fbpx
خاص

المنتوجات الفلاحية … أعطاب التسويق

تطور في الإنتاج لا يواكبه تحسن في قنوات التوزيع وتعدد الحلقات يلهب الأسعار

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عددا من الاختلالات التي يعرفها تسويق المنتوجات الفلاحية والصعوبات التي يواجهها الفلاحون، خاصة الصغار منهم، في إيصال موادهم إلى المستهلك النهائي.
وأشار المجلس في الدراسة، التي أنجزها حول الموضوع في إطار الإحالة الذاتية، إلى أن الاستغلاليات الفلاحية الكبرى، سيما تلك المنضوية في إطار منظمات مهنية والتي تتسم بهيكلة جيدة، تنجح عموما في التحكم بشكل أفضل في التفاعلات بين عمليتي الإنتاج والتسويق والتوفيق بينهما، وبالتالي تثمين منتوجاتها وتحقيق أفضل قيمة مضافة ممكنة، وتتمكن من الولوج بسهولة وبشكل أكثر أمانا إلى السوق الداخلية والسوق الخارجية، في حين أن صغار الفلاحين والفلاحين المتوسطين، الذين يعانون ضعف التنظيم وغير المتوفرين على الوسائل والقدرات الكافية، يواجهون صعوبات عديدة في بيع منتجاتهم. كما يعانون باستمرار ضغط المضاربة وتعدد الوسطاء، الذين يتسببون في ارتفاع سعر البيع للمستهلك النهائي. “الصباح” تعرض أهم ما جاء في الدراسة والتوصيات التي خلصت إليها.

11.4 مليون طن من الخضر والفواكه
تحتل سلسلة الفواكه والخضر )الحوامض، الخضر، والأشجار المثمرة(، التي تزخر بمؤهلات هامة، مكانة متميزة في إطار الإستراتيجيات الفلاحية الوطنية، خاصة مخطط المغرب الأخضر، وإستراتيجية الجيل الأخضر.
وحققت هذه السلسلة، الممتدة على مساحة تصل إلى 725 ألف هكتار، إنتاجا من الفواكه والخضر، خلال 2018، بلغ 11.4 مليون طن.
وسجلت صادرات المغرب من الخضر نموا بنسبة 12 في المائة والطماطم بـ 5 في المائة، والفواكه الحمراء بـ 22 في المائة
والبطيخ بـ 44 في المائة، خلال الموسم الفلاحي 2019-2020، مقارنة مع موسم 2018-2019.
ويبلغ حجم الإنتاج من الفواكه والخضر الموجه للتصدير مليوني طن، ما يمثل 18 في المائة من إجمالي الإنتاج، في حين لا يتجاوز الإنتاج الخاضع للتحويل 500 ألف طن، ما يعادل 4 في المائة، فقط، من الإنتاج الوطني، في حين يتم تسويق باقي الإنتاج، أي البالغ 9 ملايين طن، في السوق الداخلي.
واعتبر معدو الدراسة أن ضعف نسبة التحويل الصناعي لمنتوجات الفواكه والخضر يقلص إمكانيات تطوير الفلاحين لبدائل تسمح لهم باستغلال فائض الإنتاج، وتجنب الخسائر في المنتجات عقب الجني والتعامل مع قابليتها للتلف، والحد من ضغط الوسطاء.
وأكد معدو الدراسة أنه إذا كان الأداء الجيد الذي حققته سلسلة إنتاج الفواكه والخضر قد تأتى بفضل الدعم المالي المقدم في إطار مخطط المغرب الأخضر لفائدة المنتجين، من أجل تحسين إنتاجيتهم، فإن مكون التسويق لم يحظ بحجم الدعم نفسه، على مستوى تقديم الإعانات والتنظيم والتأطير.

الدواجن…اكتفاء ذاتي
أكدت الدراسة أن سلسلة الدواجن شهدت تطورا مهما، ما مكنها، حاليا، من تغطية كل الحاجيات من اللحوم البيضاء وبيض المائدة ، إذ بلغ استهلاك اللحوم البيضاء، خلال 2019، 22.1 كيلوغراما للفرد في السنة.
وسجل إنتاج قطاع الدواجن نموا، ما بين 2019 و 2000، بنسبة 6.5 في المائة، في المتوسط السنوي، بالنسبة إلى اللحوم البيضاء، و5 في المائة بالنسبة إلى إنتاج البيض، كما عرف استهلاك اللحوم البيضاء نموا بـ 6.2 في المائة، وبنسبة 3.8 في المائة بالنسبة إلى استهلاك البيض.
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم هذا المستوى من الأداء في أعلى السلسلة، فإن مكون التسويق يظل الحلقة الضعيفة في هذه القطاع، بالنظر لهيمنة القطاع غير المنظم في مجال الذبح، إذ تكاد أغلب المذابح لا تستجيب لمعايير السلامة الصحية وتشكل خطرا على صحة المستهلك، كما أن قنوات توزيع لحوم الدواجن تواجه صعوبات عديدة.

اللحوم الحمراء…17.2 كيلوغراما للفرد
أوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أهمية هذا القطاع تتجلى في نسبة مساهمته في الناتج الداخلي الإجمالي الفلاحي، التي تفوق 15 في المائة، وكذا في إحداثه لحوالي 44 مليون يوم عمل سنويا، وتحقيقه لرقم معاملات بحوالي 27 مليار درهم، خلال 2017.
وبلغ إنتاج سلسلة اللحوم الحمراء 606 آلاف طن، خلال 2019، ويمكن هذا المستوى من الإنتاج من تغطية حوالي 98 في المائة من الاحتياجات من اللحوم الحمراء، بمعدل استهلاك سنوي للفرد في حدود 17.2 كيلوغراما للفرد ، خلال 2019، علما أن الاستهلاك الفردي السنوي، حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة )الفاو) ، بلغ 42.4 كيلوغراما للفرد على مستوى العالم.
وأشارت الدراسة إلى أن تسويق الحيوانات الحية واللحوم لا يزال ضعيف التنظيم ولا تشمله بالقدر الكافي جهود التحسين والتأهيل، مشيرة، في هذا الصدد، إلى جملة من الصعوبات التي تقتضي تدخل السلطات العمومية والمهنيين.

الأسعار في قبضة الوسطاء
يتسم مسلسل تسويق المنتوجات الفلاحية بالحضور القوي للوسطاء، الذين يشكلون حلقة حاسمة في سلسلة القيم. وتضم هذه الفئة التجار الذين يقومون بتجميع المنتوجات من عند الفلاح، والسماسرة، وتجار الجملة،
وتجار نصف الجملة، وهيئات التخزين البارد، والمؤسسات التعاونية، وتجار التقسيط، والفضاءات التجارية الكبرى وغيرها من حلقات التسويق.

واعتبر معدو الدراسة أن تعدد الوسطاء غير المنتج للقيمة، دون تنظيم وتأطير، يؤثر بشكل كبير على مسلسل تسويق المنتجات الفلاحية، كما يزيد هؤلاء الوسطاء من حدة المضاربة، ما يكون له انعكاس جلي
على المنتج والمستهلك على حد سوا ء، خاصة بالنسبة للفواكه والخضروات، حينما لا تواكبها مراقبة صارمة ومستمرة ومكثفة بالقدر الكافي.
ويختلف سعر المنتوج باختلاف نوع قنوات التسويق التي يمر منها قبل الوصول إلى المستهلك. وأكدت الدراسة أن السعر يمكن أن يتضاعف ثلاث أو أربع مرات، مشيرة إلى أن تضخم حجم الوسطاء وعدم تنظيم هذا المكون في سلسلة التسويق، إذ هناك فراغ قانوني في هذا المجال، يتسببان في عدم استفادة المنتجين ، خاصة الصغار والمتوسطين منهم، بالقدر الأمثل من القيمة المضافة لمنتوجاتهم، ويجعلان الوسيط يحقق عموما أرباحا أكثر.

فضاءات التسويق…غياب الاهتمام
أكد معدو الدراسة أن الإستراتيجيات التنموية، التي تنفذها الدولة والجماعات الترابية لم تول ما يكفي من الاهتمام بفضاءات البيع بالتقسيط، والأسواق الصغيرة بالأحياء، والباعة المتجولين، والبيع في الأزقة.
وأدى غياب مخططات تستهدف هذه الفضاءات ورؤية شاملة ومندمجة خاصة بها على المستوى الوطني والترابي، إلى إضعاف دورها في التنشيط التجاري وتسويق المنتجات وتثمينها.
كما أن وثائق إعداد التراب والتهيئة والتعمير للمجالات الترابية لم تتمكن، في ما يتعلق بالأسواق الأسبوعية القروية، من تحديد حجمها ونطاقها أو ضبط أماكن إقامتها المتغيرة، ما أثر سلبا على اضطلاعها بوظائفها المتعددة.
وأبرز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقريره حول الموضوع، أن هذه الأسواق باتت محاطة بتجمعات سكانية ممتدة وصارت تواجه جملة من الصعوبات على مستوى مواقف العربات، وتدبير النفايات الصلبة، وكذا مشاكل في الولوج إلى السوق، فضلا عن
تشويه المنظر العام والتسبب في أشكال متعددة من التلوث، لأن تهيئة الأسواق وآفاق تطورها غير مدرجة، باعتبارها أولوية سواء في وثائق التعمير، المتمثلة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية، تصاميم
التهيئة، وتصاميم تنمية التجمعات القروية، أو في التصاميم الجهوية لإعداد التراب، التي توجد قيد الإعداد من قبل الجهات.
كما أغفل التخطيط العمراني دور ومستقبل الفضاءات التجارية، في حين أنها تتأثر بشكل كبير بالتغيرات الديموغرافية والتوسع العمراني، خاصة في المدن الصغيرة والمراكز القروية، يضاف إلى ذلك إحداث العديد من التجزئات والأحياء السكنية الجديدة التي تفتقر إلى فضاءات تسويق ثابتة، مما يؤدي إلى ظهور أنشطة تجارية في الشارع العام، من قبل الباعة المتجولين، الذين يعانون أنفسهم هذه الوضعية، ويتسببون،
في الوقت ذاته، في عدد من الإشكاليات المتعلقة بالسلامة والنظافة والمراقبة التي يطرحها هذا النوع من التجارة غير المنظمة.

الأسواق…مشاكل بالجملة
أشارت الدراسة إلى أنه منذ 2015، أصبح إحداث أسواق الجملة واختيار طرق تدبيرها، يتم من لدن مجالس الجماعات وفقا لمقتضيات المادة 83 من القانون التنظيمي رقم113.14، المتعلق بالجماعات. ويوجد بالمغرب، حسب معدي الدراسة، 38 سوقا للبيع بالجملة، موزعة على 32 إقليما وعمالة. ويتألف الفاعلون الذين يرتادون أسواق الجملة من 3700 منتج و 4600 تاجر جملة و 374 وكيلا
و20 ألف مستخدم من العاملين لدى الجماعات والوكلاء وتجار الجملة، والحمالين وغيرهم.
ورصدت الدراسة عددا من الاختلالات، من أبرزها أن الإطار القانوني المنظم لهذه الفضاءات، أصبح متجاوزا، إذ يعود إلى 1962، ما يجعله غير مناسب ويعيق تنافسية سلاسل الإنتاج الفلاحي، لأن تقادم النصوص التشريعية المؤطرة لتنظيم واستغلال أسواق الجملة وعدم ملاءمتها للتحولات الاقتصادية والاجتماعي، يشكلان عقبة كبرى تحول دون تطوير منظومة تسويق سليمة وعادلة وعصرية، ما ينعكس سلبا على جاذبية أسواق الجملة ويشجع على التعاطي للأنشطة التسويقية غير المهيكلة واللجوء إلى القنوات الموازية. كما تفرض على المترددين لهذه الفضاءات أتاوات مرتفعة تصل إلى 7 في المائة من المبلغ الإجمالي لمبيعات الخضر والفواكه، يحصلها القائمون على تدبير هذه الأسواق.

توصيات
خلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بناء على نتائج التشخيص، إلى عدد من التوصيات التي يتعين اعتمادها لإصلاح الوضع، وتتلخص في خمسة محاور أساسية، تتمثل في تعزيز مكانة تسويق المنتوجات الفلاحية في سلسلة القيمة، من خلال بلورة رؤية مندمجة وتشاركية خاصة بمجال التسويق بإشراك جميع الفاعلين المعنيين، وتحسين مسلسل التسويق في سلاسل الإنتاج الفلاحية، وتتعلق التوصية الثالثة بوضع تدابير تشريعية وتنظيمية وتقنية ومخطط تواصلي، من أجل مكافحة ضياع وهدر المنتوجات الفلاحية، كما أوصى المجلس بالتعجيل بإصلاح فضاءات التسويق لتجنب المضاربات وتعدد الوسطاء، إضافة إلى تطوير آليات جديدة لمواكبة وتنظيم المنتجين.

عبد الواحد كنفاوي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.