fbpx
ربورتاج

الثلوج تنفض غبار أزمة إفران

انتعاش مهن تدفئ جيوب شباب الإقليم ودعوات لتنظيمها وإعادة الروح لفضاءات قتلتها كورونا

نفضت الثلوج المتهاطلة بكمية متوسطة بجبال الأطلس المتوسط، غبار الركود عنها وأزمة جثمت على نفوس سكانها شهورا وزادها فيروس كورونا، ضراوة. وتنفسوا الصعداء بعودة الحياة إلى جبال كساها البياض ليس حدادا، إنما فرحة. وابتهجوا بتدفئة جيوبهم بانتعاشة سياحية تمنوها طويلة. السائح الراغب في الاستمتاع بجمال إفران وجبالها المكسوة بالثلوج، عاد من جديد وتدريجيا بعد أولى التساقطات الثلجية وبشكل أحيى الأمل في الانعتاق من واقع لا يحسد عليه. وعادت الروح إلى مناطق قتلها الوباء وانحباس التساقطات المطرية والثلجية، لتئن معها النفوس ألما وحسرة.

إعداد: حميد الأبيض – تصوير: (أحمد العلوي المراني)

“الصباح” خرجت في رحلة البحث عن البياض حيث يوجد بجبال شامخة شموخ أهلها. وتحسست دمع الألم في عيون أضناها الانتظار، ووجوها تبسمت فرحا بعودة السائح وانتعاش مدخولها من مهن موسمية تنتعش بتساقط الثلوج وتموت بذوبانها، دون أن تمحي سواد عيش في واقع يؤلم.

لوحة طبيعية
يبدو البياض ناصعا وسط الغابة الكثيفة في مدخل إفران قرب جامعة الأخوين، راسما لوحة طبيعية فاتنة تزداد رقعة البياض فيها تدريجيا وبالتوغل وسط المدينة وسيرا في اتجاه جبالها حتى تغطي الجزء الأكبر بفضاءات من ميشلفين وهبري إلى حيث شجرة أرز كورو صامدة في وجه كل التقلبات.

زوال الثلاثاء بدت الطريق بين إفران وميشلفين شبه فارغة من الحركة، كما فضاءات التزحلق اللهم من عدد محدود جدا من السيارات والناس شوهدوا على مشارف الجبل يلتقطون صورا للذكرى أو يتراشقون بالثلج فرحا وابتهاجا بقدومه. حضر الثلج وغاب محبو الاستمتاع ببياضه بتلك الأمكنة.
هذه الصورة تختفي تدريجيا بالتوغل عبر الطريق الجهوية رقم 717، فتزداد الحركة والبهجة على محيا أهل المنطقة قبل زوار عددهم قليل في يوم عمل، وينتظر أن يزداد بنسبة كبيرة في عطلة نهاية الأسبوع بعدما شاع خبر كسو البياض جبال المنطقة بسمك متوسط يزداد في قمم الجبال.
التساقطات الثلجية “أزاحت غبار ركود طال إقليم إفران منذ انتشار جائحة كورونا، لدرجة أن اليأس خيم عليه طويلا فضاق حال ونفوس الناس وطال انتظارهم للفرج” يقول الجمعوي عزيز بلغالي مؤكدا أنه “بعد الشدة جاء الفرج وعاد الأمل للنفوس المهمومة وبدأ غبار الركود ينمحي تدريجيا”.
وتوقع أن تعلو الفرحة محيا اليائسين ويعم الخير والبركة كل نفس ضائقة، بعودة الحركة إلى الأمكنة والروح إلى النفوس، مؤكدا أن جيوب نسبة كبيرة من السكان، تنتعش بتساقط الثلوج والحركة الموازية لها، سيما بالمناطق التي يمكث فيها البياض طويلا بجبلي ميشلفين وهبري.

انتعاشة مرتقبة
في محطة ميشلفين كانت الحركة أكبر وأنشط في ذاك الزوال، ولو أنها ليست بالمتوقع والمعتاد كلما تساقطت الثلوج. 8 سيارات لعائلات من فاس وصفرو، حطت بها وأفرغت من بها, انتشروا يتزحلقون فوق الثلج قبالتها أو يلهون وسطه ويتراشقون به ويوثقون للحظة الفرح بصور للذكرى.
ملامح الأطفال تعبر عن درجة فرحهم القصوى وهم يمرحون ويمارسون شغبهم أو راكبين خيولا مكتراة يتجولون على مرمى حجر من الطريق. بسمتهم ومن معهم، كانت تزداد بإطلاق مالك الخيل صيحة شدو بلكنة أمازيغية محضة أغنية لا يفهمون كلماتها، لكنهم يعون أنها عنوان فرح.
شباب الدواوير المجاورة التابعة لجماعة تمحضيت، يسخرون كل الوسائل لإسعاد الناس والكسب مما يجودون به عليهم من مال نظير كراء الخيول والقطع الخشبية للتزحلق فوق الثلج وأحذية بلاستيكية للمشي وسطه. لا يتوانون في الغناء والرقص أحيانا وكلما وثق الزبون، تلك اللحظة صوتا وصورة.
“لا نشترط مبلغا مغالى فيه شرطا لركوب الزبون الخيل والتجول لمسافة محددة. نقنع بالذي يمنحه ويجود به، وبالقليل نجمع الكثير للوفاء بحاجياتنا” يقول محمد أحد أبناء آيت سعيد وعمرو بجماعة تمحضيت، مؤكدا أن عشرات الشباب يعيشون من مثل هذه المهن المرتبطة بالتساقطات الثلجية.
وأوضح أن زبناء الخيل وأخشاب التزحلق والأحذية، مختلفون منهم من “يراعي ظروفنا ويدفع بسخاء، ومن يساوم ومن حقه ذلك”، مشيرا إلى أن الحركة “ما زالت عيانة” طالما أنه لم تمر إلا ساعات على تساقط الثلج وكثير من الناس لم يعلم بذلك، متوقعا انتعاشة أكبر في نهاية الأسبوع وتزامنا مع عطلته.

