لا يمكن بناء مجتمع المعرفة الحقيقي في ظل العزوف عن القراءة وغياب الوعي بأهميتها بقلم: هشام أزكيض (*) ثمة ثقافة إلكترونية سائدة في جميع بقاع العالم، إذ نجد أن النشر الإلكتروني على وجه الخصوص لم يكن سوى تحصيل حاصل للتطورات التكنولوجية الحديثة، التي تعد انعكاسا مباشرا للعولمة الغربية. وعلى ضوء ذلك، تم تأسيس صحف ومجلات وكتب إلكترونية. لذا نجد في العديد من البلدان العربية والإسلامية على وجه الخصوص أن الكتاب المرقمن قانونيا والمقرصن، يعرف رواجا كبيرا في شبكة الأنترنت، في ظل غياب مشاريع حكومية حقيقية كبرى لرقمنة الأعمال الثقافية والإبداعية والفكرية.... ونشرها إلكترونيا. لهذا نجد بعض الأعمال المرقمنة المنشورة في مواقع مصدرها مبادرات فردية، دون الإعلان عن هوية أصحابها، تسعى إلى نشر الثقافة والمعرفة على أوسع نطاق ممكن. كما نجد بعض المواقع تسيرها هيآت غير حكومية، تروم رفع الملفات التي تتضمن آلاف العناوين من الكتب العربية التراثية، والمعاصرة المؤلفة تارة، والمترجمة تارة أخرى، يقوم بإعدادها المهتمون بذلك، ويضعونها رهن التنزيل والقراءة المجانيين، ولا يمكن بطبيعة الحال ربط إحصائيات عدادات تنزيل هذا النوع من الكتب بنسبة القراءة الحاصلة عمليا. في هذا السياق، يمكن أن نتساءل هل وجود الكتاب الإلكتروني حاليا، والإقبال عليه، سيؤدي إلى فقدان الكتاب الورقي مكانته، أم أن هذا مجرد وهم؟ من الأمور المسلم بها أن عالم اليوم تكنولوجي بامتياز، وهذا يحتم علينا أن نواكب تطوراته على جميع الأصعدة، حتى نثبت وجودنا التاريخي. والملاحظ أن الكتاب منذ مستهل 2000 صار كتابين: ورقي وإلكتروني، إذ أصبح الثاني يعرض جنبا إلى جنب في كبريات المعارض الدولية. لا ننفي أن من مميزات الكتاب الإلكتروني، مقارنة بالكتاب الورقي، أنه أسهل في الحمل والتخزين، فهو متاح للقراء أينما كانوا عن طريق استعمال أجهزة الهواتف المحمولة مثلا. كما يمكن لقارئ الكتب الإلكترونية حفظ آلاف الكتب بسهولة. ويمكن بيع عدد لا نهائي من الكتاب الإلكتروني دون نفاد الكمية. هذا بالإضافة إلى قلة التكلفة، إذ توفر الكتب الإلكترونية تكاليف الطباعة والحبر والورق ومصاريف النقل، ويكون في متناول الملايين من الناس بأسهل الطرق. كما أن الكتاب الإلكتروني، علاوة على ما سبق ذكره، أرخص في الإنتاج وأرخص في الشراء، وبعضها مجاني، إذ تسمح العديد من المكتبات العامة على الأنترنت، للقراء بقراءة وتحميل الكتب. أما الوصول إلى الكتاب الإلكتروني، فهو سهل، بخلاف الكتاب الورقي الذي قد يتطلب بذل الجهد والمشقة من أجل الوصول إليه، سيما إذا كان مطبوعا في بلد آخر. يمكن أن نذكر هنا امتيازات أخرى للكتاب الإلكتروني، وهذا لا يدل على إمكانية الاستغناء عن الكتاب التقليدي الورقي، أي العمل على إقصائه، فهذا الأخير سيظل خالدا في تقديرنا كيفما كانت الأوضاع، إذ يستحيل أن نتصور انقراضه لا على المستوى المادي، حيث بإمكاننا أن نحمله بين أيدينا، ونتصفحه كما شئنا، ونقلب صفحاته حسب رغباتنا. ولا على المستوى الافتراضي، إذ يمكن أن نتعامل مع الكتاب مادة طباعية، نخرجها من الحاسوب لنطالعها، أو نحتفظ بها، وهذا ما أشار إليه الفيلسوف والروائي الإيطالي أومبيرتو إيكو. في الحقيقة، فإن استمرار انعقاد معارض الكتاب في دول العالم عموما، دليل قاطع على أن الكتاب الورقي على أحسن ما يرام. كما أن ملتقى معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب ببلدنا، من أكبر المهرجانات الثقافية للكتاب، تحت إشراف، وتنظيم المندوبية العامة للمعارض، بالتشارك مع وزارة الثقافة المغربية، يفيد أن الكتاب الورقي لم يخسر المعركة بعد، بحكم الإقبال عليه، لذا يظل انتهاء زمن الكتاب الورقي بعيدا، وغير وارد بدون مبالغة، والحق أنه في بلدنا لا توجد مؤشرات عن أعداد بيع الكتب الإلكترونية، لكن بيانات بيع الكتب الورقية في تراجع مستمر، في ظل غياب الدعم الكافي لنشر الكتاب، وضعف الإمكانيات المادية للقارئ. وهذه ظاهرة عالمية عموما، بحكم أن مجتمعنا اليوم مرتبط بتقنيات المعلومات والاتصالات. صحيح أن القراءة الرقمية متعبة ليس فقط بصريا فحسب، بل ذهنيا أيضا في الغالب الأعم، وهذا ما يدفع العديد من القراء إلى اختيار الكتاب الورقي في حالة توفره. وقد صدق من قال إن الكتاب خير جليس أو رفيق، لذا يمكن أن يصطحبه القارئ أينما ذهب، فيشعر بأنه قريب منه، فيمثل جزءا محسوسا لا يتجزأ من وجوده. لكن ما يسترعي الانتباه أن واقع القراءة، قراءة الكتاب الورقي أو الإلكتروني، بالعالم العربي الإسلامي صادم بشكل يثير الذهول، وهذا ما دفع مختلف فعاليات المجتمع المدني بين الفينة والأخرى، ترفع شعارات من أجل الدعوة إلى القراءة في مناسبات عدة، إذ لا يمكن بناء مجتمع المعرفة الحقيقي في ظل ازدياد نسبة الأمية، والعزوف عن القراءة، وغياب الوعي بأهميتها، ومنزلتها في تحقيق الشهود المعرفي والحضاري الذي لا يغيب عن رؤيتنا. (*) كاتب وقاص مغربي