ثورة الإعلام الرقمي رفعت حجم المخاوف من قدرته على القضاء على الصحافة الورقية الدكتور خالد الشرقاوي السموني * يشهد العالم اليوم ثورة هائلة للإعلام الرقمي. ثورة لها حجم ثورة الثورة الصناعية نفسها التي عرفتها أوربا. ثروة الإعلام مثل أي ثورة، لها أبعاد متعددة: بعد تكنولوجي، اقتصادي، اجتماعي، ثقافي، أخلاقي، سياسي... ومثل أي ثورة أيضا، فإنها خلقت المخاوف من قدرة هذا الإعلام الجديد على القضاء على الصحافة الورقية أو المكتوبة. فالصحافة الورقية صارت تواجه منذ نهاية القرن العشرين، أزمة حقيقية أخذت تتفاقم من سنة إلى أخرى في العديد من الدول، نتيجة ظهور شبكة الأنترنت وثورة الاتصال والمعلومات، حيث بدأ يتراجع نجم الصحف الورقية أمام الصحف الإلكترونية التي تتميز بسرعة نقلها للمعلومات، وإتاحتها للقارئ فرصة متابعة الأحداث لحظة حدوثها ونقل المعلومات بالصوت والصورة، في الوقت الذي تضطر فيه الصحيفة الورقية للانتظار 24 ساعة لطباعة خبر ما، فتفقد بذلك السبق الصحفي. وهذا ما جعل العديد من المؤسسات الصحفية تسعى إلى إنشاء مواقع إلكترونية لصحفها ومطبوعاتها الورقية. لقد أحدثت التطورات الكبيرة والمتلاحقة في وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، الكثير من المتغيرات والتحديات في المشهد الإعلامي، وساهم الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي، في تغيير أسلوب العمل الإعلامي التقليدي، والذي كان يعتمد على المؤسسات الإعلامية فقط مصدرا للمعلومة، ليصبح الآن يعتمد على تعدد المصادر، (يوتوب وفيسبوك وغوغل وإنستغرام ولينكد إن وغيرها من المنصات الإعلامية)، التي صارت تنافس كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية في إيصال المعلومة والخبر خلال ثوان قليلة. كما أتيحت للصحافيين العاملين في مجال الصحافة الرقمية مجموعة متنوعة من الوسائط، مثل الصوت والفيديو والتصوير الرقمي، مما يساعد على إبقاء القارئ على اطلاع على أحدث الأخبار والمعلومات، إذ لم يعد اليوم في حاجة لبذل الكثير من العناء لقراءة خبر أو البحث عن المعلومة، بعد أن أصبح بمقدوره تتبع كل ذلك بضغطة زر في بيته أو أي مكان آخر، من خلال الدخول إلى إحدى شبكات التواصل ك"تويتر" و"فيسبوك" و"يوتوب" وتصفح أحداث وأخبار دول العالم كل دقيقة. فضلا عن ذلك، فبفضل الثورة التقنية المتسارعة في عالم الهواتف الذكية، صارت الأخبار حاضرة في الهاتف الجوال المتصل عبر الأنترنت، ولم تعد المؤسسات الإعلامية التقليدية بحاجة ملحة إلى الصحفي لنشر البلاغات وانتظارها مدة من الوقت لوصولها إلى الرأي العام، إذ يكفيها نشرها على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي لتظهر في الحين. كما أن الشخصيات العمومية والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بعدما كانوا يرون في الصحافة الورقية وسيلة مهمة لنقل آرائهم إلى الجمهور عبر إجراء حوارات معهم، أضحوا اليوم قادرين على التواصل مع الرأي العام عبر منصاتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو على الأقل اللجوء إلى منابر الإعلام الإلكتروني. ولذلك، فإن الإعلام الرقمي كان له تأثير واضح على الكثير من المؤسسات الإعلامية التقليدية التي سارعت لتواكب ركب الانتشار الرقمي المتسارع من خلال صناعة محتويات رقمية واستخدام التطبيقات على الأجهزة الذكية واستغلال تكنولوجيا الاتصال الحديثة، حتى تضمن وجودها واستمرارها في المشهد الإعلامي ومواكبة المتغيرات في هذا المجال. ومع كل يوم، تزداد سيطرة الإعلام الرقمي كل ما زادت التحديات على المؤسسات الإعلامية التقليدية وعلى الصحافة الورقية، التي تسعى إلى البحث عن مساحة للاستمرار في العالم الرقمي، كما حدث مع عدد من الصحف اليومية. * أستاذ بكلية الحقوق بالرباط وبالمعهد العالي للإعلام والاتصال