ليست عملا ارتجاليا بل يخضع للتفكير والمنطق بقلم: محسن الأجرومي إذا أردنا تعريف السياسة العمومية، فإنه من الضروري علينا استحضار أربعة مصطلحات رئيسية، الفاعلون، الأنشطة، المشاكل، الحلول، بحيث من خلالها فقط يمكن أن نصوغ تعريفا للسياسة العمومية، ونقول إنها مجموع الأنشطة والبرامج والاستراتيجيات التي يقوم بها فاعلون في مجال رسم السياسات العمومية أو يمتنعون عن القيام بها قصد إيجاد حلول للمشاكل أو للاختلالات التي يمكن أن تتدخل أو تظهر بين قطاع وقطاعات أخرى، أو بين قطاع والمجتمع الشامل. والسياسة العمومية من هذا المنطلق تبرز أهميتها في أن الدولة هي الجهاز الوحيد الذي بإمكانه أن يغير المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من خلال سياسات عمومية، وإقراراها يتطلب إنتاج ترسانة من القوانين والمراسيم والقرارات التي تترجم الأهداف الى إجراءات ملموسة، وبالتالي فمن الضروري أن يحترم المتدخل في السياسات العمومية مقتضيات الشرعية والالتزام بالقوانين، لأن احترام الشرعية من المستلزمات الضرورية لسن السياسة العمومية، كما أن أي سياسة عمومية كيف ما كان نوعها يجب أن تحضر فيها الالتقائية والنجاعة والفعالية. بمعنى، أن السياسة العمومية ليست عملا ارتجاليا، بل عملا يخضع للتفكير والمنطق، وبذلك وجب أن تكون أهدافها واضحة ودقيقة ومفكرا فيها، وتأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة، مع توفر الموضوعية والترشيد في الإنفاق، بالإضافة الى توفر التناغم، أي اشتغال جميع المكونات وتوحيد الجهود لتحقيق هدف وغاية واحدة، فالسياسة العمومية التي لا يتم فيها استحضار هذه المكونات، تعد سياسة غير موضوعية. كما أن استحضار المكون المالي لوحده في رسم السياسة العمومية لا يكفي على اعتبار أن التنوع والتعدد في المعتقدات الثقافية للأمة، أمر يجب استحضاره في رسم كل سياسة عمومية، وهنا يثار النقاش حول المشروعية، ويطرح السؤال، أي المدى الذي يجعل من سياسة عمومية ما تتوافق مع المعتقدات التي يؤمن بها الشعب؟ فأي سياسة عمومية يجب أن تتماشى وتنسجم مع الواقع ومع المجتمع وثقافته، مما يجعل السياسة العمومية مقبولة، في حين أن السياسة العمومية التي تمس نظم ومعتقدات الشعب تلقى معارضة ورفضا، وقد تتجاوز ذلك لتصل حد السخط الشعبي والتظاهر والاحتجاج، وهذا ما يهدد مقرري السياسات العمومية بفشلها في تحقيق الأهداف المتوخاة منها، إلى جانب الإكراهات الأخرى، على رأسها غياب رؤية شاملة تتضمن الموجهات العامة في رسم السياسات العمومية، أي غياب الفلسفة والمبادئ الكبرى التي تبنى عليها السياسة العمومية. وطبيعي أن نفشل حين نكون فاقدي البوصلة، فكما سبق لنا القول، فالسياسة العمومية ليست مجرد عمل ارتجالي، بل هي عمل يجب أن يخضع للمنطق، ولن يتحقق ذلك إلا مع وضع رؤية شاملة للأهداف والتوجيهات والمبادئ. الملاحظ أن هناك أيضا غيابا للتنسيق والحكامة، وهو ما يفرض على الحكومة أن تعتمد مقاربة الالتقائية، على التتبع والتقييم المستمرين لمختلف السياسات العمومية، وتعزيز التكامل والتنسيق في ما بينها، وذلك بهدف ترصيد نتائجها الإيجابية، وتدارك الاختلالات التي قد تعتريها، بما يمكن من تحقيق نجاعة وفعالية أكبر، وضمان أثرها المباشر على مستوى عيش المواطن، والاستجابة لحاجياته الأساسية. هذا مع الاستثمار الأمثل في المورد البشري، وتكوينه وتأهيله في مجل السياسات العمومية. (*) (باحث في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط)