قانون المالية بكل بساطة

مداخيل ونفقات يأذن بها البرلمان للحكومة ويراقب تنفيذها على غرار تدبير ميزانية الأسرة بين الزوج والزوجة لا يحظى مشروع قانون المالية، رغم أهميته، باهتمام واسع من قبل المواطنين، رغم أنه يتضمن إجراءات تمس حياتهم اليومية بشكل مباشر، كما أنه يتضمن مختلف التدابير التي ستتخذها الحكومة خلال السنة. ويقتصر تتبع المواطنين على تدخلات بعض النواب التي تروج بكثرة في وسائط التواصل الاجتماعي ويتم تداولها بشكل واسع، خاصة إذا كانت فيها بعض الانتقادات للسياسة المتبعة من قبل الحكومة، لكن قلة من المواطنين من يتوفر على دراية كبيرة بهذه الوثيقة، التي تهم تدبير الشأن العام طيلة السنة، علما أنها تشتمل إجراءات تظل سارية المفعول لسنوات، وأخرى تلغي تدابير سابقة أو تدخل عليها بعض التعديلات، ما يعكس أهمية مشاريع قوانين المالية. وتحاول «الصباح»، من خلال هذه الصفحة تقريب المواطن أكثر من قوانين المالية بلغة مبسطة. عبد الواحد كنفاوي ميزانية الدولة والأسرة ما المقصود بقوانين المالية؟ يعتقد عدد كبير من المواطنين أن الأمر يتعلق بالوثيقة التي تقدمها الحكومة قبل انتهاء السنة بسبعين يوما، وتهم ميزانية السنة المقبلة، والتي تحظى بمتابعة إعلامية، لكن، في الحقيقة قوانين المالية لا تعني، فقط، مشروع الميزانية الذي يقدمه وزير الاقتصاد والمالية ويتضمن الموارد التي تسعى الدولة إلى تحصيلها والنفقات التي تعتزم إنجازها خلال سنة معينة، ويصطلح عليه بقانون المالية للسنة، بل تشمل، أيضا، قوانين المالية المعدلة، التي تعدها الحكومة، في حالة جد مستجد وتطلب الأمر إدخال بعض التعديلات على الميزانية التي تم التصويت عليها، ثم هناك، أيضا، قانون التصفية، الذي يأتي داخل أجل أقصاه سنتين من إنجاز الميزانية السنوية، ليحدد حصيلة تنفيذها ومدى احترام مضامينها. لكن سنقتصر على قانون المالية للسنة، الذي يتضمن مختلف الإجراءات التي سيتم اتخاذها خلال السنة المعنية به، وهو بمثابة ميزانية تحدد المداخيل المتوقعة والنفقات التي سيتم أداؤها والالتزام بها في السنة ذاتها، على غرار مختلف الميزانيات الأخرى، مثل ميزانية الأسرة. وهكذا، وعلى غرار المناقشة التي تتم بين الزوج والزوجة حول المصاريف بناء على المداخيل المحصل عليه، فإن الحكومة والبرلمان يتفقان، أيضا، حول الموارد التي سيتم تحصيلها والنفقات المطلوبة خلال سنة معينة، وكما أنه لا يمكن الالتزام بنفقات لا تتحملها الأسرة، فإن الحكومة، أيضا ترفض أي مقترح يمكن أن يخل بالتوازن المالي للميزانية. المدخول والمصروف على غرار الزوجة التي تقدم لزوجها مبلغ الموارد اللازمة لتلبية حاجيات الأسرة، فإن الحكومة في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، تعرض على البرلمان الموارد التي يتعين تحصيلها لتغطية النفقات، وحددتها، وفق مشروع الميزانية المعروض، حاليا، على مجلس النواب، في 431 مليار درهم، بما في ذلك الموارد المحصل عليها من الاقتراض والتي تتجاوز 105 ملايير درهم. من أين يمكن تحصيل هذا المبلغ؟ على غرار السؤال الذي يمكن أن يطرحه الزوج على زوجته عندما تطالبه بمبلغ معين من المال، فيجيبها من أين يمكن تدبره، فالحكومة توضح للبرلمان أن القسط الأكبر من هذا المبلغ سيأتي من الاقتطاعات الجبائية، بما في ذلك الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة والرسوم الجمركية، إذ يحددها مشروع قانون المالية في 230 مليار درهم، تضاف إليها المداخيل غير الضريبية بقيمة 24 مليار درهم، وهذا ما يصطلح عليه في مشروع قانون المالية الموارد العادية للميزانية العامة، والتي تجمع بين الموارد الضريبية وغير الضريبية ذات الطابع القار المحدد في 254 مليار درهم، مثل أجر الزوج و الزوجة، إذا كانت الزوجة تشتغل، وبعض مداخيل الأسرة، المتأتية من مصادر أخرى غير الأجر، مثل موارد بعض الممتلكات العقارية التي تستفيد منها الأسرة أو أنشطة موازية للعمل الرئيسي. ومن أجل رفع هذه الموارد تقترح الحكومة، في مشروع قانون المالية إعادة النظر في بعض التدابير الضريبية، مثل التخلي عن العمل بالأسعار التصاعدية في الضريبة على الشركات، المعمول بها حاليا، إذ أن كل شطر من الأرباح الصافية يخضع لمعدل معين من الاقتطاع، لكن مع النظام المقترح في مشروع قانون المالية سيخضع مبلغ الأرباح بأكمله إلى معدل الضريبة المناسب له دون تقسيمه إلى أشطر، ما سيمكن من تحصيل أزيد من ملياري درهم إضافية. كما عمدت الحكومة إلى الزيادة في الضريبة الداخلية على الاستهلاك على عدد من المنتوجات إضافة إلى الرسوم الجمركية، التي ارتفعت على بعض مواد التجهيز المنزلي من 2.5 في المائة إلى 40، كما تقررت الزيادة في الرسوم المفروضة على التبغ المصنع، ما سيتيح لها تحصيل أزيد من 11 مليار درهم. وتقابل الموارد العادية للميزانية العامة، النفقات العادية، التي تشمل نفقات التسيير المتعلقة بالموظفين والمعدات والنفقات المختلفة التي تدخل في هذه الخانة، إضافة إلى التكاليف المشتركة، وهي الميزانية المخصصة لدعم الغاز والدقيق والسكر، إضافة إلى بعض النفقات المرتبطة بالتقاعد ونفقات أخرى ذات طابع خاص، علما أن القانون التنظيمي للمالية، وهو الذي يحدد الضوابط التي يجب التقيد بها في إعداد ميزانية الدولة، يحدد كل صنف من أصناف النفقات، وحددت الحكومة نفقاتها العادية في مبلغ يناهز 270 مليار درهم. ويلاحظ أن النفقات العادية تتجاوز الموارد العادية للميزانية العامة بما لا يقل عن 16 مليار درهم، أي أن الموارد العادية لا تكفي لسد النفقات، ما يتطلب تدبر المبلغ، على غرار ما يمكن أن يحدث للأسرة عندما تتجاوز نفقاتها المعتادة من مأكل ومشرب وتكاليف الماء والكهرباء والهاتف وتمدرس الأطفال مداخيلها القارة، فتلجأ حينها إلى الاقتراض أو تدبر المبلغ المتبقي من الأقرباء والأصدقاء أو بيع بعض تجهيزات المنزل غير الضرورية. وستلجأ الحكومة، أيضا، لسد هذا الخصاص إلى خوصصة بعض المقاولات العمومية، أي بيعها بالكامل أو نسبة من مساهمة الدولة فيها، التي تتوقع الحكومة أن تصل إلى 10 ملايير درهم، سيوجه نصف المبلغ إلى صندوق الحسن الثاني للاستثمار، والنصف المتبقي لتغطية نفقات الميزانية، إضافة إلى ذلك تلجأ الحكومة إلى آلية القروض قصيرة الأمد، التي لا يتم إدراجها في الميزانية. الاقتراض لنفقات خاصة تتضمن الميزانية، إضافة إلى الموارد والنفقات العادية، نفقات ذات طابع خاص، مثل نفقات الاستثمار، المخصصة لإنجاز البنيات التحتية وشق الطرق وبناء السدود وعدد من المشاريع الأخرى، قدرت الحكومة مبلغها الإجمالي بالميزانية العامة في 68 مليار درهم، إضافة إلى نفقات أداء الدين والفوائد التي ستصل إلى حوالي 90 مليار درهم، ومن أجل تغطية هذه النفقات ستقترض الحكومة أزيد من 105 ملايير درهم، علما أن القانون التنظيمي لا يسمح بأن تتجاوز اعتمادات الاقتراض النفقات المخصصة للاستثمار وأداء الدين العمومي. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى ميزانية الأسر، التي تقترض من أجل اقتناء مسكن أو سيارة أو تغطية تكاليف دراسة أطفالها، وتؤدي أقساطا شهرية لأداء ما بذمتها من قروض طيلة سنوات، ويصبح على الأسرة إعادة جدولة أولوياتها بما يسمح بتغطية أقساط القروض التي في ذمتها. مراقبة صرف الميزانية كما أن الزوج يقدم لزوجته مصروف الأسرة، فإن البرلمان، بعد مناقشة مستفيضة، يؤشر للحكومة بتحصيل الموارد وإنفاقها وفق البرنامج الذي تم التوافق عليه في مشروع قانون المالية، الذي يصبح إلزاميا بعد الحصول على موافقة البرلمان. ويمكن للبرلمان، على غرار الزوج مع زوجته، مساءلة الحكومة طيلة السنة، بواسطة آليات الأسئلة الشفوية والجلسات الشهرية، ومحاسبتها خلال تنفيذ الميزانية، ويمكن تعديلها، خلال السنة، بواسطة قوانين المالية المعدلة، كما حدث خلال 2020، عندما اضطرت الحكومة إلى إصدار قانون معدل يأخذ بعين الاعتبار تداعي الأزمة الصحية. وتعرض الحكومة داخل أجل لا يتجاوز سنتين قانون التصفية، الذي يحدد كيفية تنفيذ قانون المالية للسنة، إذ يتعين تقديم قانون التصفية 2021، داخل آجال أقصاها 2023، وتتم مناقشة هذه الوثيقة التي تحدد بدقة المصاريف والمداخيل، التي تم إنجازها خلال السنة المعنية. وهكذا يراقب البرلمان الحكومة مراقبة قبلية، بإخضاع مشروع قانون المالية للسنة للتصويت من قبل المؤسسة التشريعية، قبل أن يصبح ساري المفعول، كما أنه يمارس رقابة، خلال تنفيذ الميزانية، وبعدها، من خلال إلزام الحكومة بتقديم قانون التصفية ومناقشته والتصويت عليه، إذ تمثل المصادقة عليه بمثابة شهادة إبراء الذمة بالنسبة إلى الحكومة، ويوضح مدى احترام الحكومة لتعهداتها التي التزمت بها خلال تقديم مشروع قانون المالية. وتكون مناقشة قانون التصفية، الذي لا يحظى بمتابعة إعلامية واسعة، عكس قانون المالية للسنة، مناسبة لتقييم أداء الحكومة وقدرتها على تحقيق الأهداف المحددة. ويظل الفرق بين ميزانية الأسرة والدولة، في أن الأولى يكون من السهل على الزوج أو الزوجة أن يراقب مدى احترام الطرف المكلف بالتدبير بالتقيد بما سبق الاتفاق عليه في حينه، أما البرلمان فيكون عليه انتظار سنتين لمعرفة المعطيات النهائية، التي تضمنها الحكومة في قانون التصفية.

قانون المالية بكل بساطة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خمس سنوات لمقاول زور حكما

تصغير المعدة... "باي باي" السمنة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات