“بؤرة” البيضاء … لا حياة لمن تنادي
أسواق مكتظة وتنقلات دون رخص ومخالطون يتجولون دون حسيب أو رقيب
لاشك في أن الانفلات الوبائي، الذي تشهده العاصمة الاقتصادية منذ أسابيع، ليس محض الصدفة ولا وليد اللحظة، بل نتاج حالة من الاستهتار الجماعي والإسهاب في الخطابات الحكومية، دون فائدة ترجى. ولعل أدرى المواطنين بأحوال شعاب البيضاء، أهلها، ما يجعلهم أكثر اطلاعا على مظاهر الفوضى التي تعرفها فضاءاتها العمومية، والأشد يقينا بأن مضامين البلاغات الحكومية المعلنة
لحصر انتشار عدوى الفيروس التاجي القاتل، ليست سوى ذر للرماد في الأعين.
تتعدد مواطن الخلل والقصور في الإجراءات المتخذة لمواجهة تفشي الفيروس التاجي بالبيضاء، أولها عدم الحرص على تطبيقها، وخير دليل على ذلك، تراخي قوات تطبيق قانون حالة الطوارئ في تنزيل مقتضياته بالأسواق والأحياء الشعبية، ما فتح الباب للتسيب بكل أنواعه.
منع التنقل… الكذبة الكبرى
تنص التدابير المعلن عنها لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد بالبيضاء، على منع جميع أشكال التنقل الليلي، ما بين الساعة 9 مساء و6 صباحا، باستثناء التنقلات لأسباب صحية ومهنية، بينما عاينت “الصباح” تجمعات ليلية لمواطنين في عديد من الأحياء الشعبية، كدرب السلطان والألفة والمدينة القديمة، حيث لا تخلو الأزقة من سكانها ولا الحدائق العامة من محبي الفسحات الليلية.
من جهة أخرى، تؤكد الداخلية على إلزامية التوفر على رخص استثنائية للتنقل من البيضاء وإليها، بينما تستمر سيارات الأجرة الكبيرة في نقل المواطنين إلى مدن، كبوزنيقة والمحمدية وغيرها، دون مساءلتهم من قبل أفراد الدرك والشرطة عما إذا كان الركاب يتوفرون على رخص تنقل استثنائية أم لا، بل يمرون مرور الكرام بجانب السدود القضائية، التي تم نصبها لهذا الغرض، وكأنهم يتمتعون بحصانة من نوع ما، تجنبهم المراقبة دون باقي السيارات.
إغلاق الأسواق… “كلها يلغي بلغاه”
حددت الحكومة، في بلاغها الأخير، الثالثة بعد الزوال موعدا لإغلاق أسواق القرب، لكن الداخلية كان لها رأي آخر، إذ قررت السلطات المحلية بمنطقتي الحي الحسني والألفة العمل بتوقيت جديد يقضي بإغلاق أسواق القرب الجماعية على الساعة السادسة مساء، وهو الفارق الزمني الكفيل بمضاعفة العدوى المحتملة داخل هذه الفضاءات، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاكتظاظ اليومي، الذي تشهده، في غياب أي تدخل لفض التجمعات أو ردع خارقي الطوارئ.
وفي جولة قامت بها “الصباح” داخل بعض أسواق المنطقتين المذكورتين، وتحديدا السعادة (ولد مينة) و”دلاس” و”الزبير”، وقفنا عند خروقات بالجملة في ما يتعلق بمنع التجمعات والالتزام بوسائل الوقاية والتباعد وارتداء الكمامات، إلى جانب مظاهر المصافحة والمعانقة والتقبيل، وفوضى الباعة المتجولين الذين يغزون الشوارع لساعات متأخرة من الليل، دون مسائل، كما هو الحال بالنسبة إلى شارع أم الربيع بالألفة.
ولعل إحدى المفارقات العجيبة والمؤسفة في الآن ذاته، أن خطورة الأوضاع الصحية بالعاصمة الاقتصادية، صارت على لسان كل بيضاوي كيفما كانت مكانته الاجتماعية، لكن جلهم يكتفون بالتحسر على الواقع دون المساهمة في تغييره، ولو بمبادرات فردية أقل ما تكون التزامهم بالتدابير الاحترازية المعمول بها للحد من انتشار العدوى، بل إن عددا منهم يكتفون بإلقاء اللوم على الحكومة والسلطات في التساهل مع تجمع العامة، ثم يتجولون مزيحين كماماتهم عن وجوههم ويتجمعون حول أول بائع متجول يعرض بضاعة بثمن بخس.
المخالطون… الطامة الكبرى
أكد بعض المواطنين، في حديثهم مع “الصباح”، أن عددا من المصابين في محيطهم لا يحترمون تعليمات الحجر المنزلي، ويتجولون داخل الأحياء السكنية دون حسيب أو رقيب، بل إن بعضهم يخفون إصابتهم ويكذبون بشأنها مدعين أن تقهقر حالتهم الصحية يتعلق بنزلة برد لا غير، ناهيك عن المخالطين الذين لا تتم مساءلتهم ولا إجراء التحاليل لهم، ما ساهم بدرجة كبيرة في انتشار فيروس كورونا في صفوف البيضاويين، على حد قولهم.
من جهتها، سجلت العديد من الفعاليات الحقوقية تراجعا في القيام بحملات التوعية والتحسيس بخطورة الوباء، مع تقاعس السلطات المحلية في فرض التدابير الصحية داخل الأسواق والأحياء الشعبية، مع التساهل مع المخالفين والمستهترين بإجراءات الوقاية الصحية، وهو الأمر الذي ينضاف إلى جملة الاختلالات، التي ساهمت في تقهقر الوضعية الوبائية لأكبر مدينة في المملكة، عملا بالمثل القائل “إذا عرف السبب بطل العجب”.
يسرى عويفي