قراءة في تركيبة الهيأة العليا لإصلاح العدالة

غابت عبارة "هيأة ملكية" انسجاما مع الدستور الجديد وضمت حساسيات سياسية متباينة تضم اليساري والإسلامي المحافظ شكلت تركيبة الهيأة العليا لإصلاح العدالة نوعا من القطيعة مع اللجان الملكية السابقة، فمن ناحية الشكل يلاحظ أنه لا يتعلق الأمر ب"هيأة ملكية" كما كان الشأن في عدد من الهيآت واللجان الاستشارية الملكية السابقة بل هيأة عليا وطنية، ويأتي ذلك تفعيلا لمضامين الدستور الجديد الذي جعل من القضاء سلطة مستقلة. رغم أن الملك يظل رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، و"ضامنا لاستقلال القضاء وساهرا على احترام الدستور وحقوق وحريات الأفراد والجماعات»، كما جاء في خطاب تنصيب أعضاء الهيأة الجديدة، إذ استعمل الملك مفردات تنهل من الطابع المدني للدولة ولا تحيل على الشرعية الدينية، علما أن صدور الأحكام باسمه كان يقرأ على أنه يدخل ضمن وظائف الإمامة التي يضطلع بها أمير المؤمنين في صون حقوق رعاياه، وهو ما كان مبعثا للجدل إبان النقاش الدائر حول إصلاح الدستور في عز الربيع العربي، إذ طالبت هيآت سياسية ومدنية بأن تصدر الأحكام باسم الدولة، تفاديا لكل ما من شأنه المساس برمزية المؤسسة الملكية ومكانتها التي تجعلها بعيدة عن كل تداخل بين السلطة التنفيذية وباقي السلط، كما تجعل من الملك في وضع حيادي، منزها عن كل أشكال الصراع السياسي والمجتمعي الذي لم يكن القضاء في وقت سابق ببعيد عنه، إلا أن المؤسسة الملكية تعد من وجهة النظر هذه، حكما حاسما حازما حين يلجأ إليها لطلب التحكيم في قضايا تعد محط نزاع يهدد وحدة المجتمع واستقرار الدولة، كما كان الشأن عليه بالنسبة لمدونة الأسرة وغيرها من القضايا المصيرية التي ترهن مصير الدولة والمجتمع معا، ولا يمكن تصنيفها ضمن خانة الأغلبية والمعارضة.إلا أن مجرى النقاش انتهى إلى أن تظل الأحكام تصدر بإسم جلالة الملك ويعترف للقضاء بصفة السلطة، ويظل الملك رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، باعتبار أن ورش إصلاح العدالة لن يكتب له النجاح، حسب عدد من المتدخلين في القطاع، إلا بإشراف ملكي وازن من شأنه فسح المجال أمام تعدد الآراء والمواقف بين الفرقاء السياسيين والمدنيين للمساهمة في إنجاز ورش إصلاح العدالة طبقا لانتظارات كل الفئات الاجتماعية والحسياسيات السياسية، المحافظة منها والحداثية، بعيدا عن المنطق التحكمي الضيق، الذي يجعل من هذا الورش محورا، فقط، ضمن محاور البرنامج الحكومي، فالمقاربة التشاركية هي التي تحكمت في ضم الهيأة العليا لإصلاح العدالة مختلف أطياف المجتمع المدني والحقوقي والسياسي وباقي مكونات العدالة، من قضاة، وجمعيات مهتمة تضم اليساري واليميني والإسلامي والحداثي الديمقراطي...، فبغض النظر عن التركيبة المهنية لمكونات الهيأة، وحضور مختلف المجالس الوطنية، مجلس المنافسة والمجلس الوطني حقوق إنسان فضلا عن الوكالة المستقلة لمحاربة الرشوة...، فيها، إلا أن مسارات الوجوه التي ترأسها متباينة وتتعارض في الكثير من الأحيان من حيث المرجعية الفكرية والإيديولوجية، إذ تحضر فعاليات كانت محسوبة سابقا على اليسار الماركسي اللينيني، وأخرى تنتمي إلى الطيف الإسلاموي أو متعاطفة معه، من قبيل العدالة والتنمية والعدل والإحسان، كما تحضر فعاليات اتحادية ويسارية «جذرية» إضافة إلى وجوه مقربة من أحزاب اليمين أو تقنقراطية مستقلة مقربة من الدولة. رشيد باحة

قراءة في تركيبة الهيأة العليا لإصلاح العدالة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تراجع التونسي عن تصريحاته وراء تسريح القاضي

قراءة في تركيبة الهيأة العليا لإصلاح العدالة

مقالات ذات صلة