fbpx
خاص

رحلة تجنيد حماة الوطن

«الصباح» في قلب ثكنة بنكرير لمعاينة استقبال وانتقاء المرشحين للتجنيد

خالد العطاوي / تصوير (عبد المجيد بزيوات)

الساعة الخامسة صباحا… حافلات تصل إلى القاعدة العسكرية في بنكرير، وعلى متنها شباب متحمسون لبداية مسار جديد في حياتهم، بعدما اختاروا التجنيد الإجباري، آملين أن يفتح أمامهم صفحة جديدة عنوانها «زرع قيم حب الوطن وتكوين شخصيتهم وفتح آفاق لمستقبلهم».

الساعة الثامنة صباحا… تبدأ العمليات الأولى لاستقبال الشباب، فينزلون من الحافلات تحت إشراف مسؤول عسكري، ثم ينتظمون في صفوف طويلة، وملامح وجوههم لا تخفي تحديهم كل الأحاسيس لاكتشاف عالم «العسكرية» المليء بالقواعد الصارمة، والانضباط في أداء الخدمة.

لا تتحرك الصفوف إلا بأمر من المسؤول، فيقصدون ساحة كبيرة شيدت على جنابتها خيام بلونها الأخضر الداكن، فتشرع الصفوف في الانتقال من خيمة لأخرى، حسب ترتيب دقيق ومدروس بدقة من قبل المسؤولين.

تبدأ أولى خطوات الشباب في رحلة التجنيد العسكري من خيمة يقف أمامها إطار طبي، يحرص على تعقيم اليدين، وارتداء الكمامة وقياس درجة الحرارة، ثم التوجه إلى خيمة «التثبت من الهوية» باستعمال حواسيب مجهزة، تليها خيمة كبيرة يشرف فيها جنود على التدقيق في محتويات حقائب الشباب، ثم الخضوع لبحث شفوي مدته لا تتجاوز دقائق قليلة، تسلم بعده أرقام الحقائب، قبل الانطلاق إلى خيمة بمثابة فضاء للاستراحة، والتوجه إلى مركز انتقاء وإدماج الشباب المؤهلين للتجنيد الإجباري، في قلب القاعدة العسكرية.

يستجيب المرشحون لكل الأوامر العسكرية بدقة، ولا يتخلون عن وثائقهم، خاصة أن التعليمات كانت واضحة، إذ يتعين على الشباب المعنيين الحضور إلى مركز الانتقاء والإدماج، مصحوبين بأمر التجنيد والبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية، ونسخة من عقد الازدياد، وشهادة مدرسية، ونسخة من الدبلوم المحصل عليه، إذا ما توفر ذلك، والأغراض الضرورية الخاصة بهم.

يقول الكولونيل، محمد ولد المقدم، قائد المركز الثالث لتكوين المجندين بنكرير، أنه «تنفيذا للتعليمات الملكية السامية للملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، فتح المركز أبوابه لاستقبال حوالي 2250 مجندا مرشحا لأداء الخدمة العسكرية من أجل عملية الانتقاء وإدماجهم لتكوين الفوج 37 للمجندين خلال هذه السنة»، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أنه تم توفير جميع الوسائل اللوجستية والبشرية لمرور الحدث في أحسن الظروف.

تكلفت شاحنات عسكرية بنقل المرشحين لأداء الخدمة العسكرية، وأغلبهم قادمون من آسفي واليوسفية والرحامنة وقلعة السراغنة، إلى داخل المركز، الذي شيد في السنوات الأخيرة، ويتوفر على كل المرافق الضرورية، إذ عاينت «الصباح» رونق المركز والدقة في تشييد كل مرافقه، حتى أنه يزود بالكهرباء، انطلاقا من لوحات الطاقة الشمسية، فيما يعتني بعض العاملين بالحدائق الخضراء، التي لم تنل منها حرارة طقس «بنكرير» المرتفعة.

بدأ المرشحون يتوافدون على المركز في صفوف منتظمة، حاملين ملفات، ووثائق عديدة، ثم يوجهون إلى قاعة فسيحة للتأكد من معلوماتهم الشخصية، والمرور إلى أهم مرحلة وتتمثل في الفحص الطبي، والخضوع لأوامر لجنة الانتقاء

خصص المسؤولون العسكريون مرفقا كبيرا يقع في قلب المركز لإنهاء عملية الانتقاء، إذ لا يتوقف عن الحركة، ويخضع لمراقبة دقيقة من قبل كبار المسؤولين، سواء في المركز أو القاعدة.

يشبه المرفق خلية نحل نشطة، إذ لا تتوقف الحركة بداخله، ويبدأ استقبال المرشحين للتجنيد بجمع المعلومات الطبية عنهم، ثم انطلاق رحلة ينتقلون فيها بين قاعات جهزت بأحدث المعدات الطبية، مثل فحص الأعين، و»التدقيق في الألوان»، وقياس ضغط الدم، ثم فحوصات جسدية دقيقة، أما قاعات أخرى، فلا تلجها إلا الأطر الطبية حرصا على السرية والخصوصية.

يقول أحد المسؤولين إن الدقة في عملية الانتقاء أساسية، فالمؤسسة العسكرية ترفع الالتزام بالقواعد والمهنية، وشعارها الدفاع عن الوطن، مشيرا إلى أن أهمية التجنيد الإجباري تتمثل في زرع حب الوطن والمساهمة في تكوين أجيال من المواطنين المؤمنين بالقيم العليا.

في زواية نائية جلس أحد المرشحين شاردا، إذ بينت الفحوصات إصابته بمرض ما يمنعه من الاستمرار في الإجراءات، علما أن الشاب نفسه، لا علم له بمرضه، إلا أن خبرة وكفاءة الأطر الطبية مكنت من تحديده، فتكلف المسؤولون عن القاعدة العسكرية بالاتصال بأقرب المستشفيات لمنزل الشاب وتحديد موعد زيارة الطبيب المختص، ثم تتبع إجراءات علاجه، حينها ربت أحد المسؤولين على كتفي الشاب مطمئنا قائلا: «الحمد لله أننا اكتشفنا المرض وسنواكب علاجك وننتظر قدومك في السنة المقبلة»، حينها استعاد الشاب بعض الهدوء، معلنا موافقته على كل الإجراءات.

في قاعة فسيحة، جلس مسؤولون عسكريون ودركيون يحملون رتبا عالية، أسندت إليهم عضوية لجنة الانتقاء النهائية، إذ انهمكوا في التدقيق أكثر في ملفات المرشحين، وإجراء مقابلة نهائية، قبل الموافقة أو منع التحاق المرشح بالتجنيد، ويبدأ المسؤول عن اللجنة أسئلته للمرشح بخصوص مهنته ومستواه الدراسي ومهنة والده وسوابقه القضائية ورحلاته إلى خارج المغرب، ثم انتمائه إلى الجمعيات…، وهي المعلومات التي يدونها أعضاء اللجنة قبل اتخاذ قرار نهائي في نهاية اليوم.

سلامة : التجنيد يفتح آفاق المستقبل
قال محمد سلامة، أحد المرشحين للتجنيد الإجباري، إنه يقطن بأحد دواوير إقليم قلعة السراغنة، حيث اطلع على حملة إعلانية حول التجنيد، فسجل نفسه في الموقع الإلكتروني المخصص للموضوع، قبل أن يتلقى استدعاء من الدرك الملكي.
وأوضح سلامة أنه تلقى أحسن الاستقبال بالمركز، مذكرا بكل مراحل الانتقاء، ومقدما نصيحته إلى الشباب من أجل خوض تجربة ستنمي طاقاتهم وتفتح آفاقا كبيرة أمام مستقبلهم.

أمين : التجنيد مدرسة حقيقية
ذكر أمين من قلعة السراغنة ويبلغ من العمر 24 سنة، أنه عاين تطوع الشباب في الخدمة العسكرية عن طريق التلفزيون، ما حفزه على التسجيل في الموقع الإلكتروني المخصص للتجنيد، ثم توصل باستدعاء من الدرك الملكي وأعوان السلطة يشير إلى قبول ملفه، قبل أن تتكفل السلطات المحلية بنقله إلى مركز التكوين بنبكرير، مشيرا إلى أن مستواه الدراسي لا يتجاوز الابتدائي، كما لم يتلق أي تكوين، ما شجعه على الترشح للتجنيد لطموحه في الاستمرار في العمل بالمؤسسة العسكرية، مشيرا إلى أنه يدرك جيدا أن التجنيد مدرسة حقيقية من أجل الاعتماد على النفس وتكوين شخصية الشاب، إضافة إلى حب الوطن.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى