fbpx
ربورتاج

أيت زيات … من هنا مر “البراج”

مشروع بناء أكبر سد بجهة مراكش يأتي على 14 دوارا والمتضررون يحتجون ضد مقاربة “معاقة”

تتقدم أشغال بناء سد أيت زياد على واد الزات بمنطقة الشبايك بجماعة تديلي مسفيوة بإقليم الحوز بوتيرة سريعة، في وقت تتباطأ المفاوضات حول ضمان حقوق ملاك الأراضي المنتمين إلى 14 دوارا، والبالغ عددهم أكثر من 12 ألف نسمة.وجرب المتضررون، منذ 2019، جميع أشكال الاحتجاج ونظموا مسيرات في كل الاتجاهات، وحرروا عشرات الرسائل والمطالب، وعقدوا سلسلة طويلة من الاجتماعات مع مسؤولي الإدارة الترابية ووزارة النقل والتجهيز والحوض المائي، دون أي نتيجة.
إعداد: يوسف الساكت

في الرابعة عصرا من السبت 26 فبراير الماضي، تنطلق السيارة من مركز جماعة أيت ورير بإقليم الحوز، مباشرة بعد وصول مرافقين، أحدهم عضو في “التنسيقية المستقلة لمتضرري برمجة سد أيت زياد”.
تلتف السيارة حول طرق نصف معبدة، يحفها من الجانبين مجمع للمحلات التجارية ومقاه ومرافق إدارية، وسوق “شبه عشوائي” لبيع لحوم الشواء في الهواء، وهو كل معالم هذه الجماعة العصية على التنمية منذ سنوات، رغم المؤهلات التي تتوفر عليها والامكانيات الموضوعة رهن إشارتها.

لوحة طبيعية
للوصول إلى جماعة مسفيوة، الأكبر مساحة من باقي الجماعات الأخرى بالإقليم، ينبغي أن تمر من طرق شبه جبلية، سواء عبر جماعة “أيت فاسكا” غربا، أو أيت ورير شمالا، أما القادمون من الجنوب، فيمكنهم الدخول إليها عن طريق تغدوين، أو أكرفروان من الجنوب الغربي، ويمكن أن تصل إليها أيضا عن طريق الثوامة، أو تمكرت.
في هذه الجماعة التي يخترقها واد الزات الخصب وسواقيه غير المنقطعة، والواقعة وسط سهول وربوات تسر الناظرين من أشجار الزيتون والأفوكا والتفاح وحقول القمح والذرة، والشهيرة بمنتجاتها الزراعية، اختارت وزارة الماء والتجهيز بناء سد يحمل اسم أيت زياد، علما أن المنطقة التي يجري تشييده بها (منطقة الأشغال والحقينة) تسمى أيت زيات.
ويعتبر هذا المشروع واحدا من ثلاثة سدود بجهة مراكش-آسفي، برمج بناؤها في السنوات المقبلة لتعزيز العرض المائي بها، ويتعلق الأمر بسد بولعوان بشيشاوة وسد سيدي ادريس الكبير بإقليم قلعة السراغنة، بسعة قدرها 367 مليون متر مكعب.

ورش في الهواء
في أقل من نصف ساعة، تصل السيارة مشارف جماعة مسفيوة، حيث تظهر من بعيد آلات الحفر العملاقة معلقة في جبال صخرية. تبعد الطريق لمرور المعدات والتجهيزات الثقيلة من منطقة الاشغال الكبرى، بينما انتهى فريق الحفر من إحداث نفقين كبيرين في الجبال المقابلة، وجهزهما بقنوات ضخمة للتحكم في صبيب المياه.
ورش ضخم في الهواء الطلق وعلى مساحات شاسعة، يظهر فيها جيش من العمال بأحجام صغيرة من فوق الربوة القريبة من الطريق الوحيد، الذي يخترق الجماعة، بينما تتراءى على امتداد البصر حقول من أشجار الزيتون والمغروسات بكل أنواعها، قال لنا مرافقنا إنه مسألة وقت وتأتي عليها الجرافات لنزعها من الجذور، لتوسيع منطقة الحقينة الكبرى.
يتطلب إنجاز السد مئات الهكتارات من الأراضي الفلاحية التي صدر فيها قرار حكومي صادر في الجريدة الرسمية يقضي بنزعها من مالكيها الأصليين، كما ستنزع المنازل والمساكن والحقول والأشجار وباقي الممتلكات السطحية، إذ يقدر عدد أشجار الزيتون التي ستطالها آلات القلع، 3 ملايين شجرة، بعضها يعود غرسه إلى 110 سنوات.

دمار شامل
ينظر حبيب إيلال، عضو “تنسيقية أيت زياد للسكان المتضررين من برمجة السد” بحسرة إلى الدمار الذي لحق الأراضي الزراعية والمنازل والأشجار، خصوصا في منطقة الأشغال، مؤكدا أنه يستحيل أن يمر من هذه الطريق دون أن يتوقف قليلا، ويتأمل ما آل إليه الحال في جماعتهم، موضحا في الوقت نفسه أن الوضعية العقارية لهذه الجماعة تختلف عن باقي الوضعيات العقارية، إذ يتعلق الأمر بملكيات خاصة معترف بها في عقود عدلية وعرفية متوارثة أبا عن جد.
تتحرك السيارة وسط طريق تحفه من الجانبين الأشغال والآلات والمعدات الضخمة، وتضيق أحيانا لتفسح المجال لوضع مزيد من المعدات القادمة من مراكش والبيضاء والرباط، إذ رست صفقة بناء السد على عدد من الشركات المتخصصة، إذ تقدر القيمة الإجمالية لكلفة الاستثمار بحوالي 2 مليار درهم.
ومازالت الأشغال في بدايتها، إذ لم تتجاوز في حدود منتصف 2021 نسبة 2 في المائة، وقد تزيد النسبة عن 6 في المائة في الوقت الراهن، في وقت تراهن السلطات العمومية بالجهة على الانتهاء من هذا المشروع في أقرب وقت ممكن، نظرا إلى الرهانات الكبرى المعقودة عليه.

ثلاثة توضيحات
منذ البداية، يقدم أعضاء التنسيقية عددا من التوضيحات التي تبدو لهم مهمة، رفعا لأي لبس، أو سوء فهم، أولها أن الإطار الذي يشتغلون ضمنه في الدفاع عن حقوقهم، هو إطار مستقل عن أي انتماء حزبي، أو نقابي، إذ تتكون التنسيقية من تمثيلات من السكان تنتمي إلى 14 دوارا مشمولا بنزع الملكية، بينما يقتصر دور الجمعيات والنقابات والأحزاب الأخرى على الدعم والمساندة.
أما التوضيح الثاني، فيتعلق ببرمجة سد في المنطقة، إذ لا تعترض تنسيقية السكان على بناء هذا المشروع المندرج في إطار مخطط وطني لتحسين العرض المائي، بل لهم “مشكل” مع الطريقة التي يتعامل بها المسؤولون مع المتضررين، والصيغة المعتمدة للتعويض، وأساليب الالتفاف المعتمدة، من قبيل إخفاء المعلومات الأساسية المتعلقة ببدء مسطرة نزع الملكية، والتفريق بين السكان وفتح مفاوضات جانبية معهم، دون الحديث عن أسلوب التهديد والوعيد وفرض الأمر الواقع بقوة الحديد والنار.
أما التوضيح الثالث، فيتعلق بقبول المتضررين مبدئيا عددا من المقترحات المعبر عنها من وزارة الداخلية، في شخص عامل إقليم، لكن دون مصادرة حقوقهم الأساسية في التعويض المناسب، سواء في الصيغة المتعلقة بالاستفادة من مساكن، أو الصيغة الأخرى المقترحة في إطار توفير أراض فلاحية بديلة بمنقطة “كركور العبيد” بجماعة سيدي داود.