“الحركة عيانة”
في ساحة ميشلفين حراس من أبناء المنطقة، في انتظار سيارات غابت في ذاك الزوال، إلا ثمان ركنت بقارعة الطريق لمدد قصيرة لالتقاط الصور وسط الثلج ومع قردة مشاغبة يدفعها جوع الأمعاء لمضايقة كل راغب في ودها طمعا في لقطة ودون تفكير في معاناتها مع الجوع والبرد.
المعاناة لا تقتصر على القردة والحيوانات، خاصة الكلاب المنتشرة على طول الطريق الجهوية بين ميشلفين وهبري وفي اتجاه شجرة أرز كورو، بل يتذوق مرارتها ممتهنو حرف موسمية مختلفة تنتعش بتوافد سياح لم يكونوا بالعدد المتوقع، بمن فيهم نساء بعددن أطباقا شهية تبحث عن زبناء.
26 براكة نصبت في الساحة في انتظار زبناء لم يزرها إلا القليل منهم في انتظار ارتفاع عددهم تدريجيا. كلها مؤثثة بكراس بلاستيكية وخشبية متآكلة، وأغلبها مغلقة طالما أن الحركة “ما زالت عيانة” في ثاني يوم تتساقط فيه الثلوج، ولم تنتعش بعد، والباقي به نساء منهمكات في عملهن.
“يا الله طاح الثلج. الحركة عيانة. ما زال أولدي ما جا احد باش نسفالو” تقول إحداهن انهمكت في إيقاد النار استعدادا لإعداد الشاي لأسرة طلبته، متحدثة عن ضعف الإقبال وهزالة المدخول، الذي لا يكفي للوفاء بحاجيات أسرتها المكونة من 6 أفراد ليسوا من الرعاة، ينتظرون الثلج للكسب.
42 امرأة من أمثالها بدواوير تمحضيت، استفدن من تلك الخيام التي يستغللنها في طهو الأكلات بأنواعها وبيعها للزوار، بمبادرة من تعاونية أصندل إيزم ثاني تعاونية أسست لإنعاش السياحة محليا وإقامة مبادرات ومشاريع مدرة للدخل، حسب أوخالق مولاي مسؤول تعاونية أدرار نومان.

صور مستنسخة
ما يشاهده الزائر في هذه الساحة، يجد مثيلا له ولو بتفاصيل مختلفة نسبيا، في ساحة بجبل هبري وبمواقع أخرى تعتبر محجا للباحثين عن الاستمتاع ببياض الثلج. خيول للكراء وأخشاب للتزحلق فوق الثلج وأحذية للمشي وسطه ونساء يبحثن عن أرزاقهن في ما يبعنه من وجبات مختلفة وكؤوس شاي.
حتى بائعو العسل “الحر” تجدهم هناك بهذه المواقع السياحية. جلهم من نواحي أزيلال أو هكذا يقدمون أنفسهم، ويتفننون في محاولة إقناع الزوار بجودتها لشراء كميات منها بمبالغ تتفاوت حسب “شطارة” البائع ودرجة سخاء الزبون متراوحة بين 100 درهم و200 للكيلوغرام الواحد.
كل الصور المؤثثة لتلك الفضاءات، تتشابه، بل تستنسخ بأدق التفاصيل حتى من القردة الهائمة وسط الطريق، بحثا عمن يجود عليها بكمية قليلة من الخبز والموز والكاوكاو المباع، حيث توجد هذه الحيوانات الجائعة، والمشكل وسيلة كسب لأبناء المنطقة مجربي كل حيل الكسب الممكنة. الاستنساخ هناك ليس تجربة علمية، بل صورة معيشية واقعية تتكرر حيثما يوجد الثلج ووسائل البحث عن كسب متاح منه، وموارد عيش لأسر رعاة لم يتغير شيء في حياتها ومعاناتها مع البرد ولو خفت قساوته عليهم هذا العام، سيما في براريك إسمنتية غطاها الثلج بدوار هبري على مشارف الجبل. هناك ما تزال حليمة في انتظار رأفة مسؤولين غافلين لحالها وأحوال العشرات من أمثالها من الرعاة. زاد عدد أبنائها بميلاد رابع يحبو وكبر الثلاثة جسدا، ولم يتحسن وضع أسرتها قيد أنملة. معاناتها مستمرة ومنسوب الأمل في نفسها تضاءل وانتظار “غودو” الخلاص والانعتاق، طال سنين مؤرقة للجسد.

