مساطر مبسطة وسرعة في المعالجة وخدمات مجانية في الملفات التي لا تتجاوز مليون درهم يعتبر المركز المغربي للوساطة البنكية، الذي تمت المصادقة على قانونه الأساسي خلال الجمع العام التأسيسي في يونيو 2013، آلية لإيجاد حلول بطرق ودية للخلافات التي تنشب بين البنوك وشركات التمويل وجمعيات السلفات الصغرى وزبنائها. وتكتسي هذه الآلية أهمية بالغة، إذ تمكن من فض المنازعات مع الحفاظ على علاقات متميزة بين الأطراف، التي تلجأ إليها لحل خلافاتها. وأنشئ المركز بمبادرة من بنك المغرب والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، والجمعية المهنية لشركات التمويل، والفدرالية الوطنية للقروض الصغرى، والوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة. ويعمل تحت إشراف المجلس الإداري، الذي يرأسه والي بنك المغرب، ما يمنح استقلالية أكبر للمركز، فما هي الإجراءات التي يتعين اتباعها للاستفادة من خدمات المركز؟ وماهي مزايا هذه الآلية؟ وما حصيلة عملها؟ مجموعة من الأسئلة حاولت «الصباح» الإجابة عنها باللجوء إلى مسؤولي المركز. إعداد: عبد الواحد كنفاوي اعتمد المركز المغربي للوساطة البنكية مجموعة من التدابير لتسهيل الولوج إلى خدماته، وتشجيع الأشخاص، الذين لديهم خلافات مع مؤسسات الائتمان التي يتعاملون معها، على اللجوء للوساطة البنكية لإيجاد حلول بدل اعتماد الأساليب التقليدية في فض النزاع، إذ يمكن تقديم الشكاية مباشرة لدى المركز، الذي يوجد بمقر بنك المغرب بالبيضاء، أو عن طريق البريد أو عبر بوابة إلكترونية مخصصة لهذا الغرض. الإجراءات المطلوبة قررت الأطراف المؤسسة للمركز، منذ البداية، اعتماد التبسيط في المساطر المطلوبة للاستفادة من خدمات المركز المغربي للوساطة البنكية. وهكذا يمكن اللجوء إلى خدمات المركز عن طريق البريد الإلكتروني أو البريد العادي أو وضع الشكاية مباشرة بدون أخذ موعد مسبق، إذ يمكن استقبال طلبات الزبناء للوساطة خلال مدة العمل بدون انقطاع. ويظل البريد الإلكتروني، حسب مسؤولي المركز، الوسيلة الأكثر استعمالا، بالنظر إلى أنها تمكن من استقبال ملفات المواطنين من مختلف المناطق، بمن في ذلك المغاربة المقيمون بالخارج، الذين يجدون في هذه الوسيلة الطريقة الأمثل للاستفادة من الوساطة عوض أن يكونوا مجبرين على التنقل إلى مقر المركز بالبيضاء، فكل المسطرة تتم بالتواصل الإلكتروني، حتى عندما يتم التوصل إلى حل توافقي يتم بعث عقد الصلح التوافقي إلى المعني بالأمر الذي يوقع عليه بتصحيح الإمضاء لدى أقرب قنصلية منه أو مصلحة رسمية لتصحيح الإمضاءات، ويتوصل بعد ذلك بعقد التسوية موقع من قبل طرفي النزاع، إضافة إلى توقيع الوسيط، وذلك دون حاجة للتنقل. ويتفاعل المركز بسرعة مع الطلبات التي ترد عليه، إذ بمجرد ما يتم التوصل بالشكاية يجاب على مراسلة المعني في اليوم الموالي في العنوان الذي حدده في مراسلته. ولا تتجاوز المدة 48 ساعة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يضعون شكايتهم بشكل مباشر بمقر المركز، في انتظار استكمال الملف، ويوجه الملف إلى المؤسسة المعنية. مزايا متعددة تتميز الوساطة البنكية بمزايا متعددة،إذ تعتبر ملجأ بالنسبة إلى زبناء مؤسسات الائتمان وما يماثلها، خاصة الذين لا يتوفرون على إمكانيات اللجوء إلى القضاء، ولا حتى الوسائل للرد على مراسلة قسم نزاعات مؤسستهم البنكية، كما أن الزبون يكون في وضعية تجعله غير قادر على تحمل مصاريف وتكاليف الطرق الأخرى لفض النزاعات، لذا فإن الوساطة البنكية تتميز بأنها توفر وسيلة بديلة مجانية سريعة و مرنة. فض النزاعات عن طريق الحوار من جهة أخرى، وبغض النظر عن جانب التكاليف، فإن هدف هذه الآلية هو الإسهام في حل المشاكل من جذورها، وتفادي وقوعها مرة أخرى، إذ أن البنك المركزي، الذي يترأس مجلس الإدارة يأخذ بعين الاعتبار نوعية المشاكل التي تطرح على المركز للوساطة، وبناء على ذلك يتخذ قرارات ويصدر دوريات لتفادي حدوث مشاكل بين الزبناء ومؤسساتهم المالية مستقبلا، إذ هناك عدد من الدوريات التي صدرت عن بنك المغرب، استندت على عدد الشكايات التي توصل بها المركز، على غرار الدورية التي تلزم البنوك بإغلاق الحساب البنكي الدائن، إذا مرت عليه سنة وعشرة أيام دون تسجيل أي عملية مالية، علما أن عددا من طلبات الوساطة كانت تهم النزاعات المتعلقة بإغلاق الحساب. ويسعى إحداث آلية الوساطة إلى ترسيخ ثقافة فض النزاعات عن طريق الحوار داخل المجتمع، إذ بمجرد ما ينشأ نزاع مهما تكن طبيعته، فإن السلوك السائد هو اللجوء إلى القضاء، وما زالت ثقافة التسوية الودية محدودة، بالنظر إلى أن اللجوء إليها يعتبره البعض إشارة ضعف، إذ أن بمجرد ما يطلب شخص التسوية الودية، فإن الطرف الثاني يعتبر أن طلبه يعكس ضعف موقفه. لذا، سعى المركز المغربي للوساطة البنكية، من خلال المجهودات التي يبذلها لإيجاد الحلول لملفات النزاعات المعروضة عليه في وقت قياسي، إلى تغيير الثقافة السائدة، وتحفيز المواطنين على التسوية الودية، التي تعتبر من الطرق الحضارية لفض النزاعات. ويطمح المركز إلى تعزيز الثقة فيه باعتباره وسيلة بديلة لحل المشاكل بالنسبة إلى طرفي النزاع، فإذا توفرت الثقة في الوسيط البنكي، ستتبدد مجموعة من المخاوف وأسباب التردد. مساطر مبسطة يمكن للأفراد الذاتيين و المقاولات اللجوء إلى خدمات المركز المغربي للوساطة البنكية، وليس هناك إجراء مختلف أو خاص بصنف معين، ويكمن الاختلاف، فقط، في ما يتعلق بقيمة النزاع، فعندما تتجاوز قيمة القضية المتنازع حولها مليون درهم، هناك إجراءات خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسات الائتمان أصبحت تعين أحد متعاونيها مسؤولا عن التواصل مع المركز للنظر في الإحالات التي يوجهها إلى المؤسسة المالية المعنية بالخلاف. ويتعين على الشخص المعين للرد على مراسلة المركز في ظرف لا يتجاوز 15 يوما، وعليه أن يخبر في ظرف ثمانية أيام إذا كانت المؤسسة لجأت إلى مسطرة قانونية عبر المحكمة، وفي هذه الحالة لا يمكن للمركز أن يتدخل. وتجدر الإشارة، في هذا الباب، إلى أنه في ما يتعلق بالأشخاص الذاتيين يمكن للأجنبي المقيم بالمغرب، وليس السائح، أن يستفيد هو الآخر من خدمات المركز. أما بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين، يتعين على المتقدم بالشكاية أن يكون شخصا مفوضا لتمثيل الشركة، سواء كانت شركة مساهمة أو ذات المسؤوليات المحدودة أو أي صنف من أصناف الشركة، ويجب عليه الإدلاء بالوثائق التي تثبت صفته، وذلك من أجل أن تكون له الكفاءة القانونية، إذا تم التوصل إلى اتفاق، على عقد التسوية. خدمات مجانية تكون الخدمات المقدمة مجانية في كل الملفات التي لا تتجاوز مليون درهم، سواء تعلق الأمر بالأشخاص الذاتيين أو المعنويين، في حين يتم أداء نسبة تتراوح بين 0.20 % و0.70 % من قيمة المبلغ المتنازع، بالنسبة إلى الملفات التي تتجاوز مليون درهم، وتظل هذه المصاريف أقل بكثير من تكاليف اللجوء إلى المسطرة القضائية، إذ يفرض رسم قضائي بنسبة 1 %، إضافة إلى التكاليف المصاحبة. إضافة إلى الكلفة المنخفضة، فإن الوساطة تتميز، أيضا، بالمدة التي تتطلبها معالجة الملف، إذ لا تتجاوز المدة، في ما يتعلق بالملفات التي تقل عن مليون درهم، 30 يوما، قابلة للتمديد مرة واحدة، ما يجعل المدة الإجمالية لا تتجاوز 60 يوما على الأكثر، في حين يتطلب حل ملف نزاع تتجاوز قيمته مليون درهم 90 يوما، قابلة للتمديد. وكما يتضح فإنه في كل الحالات تظل المدة أقصر مما يتطلبه حل المنازعات عن طريق القضاء. 3800 ملف وصل عدد الملفات التي توصل بها المركز المغربي للوساطة البنكية، خلال السنة الجارية، إلى 3800 ملف، ما يعكس الأهمية التي أصبح يحظى بها لدى زبناء المؤسسات البنكية، علما أن العدد كان في حدود 1790 ملفا، خلال 2019، ما يمثل زيادة بنسبة تتجاوز 112 في المائة. وتأتي المنازعات المتعلقة بأداء أقساط القروض في القائمة، إذ تمثل 41 في المائة، من العدد الإجمالي للشكايات المتوصل بها، تليها قضايا تدبير حسابات الزبناء، خاصة ما يتعلق بطلبات إغلاق الحساب، إذ تمثل 17 في المائة، وتأتي الأخطاء في المحاسبة في الرتبة الثالثة بنسبة 14 في المائة، وتحل الشكايات المتعلقة بتسليم الوثائق رابعة بنسبة 8 في المائة، ثم النزاعات المرتبطة بالتأمين البنكي، التي تمثل 5 في المائة، تليها الطلبات المتعلقة بوسائل الأداء، وتتوزع النسبة المتبقية على نزاعات مختلفة. وأشار حسن العلمي، مدير المركز المغربي للوساطة البنكية، إلى أن 70 في المائة من الشكايات تهم مبالغ تقل عن 10 آلاف درهم، مضيفا أن مؤسسات الائتمان تتجاوب بشكل إيجابي مع آراء المركز المغربي للوساطة البنكية، الذي يتمكن من إيجاد الحلول في وقت قياسي، مقارنة مع سبل فض النزاعات الأخرى. وأكد أن 95 في المائة من نتائج المفاوضات يتم تنفيذها من قبل الأطراف، ما يعكس أهمية هذه الآلية في فض النزاعات، التي يمكن أن تنشب بين مؤسسات الائتمان وزبنائها. ويرتقب أن يتواصل الإقبال على المركز، خلال السنوات المقبلة، خاصة أن ما يناهز 80 في المائة من آراء المركز جاءت لفائدة الزبناء.