انطلاق الشرارة
في منزل مطل على مشروع بناء السد، يجتمع أعضاء تنسيقية السكان المتضررين كل مساء لوضع اللمسات على الخطوات المقبلة، وتقريب وجهات النظر من المستجدات وخلاصات اللقاء الدورية مع مسؤولي الإقليم.
“من هذا المكان، انطلقت موجة الاحتجاج الأولى في 24 شتنبر 2019، حين نسفت السلطات العمومية وممثلو وزارة التجهيز محضر تأجيل بدء الأشغال الموقع عليه في 10 يونيو، إلى حين الانتهاء الكلي من عمليات إحصاء السكان، وتحديد مسطرة للتعويض متوافق عليها، لا تصادر حقوق الملاك الأصليين”، يقول الحبيب أيلال.
ففي شتنبر 2020، تفاجأ السكان بوصول المجموعات الأولى من المهندسين وتقنيي الهندسة المدنية وعدد من الجرافات والآلات الكبرى، مرافقين برجال السلطة، في إعلان صريح لبدء أشغال الحفر ووضع الأساسات، ما اعتبره السكان “خيانة”، واستمرارا في النهج نفسه، الذي ميز عملية الإحصاء والتعتيم على مسطرة نزع الملكية في إطار المنفعة العامة.
وقبل أن يستفيق السكان من وقع صدمة انطلاق الأشغال، أصدرت السلطات العمومية محضر التثمين الخاص بالممتلكات السطحية الذي تضمن مبالغ تعويضات وصفت بالهزيلة، ما دفع المتضررين إلى وقف احتجاجية ثانية في أكتوبر 2020، شارك فيها 500 شخص، لم تثنهم حالة الطوارئ الصحية وباقي التدابير الأمنية المرتطبة بها، بل أكدوا أن المسؤولين استغلوا وضعية الإغلاق والحجر للبدء في العمل في مشروع السد.
وتوالت الوقفات الاحتجاجية والمسيرات في كل الاتجاهات بمشاركة مئات السكان المتضررين، إذ وصل عددها إلى حوالي 18 شكلا احتجاجا، بعضه كاد يقترب من مقر الإقليم، لولا الإنزال الأمني الكثيف الذي طوق المنطقة.

تعويضات هزيلة
في المقابل، ظلت السلطات العمومية ووزارة التجهيز والحوض المائي، ومعها الرئيس السابق لجماعة مسفيوة، يدافعون عن المشروع وأهدافه (وهي الأهداف الذي لا يتنكر لها السكان)، كما دافعوا عن الحلول المقدمة إلى السكان، بل قررت اللجنة الإدارية للتثمين المشكلة طبقا لمقتضيات الظهير الشريف 254 .81. 1 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة نشر قيمة مبالغ التعويضات المحددة، خصوصا بالنسبة إلى الملاكين الذين يتوفرون على بقع أرضية فلاحية مسقية صغيرة ويشكلون قاعدة كبيرة في المنطقة.
ويملك أغلب السكان بالدواوير الـ14 التي ستشملها عمليات نزع الملكية، مساحات وبقعا صغيرة، بعضها لا يتجاوز 1500 كتر مربع، إذ حدد الثمن في 60 درهما للمتر مربع (60 مليونا للهكتار).
وكلما ازدادت مساحة البقع، كلما انخفض الثمن المحدد من قبل اللجنة الإدارية، إذ تم تقويم الأراضي الذي تتراوح بين 1500 و3500 متر مربع ب50 درهما للمتر مربع، والأراضي بين 3500 و6 آلاف متر مربع بـ40 درهما، والأراضي الأخرى بمساحات أكبر بين 30 درهما للمتر مربع و20، مع التمييز بين الأراضي التي تضم أغراسا وأشجارا، وبين الأخرى الجرداء، لأن لكل شيء ثمنه.
وتنشر اللجنة الإدارية على مراحل بلاغات بأثمان الأراضي غير المسقية وثمن الأشجار بأنواعها، وثمن المنازل بأنواعها.
وبما أن أغلب الملاكين من الفلاحين الصغار، أو حتى المتوسطين، فقد جاءت المحصلة هزيلة جدا، إذ توصل بعض الأشخاص بتعويضات لم تتجاوز 50 ألف درهم، ومطلوب منهم جمع حقائبهم ومغادرة المنطقة على الفور.
وتحت التهديد وقرارات المحكمة الإدارية والإنذارات، قبل العشرات من السكان الأمر الواقع، وتسلموا التعويضات المخصصة لهم، في مقابل وعود بتسوية وضعيتهم الاجتماعية في القريب العاجل.

حلول معلقة
بعد أيام فقط، ينتهي العمل في منطقة “الأشغال الكبرى، وتنتقل إلى منطقة الحقينة، دون أن تتمكن السلطات العمومية من إيحاد حلول اجتماعية مقنعة لسكان 14 دوارا، تسلم بعضهم التعويضات المنصوص عليها في اللجان الإدارية للتثمين، بينما ينتظر آخرون.
وبعد مسلسل من الاحتجاجات، انخرطت تنسيقية المتضررين في مسار من اجتماعات التفاوض مع العمالة على أرضية عدد من المقترحات، أهمها، توفير شقق للسكن الاجتماعي، أو بقع للبناء، يستفيد منها حوالي 670 متضررا، بينما يجري البحث عن عقارات فلاحية لتوطين مجموعات أخرى من السكان، لا يمكن أن تعيش خارج أنشطة الزراعة والرعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى