دروس الوحدة الوطنية

المغرب يعزز معركة الوحدة بمسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة بقلم: ذ. سعيد لحسايني(*) تحل يوم سادس نونبر ذكرى انطلاق المسيرة الخضراء، والتي أكد فيها المغاربة السيادة الوطنية على أراضي الصحراء المغربية. ويتزامن الاحتفال هذه السنة بالذكرى السادسة والأربعين لانطلاق المسيرة السلمية التحريرية، مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2602 المتعلق بتمديد ولاية بعثة "مينورسو"، واستئناف ستيفان دي مستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام لمهامه، وإعادة إطلاق المسلسل السياسي. سياق الذكرى تحل الذكرى السادسة والأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء يوم السبت 6 نونبر 2021 بعد أسبوع فقط على القرار الأممي رقم 2602، الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 31 أكتوبر 2021، والقاضي بتمديد ولاية البعثة الأممية لتنظيم الاستفتاء بالصحراء المغربية (المينورسو) لمدة سنة إضافية إلى غاية 31 أكتوبر2022، بعد أن صوتت لصالح القرار 13 دولة وامتناع كل من روسيا وتونس عن التصويت. وتضمن القرار تأكيد مجلس الأمن على سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي المقدمة في 2007، كما رحب مجلس الأمن الدولي بتعيين ستيفان دي ميستورا مبعوثا شخصيا للأمين العام إلى الصحراء، وحث على استئناف العملية السياسية، وإحياء المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة دون شروط، فيما أعرب عن قلقه إزاء انهيار اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 بين المغرب وبوليساريو، نتيجة الاستفزازات العسكرية لمليشيات المرتزقة. كما جدد مسؤولية الجزائر في إطالة النزاع في الصحراء المغربية، وكرسها طرفا رئيسيا في مسلسل التسوية النهائية بالمنطقة. وجاء القرار الأممي 2602 في ظل أجواء يسودها التوتر، بعد أن توعدت ميلشيات بوليساريو بالاستمرار في عملياتها الإرهابية، وخرقها لاتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، في تحد واضح للشرعية الدولية. كما يأتي القرار 2602 في ظروف دولية خاصة، ميزتها مجموعة من المستجدات والتحولات السياسية والعسكرية التي غيرت الوضع القائم، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الأراضي الصحراوية ، واعتراف العديد من دول العالم بعدالة قضية الصحراء المغربية، وسحب اعترافاتها بالجمهورية الصحراوية الوهمية، وفتح قنصلياتها بمدينتي العيون والداخلة، والإشادة بمقترح الحكم الذاتي، من دول أمريكا الجنوبية، التي كانت بالأمس القريب تساند الأطروحة الانفصالية لبوليساريو. كما يأتي تخليد الذكرى بعد تدخل الجيش المغربي في المعبر الحدودي للكركرات، وإنهاء عرقلة الحركة المدنية والتجارية بين المغرب وباقي دول إفريقيا، والإعلان الأحادي الجانب من قبل الجزائر بقطع كل العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع المغرب. إن مسيرة تحرير الأقاليم الجنوبية التي أبدعها الملك الراحل الحسن الثاني، تواصلت مع عهد الملك محمد السادس، الذي أطلق مسيرة تنموية في جميع المجالات، همت مشاريع مهيكلة للنهوض بالأقاليم الجنوبية، واكبتها نجاحات دبلوماسية كبرى إقليميا ودوليا. خطاب ملك إيمانا من الملك الراحل الحسن الثاني بالحل السلمي لاسترجاع الصحراء، وإنهاء الاستعمار الإسباني، طرح المغرب قضيته على هيأة الأمم المتحدة، فاعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 1974، بأن استمرار احتلال إسبانيا للأراضي المغربية في الصحراء، يدخل في إطار تصفية الاستعمار، ويهدد الاستقرار في المنطقة الغربية لشمال إفريقيا. وأمام تماطل الحكومة الإسبانية في تسوية الخلاف، تدخلت محكمة العدل الدولية في لاهاي بتاريخ 16 أكتوبر 1975، للبت في قضية الصحراء المغربية، وأعلنت أن القبائل الصحراوية المستقرة على أراضي الصحراء، تربطها علاقة بيعة وولاء مع السلطان المغربي، إبان فترة الاستعمار الإسباني، وطالبت بضرورة تطبيق القرار الأممي رقم 1514، المنبثق عن الدورة الخامسة عشرة، المنعقدة بتاريخ 14 دجنبر 1960، والمتعلق بإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وهو تأكيد دولي وقانوني للسيادة المغربية على الصحراء المغربية. وتزامن يوم 16 أكتوبر 1975، الذي أصدرت فيه محكمة العدل الدولية قرارها العادل مع إعلان الراحل الحسن الثاني في خطاب ألقاه من مراكش، عزم المملكة تنظيم مسيرة خضراء سلمية لاسترجاع الأراضي الصحراوية المغتصبة، ووضع حد للاستعمار الإسباني في الأقاليم الجنوبية. وجاء في خطابه "علينا اليوم أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. علينا أن نقوم بنظام وانتظام، لنلتحق بالصحراء، لنصل الرحم مع إخواننا في الصحراء"، وتطوع للمشاركة في المسيرة الخضراء أكثر من 350 ألف مواطن من مختلف مدن المغرب وقراه. ووجه الحسن الثاني، مبدع المسيرة الخضراء يوم 24 أكتوبر 1975، خطابا أكد فيه على سلمية المسيرة الخضراء، وبدد كل المخاوف، ودعا المعارضين للمشاركة في لم الشمل، والمساهمة في إنهاء مرحلة الاستعمار الإسباني بالمنطقة. مسيرة سلمية قرر الراحل الحسن الثاني، تنظيم المسيرة الخضراء للضغط على إسبانيا، وإجبارها على الانسحاب من الأقاليم الجنوبية الصحراوية، فوجه من أكادير خطابا يوم 5 نونبر 1975 للمشاركين، حدد فيه خطة تنفيذ المسيرة قائلا "غدا إن شاء الله ستخترق الحدود. غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة. غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم، وستلمسون رملا من رمالكم، وستقبلون أرضا من وطنكم العزيزة". وشدد على ضرورة الحفاظ على سلمية المسيرة، مهددا بالرد العنيف في حالة تعرض المتطوعين لاعتداء من جهة غدر الإسبان. انطلقت المسيرة الخضراء السلمية يوم 6 نونبر 1975، شارك فيها حوالي 350 ألفا من المغاربة، وشكلت النساء نسبة 10%، عزل مسلحين بالإيمان القوي لعدالة قضيتهم، حاملين المصاحف والعلم الوطني، واخترقوا الحدود الوهمية وتجاوزوا الأسلاك والمتاريس التي أقامها المستعمر، وثبتوا الأعلام الوطنية فوق البنايات الإدارية، دون مشاكل. وأمام هذا الوضع، عارضت إسبانيا التي أعلن مندوبها في مجلس الأمن عن زحف عسكري مغربي للأراضي الصحراوية، فحركت أسطولها البحري نحو السواحل الجنوبية، زاعمة صد العدوان العسكري المغربي على ممتلكاتها، وقام الجيش الإسباني بزرع الألغام المضادة للأفراد والآليات في معظم أراضي الصحراء المغربية. وحققت المسيرة نجاحا لافتا، ولقيت اهتماما دوليا كبيرا، وأتت بالنتائج المتوخاة وبالأهداف المنشودة، وأجبرت الحكومة الإسبانية على الدخول في مفاوضات ثلاثية الأطراف، ضمت المغرب وإسبانيا وموريتانيا، توجت بتوقيع اتفاقية مدريد يوم 14 نونبر 1975، والتي بموجبها اتفق الأطراف على انسحاب الإدارة الإسبانية من الصحراء نهائيا في 28 فبراير 1976، وتسليم الأرض للمغرب وموريتانيا، وهو ما أكدته الجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة، وضمن المغرب حقوقه السياسية والتاريخية على أقاليمه الصحراوية. استكمال الوحدة تأتي المسيرة الخضراء في إطار عملية استكمال المغرب لوحدته الترابية، والتي انطلقت مباشرة بعد حصوله على الاستقلال في مارس 1956، واسترجاع الأقاليم الشمالية في أبريل 1956، وطنجة في 1957، وطرفاية في 1958 وسيدي إيفني في 1969، لتستمر عمليات استرجاع الأقاليم الجنوبية للساقية الحمراء ووادي الذهب إلى حضن الوطن الأم. ونجح المغرب في استرجاع إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، لكن أعداء الوحدة الترابية للمغرب لم يستسيغوا الواقعة، فاحتضنت الجزائر عناصر مرتزقة، وساعدتهم على تأسيس جبهة بوليساريو، وأعلنوا عن قيام كيان وهمي في منطقة تندوف بأقصى الجنوب الجزائري، وشرع التنظيم في التحريض على حرب العصابات والقيام بأعمال عسكرية عدائية ضد المغرب. وأمام ذلك الوضع، قامت القوات المسلحة الملكية ببناء جدار أمني، جعل الأـقاليم الجنوبية في مأمن من الهجمات الإرهابية لعصابات بوليساريو، خاصة بعد تخلي النظام العسكري الليبي في 1984 عن الدعم الكبير لعناصرها، وانشغال النظام الجزائري بالحرب الأهلية وأزماته الداخلية، وقد أسهم كل ذلك في تقزيم أنشطة بوليساريو. إفريقيا وملف الصحراء تدخلت منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) للبحث عن تسوية عادلة لقضية الصحراء في المؤتمر التاسع عشر المنعقد بأديس أبابا في 1983. وبضغط من الجزائر وحلفائها، اعترف المشاركون بالجمهورية الصحراوية الوهمية، واعتبروها دولة مستعمرَة، الأمر الذي دفع بالمغرب إلى الاحتجاج على عدوانية القرار، وإعلان انسحابه من أشغال المؤتمر وتعليق عضويته. واستمر هذا الغياب إلى غاية يوليوز 2016 لحظة تخلي المغرب وتراجعه عن نهج سياسة الكرسي الشاغر، إزاء القضايا الإفريقية، فعاد إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، وأثارت عودته القوية ارتباكا لدى خصومه، واستطاع بها استرجاع مكانته عضوا فاعلا وفعالا في القضايا المصيرية المتعلقة بالقارة الإفريقية، وشكلت الزيارات الملكية للدول الشقيقة في إفريقيا بداية تلك العودة الناجحة. ملف حصري للأمم المتحدة منذ 1988 طرحت الأمم المتحدة حل الاستفتاء الذي كان سيؤدي إلى أحد الخيارين، تمثل الأول في انضمام منطقة الصحراء المغربية إلى الأراضي المغربية، وهو ما ترفضه عصابة بوليساريو وحاضنتها الجزائر، بينما الثاني سيؤول للانفصال عن المغرب، وتشكيل دويلة، وهو أمر غير مقبول نهائيا. ونجحت الأمم المتحدة في وضع ترتيبات تنظيم عملية الاستفتاء، التي قبلت بها أطراف النزاع، بدءًا بإقرار وقف إطلاق النار بين الجانبين في 1991 والاتفاقيات العسكرية ذات الصلة، والمتعلقة بتبادل أسرى الحرب. وبعد موافقة المملكة على تنظيم الاستفتاء، تشكلت لجان ضمت شيوخ القبائل الصحراوية من الطرفين، لتحديد هوية المشاركين في الاستفتاء، لكن حدوث خلافات حول لوائح الأشخاص الذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء أدى إلى تعطيلها، وتوقفت عمليات تحديد الهوية، وبقي ملف الصحراء لعقود يراوح مكانه بين التصعيد والتهدئة بين الأطراف المتنازعة. وفي 2002 ، طرح كوفي عنان، الأمين العام السابق، خيار التقسيم، على أن يكون للمغرب ثلثا أراضي الصحراء ولبوليساريو الثلث، فرفض المغرب المقترح. وفي إطار التزام المملكة بإيجاد حل سياسي نهائي للصراع المفتعل حول الصحراء المغربية، اقترحت السلطات المغربية بتاريخ 11 أبريل 2007 حلا سياسيا وواقعيا أطلق عليه "مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء". (*) دكتور باحث في التاريخ المعاصر بفاس

دروس الوحدة الوطنية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كورونا يجتاح غير الملقحين في أوربا

الحكومة تواجه "لوبيات" الصفقات

مقالات ذات صلة