّد الدولة خسائر جسيمة مادية وقد تصل إلى خسارة في الأرواح كذلك. وبعيدا عن الإجراءات التي تضمن سلامة سير المباريات داخل الملاعب، والتي تعمل جل الحكومات على توفيرها درءا لأعمال الشغب هاته، وجب الإسراع في تفعيل إجراءات موازية، تسبقها دراسات اجتماعية نفسية تسبر أغوار هؤلاء الشباب الثائرين الذين لا شك أن الكرة المستديرة ليست إلا ذريعة لانفجراتهم الخطيرة بهذا الشكل العدواني، وهو ما يحيلنا إلى التساؤل حول العوامل التي أفرزت لنا جيلا بهذا العداء. من هنا وجبت العودة إلى مفهوم القيم والمعايير، التي تعد مرجعا أساسيا خلال التنشئة الاجتماعية والنفسية لهؤلاء الأفراد، فإذا علمنا أن مثل هاته السلوكات مرتبطة بالانفعالات التي تعتبر من وجهة نظر نفسية، صادرة عن دوافع ومثيرات داخلية وخارجية وهو ما يجعلها منافية للسلوك العام الذي يحدده المجتمع وفقا لظروفه ومعاييره الاجتماعية التربوية، فإن تحليل وتشخيص أسباب الظاهرة أصبح ضرورة، وبالتالي سيمكننا هذا من تحديد الحلول المناسبة لمواجهتها بأسلوب يخضع للعلمية، دراسات على اختلاف مناهجها، تهتم بتفكيك الخصائص النفسية للجماعة المثيرة للشغب باعتبار أن علم النفس الاجتماعي الحديث، يهتم بالجماعة الصغيرة التي يتفاعل أفرادها مع بعضهم البعض، في مواقف محددة وبطريقة مباشرة، مما يجعلهم يتصفون بإدراك اجتماعي مشترك وموقف موحد من خلال البيئة المحيطة بهم..وبهذا تتخذ الجماعة أسلوبا موجها لسلوكاتها، لكنها في حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون رغبة عامة في التنفيس عن توتر اجتماعي ونفسي حاد. وأخيرا، تظل ملامح ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية قابلة للقراءة والتشخيص، إذا ما ربطناها بالعوامل التي أفرزتها، خصوصا بالنظر إلى مخرجات التعليم، مما سيتيح استحداث حلول عميقة واقعية وشمولية وفق إستراتيجية واضحة المعالم تحدد سبل مواجهتها وأساليب معالجتها من قبل متخذي القرار. (*) (كاتبة)