جسور الثقة

يدعو الوضع العام في البلاد إلى مزيد من القلق ويبعث الريبة والشك في أكثر النفوس اطمئنانا وتفاؤلا بمغرب، اعتقدنا جميعا أنه قطع الأهم خلال السنوات الماضية، لكن العجلة لا تلبث أن تعود إلى الوراء. فهناك إحساس مشترك لدى أغلبية المواطنين، ومعهم نخبة من الإعلاميين والمثقفين والمفكرين، أن قافلة الوطن على وشك التوقف، بسبب العواصف والزوابع المتناثرة هنا وهناك، أو تاهت عن الطريق في أحسن الأحوال، بعد أن أضاع عدد من المسؤولين البوصلة، وفقدوا التركيز والقدرة على "الرؤية" الصحيحة وسط وتيرة متسارعة من الأحداث لم تترك لأحد فرصة التقاط الأنفاس. وإذا كنا لا نتفق مع القائلين إن البلاد وصلت فعلا إلى مفترق الطرق، فإننا نكاد نجزم أن شقوقا بالغة أصابت جسور الثقة بين المواطنين والدولة، لاعتبارات وأخطاء مشتركة مختلفة على مدى أشهر، وعلى الجميع أن ينكب، اليوم، على إعادة الترميم والبناء وتقوية الدعامات وتصليب الأسس قبل فوات الأوان. ولعل أهم خطوة في هذا الاتجاه أن يقتنع الجميع أنه يعيش في دولة لها قوانينها وضوابطها وأعرافها وتوافقاتها العامة التي لا يمكن العبث بها، أو اللعب بها تحت أي مسمى. وكما نستمر في الضغط على المسؤولين بأداء واجباتهم الموكولة إليهم في الدولة والحكومة والبرلمان والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والقضاء والجماعات والمجالس والغرف والهيآت في إطار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فكذلك لا يمكن التسامح مع تحقير القانون والتمرد عليه من قبل مواطنين وأشـخاص لا يروقهم ذلك. إن انهيار الدول والكيانات الكبرى، أو الدخول في دائرة الدول الرخوة، يبدأ أساسا من وجود أشخاص، بانتماءات ومراكز مختلفة، يعتقدون أنهم فوق القانون ويتعاملون بانتقائية مع النصوص والأحكام والمواد، فيختارون منها ما يروق مزاجهم في لحظة معينة، ويسفهون ما يعتبرونه ضد مصالحهم. فالاقتناع بوجود قوانين تنظم شؤون البلاد والعباد، وبوجود مؤسسات دستورية تشرف على وضعها وطرق ومساطر قانونية لتغييرها والتشريع فيها، يعتبر أهم خطوة في إعادة بناء جسور الثقة بين الدولة والمجتمع، وبغيره، سنحكم على أنفسنا بالدوران في الحلقة المفرغة نفسها، إلى ما لا نهاية، وربما قد نتوقع نتائج أسوأ. بالقدر الذي يجب على السلطات التنفيذية أن تتحمل مسؤوليتها والاضطلاع بواجباتها في توفير أساسات العيش الكريم للمواطنين وبذل مجهودات كبرى في العرض الاجتماعي والاقتصادي ورفع وتيرة الأداء والجودة في الصحة والتعليم والشغل والقضاء وتحصين المكتسبات، فعلى المواطنين أن يرتقوا إلى دقة المرحلة التي تمر منها البلاد وألا يمنحوا فرصة من ذهب للخصوم من أجل العبث باستقرارها وأمنها وتماسكها ووحدة مكوناتها. إن ورش إعادة بناء الثقة مسؤولية الجميع، الآن وهنا، من أجل وطن لكل أبنائه وحساسياته واختلافاته، وبكل غناه الفكري والسياسي والعقدي، دون تخوين أو تشكيك أو تفريط في أحد. فوحده التاريخ سيفضح المتخاذلين والمتآمرين، ووحدها "مزبلته" ستحتضنهم.

جسور الثقة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإشاعة ... تصفية حسابات اقتصادية

الإشاعة ... حرب جديدة

مقالات ذات صلة