شجرة كورو
بموقع على بعد 8 كيلومترات من الطريق بين إفران وأزرو، توجد شجرة كورو ذات القرن و32 سنة، صامدة في وجه التقلبات وعوادي الزمن. يبست ولم تجف الحركة بمحيطها الأكثر استقطابا للزوار الباحثين عن بياض الثلج، ممن يجدون فيه ما لا يوجد بساحات كثيرة على قارعة الطريق.
الحركة قرب الشجرة مسا ء أكثر من باقي المواقع. أسر تستمتع بمداعبة قردة أكثر حظا من غيرها المنتشر على الطريق الجهوية بين ميشلفين وهبري وإلى أزرو. تناولها أكلا من الكاوكاو المباع هناك، وتقتنص الفرصة لتوثيق اللحظة في صور للذكرى، باحتراز كامل خوفا من رد فعل عنيف.
قرد يشاكس طفلة عمرها دون عدد أصابع اليد، على كتف والدها، لم تكف عن الصراخ وطلب النجدة، خوفا. مشهد أضحك من وجد بالمكان، دون اعتبار لطفلة انتحبت قبل تدخل غريب ناصحا بطريقة لم ترق أبا منتشيا ببكاء ابنته، ليعرض عنه متوجها لحيث الشجرة يبست كما جف شعور أب.
تأثيث الفضاء ووسائل الكسب فيه، مختلفة. الأمور هناك أكثر تنظيما إلا من مضايقة القردة للزوار. منتوجات الصناعة التقليدية المحلية، متراصة بدكاكين خاصة محيطة بأقدم وأكبر شجرة أرز بإفريقيا، والزائر يجد ما لا يوجد بأمكنة أخرى يكسوها البياض، حتى من كأس قهوة يشتهيه.
أحمد المهداوي شاب ثلاثيني من دوار عين أغبال بأزرو، حاصل على شهادة الباكلوريا، جرب كل حيل الحياة فلم يكسب كثيرا، إلى أن خامرته فكرة تحويل سيارته إلى مقهى متنقلة يركنها يوميا في هذا الفضاء، بحثا عن زبناء في تجربة يفتخر بنجاحها ومختلفة عن باقي تجارب كسب شباب المنطقة.

عشوائية
الثلج ينعش الأرض وجيوب سكانها. ويضفي على إقليم إفران جمالية خاصة محسودا عليها، وتجعله محجا للزوار من مختلف ربوع الوطن كلما كسا البياض جباله الشامخة، فتنتعش السياحة وتنعش مهنا موسمية تحتاج إلى تنظيم كما الفضاءات، تلافيا لما من شأنه أن يخدش صورة إفران الفاتنة.
مسؤولية مندوبية السياحة والقائمين على الشأن المحلي، قائمة في تنظيم القطاع والزيادة في أهميته، لأنه “لا يعقل أن تبقى المنتزهات السياحية، أسماء بلا مسمى” يقول أحد أبناء الإقليم رفض الكشف عن اسمه، متحدثا عن وضع كارثي وعشوائي تعيشه بعض المزارات السياحية المحلية.
وتحدث عن قاذورات بجوار شجرة الأرز كورو وفي عين فيتال وبودمام، دون أن يستسيغ انتشار الكلاب الضالة على جنبات الطريق وبتلك المواقع، لتشكل مصدر إزعاج وخطر للزائر، كما القردة مذكرا بحوادث سابقة هاجمت فيها هذه الحيوانات زوارا، بينهم سائحة أجنبية أصيبت بجروح.
وتؤرقه الأسعار الملتهبة وغياب المراقبة اللازمة ليس فقط في تلك الفضاءات العشوائية، بل حتى في مطاعم وسط المدينة، ليبقى المواطن “ضحية جشع أصحابها” و”يصبح كالديك يرقص مذبوحا من الألم” وقد “لا يعاود الزيارة”، داعيا السلطات إلى تحمل مسؤولياتها في حماية زوار الإقليم.
ويتساءل “ما الفائدة من رحلة أو زيارة أمكنة طالها النسيان والإهمال، أو تفقد مدينة كانت لحين سويسرا المغرب يعشقها السياح، إن استمرت مثل هذه السلوكات؟”، متمنيا أن تعاد الروح لعيون إفران المتدفقة وممراتها الجميلة وشلالاتها، التي تبهر السائح كما مناظرها الطبيعية الخلابة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.