“ولد الفشوش”

أعاد حكم البراءة الصادر عن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط، قضية حمزة الدرهم إلى نصابها القانوني والقضائي الصرف، بعيدا عن ضغط الشارع والمحاكمات الشعبية والأحكام الجاهزة التي صدرت عن "قضاة" مواقع التواصل الاجتماعي، وأثرت، بهذا الشكل أو ذاك، على حكم بالإدانة بالحبس النافذ والغرامة الصادر في ماي 2017. فمنذ انتشار مقاطع من الفيديو لشاب ارتكب حادثة سير ويتحدث مع رجل أمن، تحول ملف حمزة، إلى قضية رأي عام، فقط لأنه ينتمي إلى أسرة معروفة ويملك سيارة فاخرة وتظهر عليه علامات ثراء، علما أن مئات حوادث السير تحدث سنويا في المغرب وتقع على هامشها شجارات وملاسنات بين أصحاب السيارات والعناصر الأمنية المكلفة بإجراءات تحرير محاضر المعاينة، دون أن يسمع بها أي أحد، أو تصدر في شأنها أحكام قضائية "مثيرة للانتباه". وفي وقت كان من المفروض أن تأخذ المساطر القانونية مجراها في حدود الوقائع الموجودة بين يدي السلطات المختصة، نُصبت لـ "المتهم" مشانق في مواقع التواصل الاجتماعي ونظمت محاكم تفتيش في سيرته وحياته وحياة أسرته ومصدر ثرائها وعلاقاتها وذلك بكثير من الاستهجان والتجريح والتشويه، قبل أن يخلص قضاة "فيسبوك" إلى أن هذا الشاب لم يفعل ما فعله إلا لأنه "ولد الفشوش"، أو لأنه "طفل معرفوش والديه يربيوه". وكاد الرأي العام الوطني ينسى الاسم الحقيقي للمتهم (حمزة الدرهم)، بعد أن انتشر اسمه "الجديد" مثل النار في الهشيم، بكل حمولاته الرمزية والاجتماعية التي تذكي حقدا طبقيا على المعني، وتضغط في اتجاه تكوين "قناعة مشتركة" بأن الشاب تصرف بتلك الطريقة في الفيديو، لأنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب. ولاحظ الجميع أن التحقيقات التي بوشرت والمحاضر، التي أنجرت وراء هذه "القناعة المشتركة"، وهي القناعة التي خيمت على أجواء جلسات المحكمة الابتدائية التي أصدرت أحكاما بالحبس سنتين نافذتين في حق المتهم الأول وشقيقه، وأيضا إدانة ضابط أمن ومفتش شرطة بتهمة تزوير محاضر المعاينة، وسط ابتهاج وتأييد في أوساط نشطاء المواقع الافتراضية. في المرحلة اللاحقة، كان لا بد للملف أن يعود إلى وضعه الطبيعي والعادي، بعد أن خف الضغط نسبيا عن "ولد الفشوش"، وهو ما استشعرته هيأة المحكمة التي كان لها متسع من الوقت (بين ماي 2017 ويونيو 2018) لفحص جميع الأدلة ومراجعة المحاضر ومقارنة وسائل الإثبات والنفي، قبل المرور إلى تكوين قناعة في الصميم وفق الوقائع والحيثيات المعروضة أمامها. الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف، انتصر لقرينة البراءة، كما انتصر لقاعدة أن "الشك يفسر لصالح المتهم"، وقاعدة مفادها أن القاضي لا يحكم بعلمه بل يحكم بما توفر له من وثائق وراج أمامه من إثباتات وإثباتات مضادة، بعيدا عن أي نوع من أنواع الضغوط الخارجية. قد يخطئ القاضي مرة حين يمتع مدانا بصك براءة، لكن قد يخطئ مئات المرات إذا زج ببريء في السجن، لا لحجة مقنعة، بل فقط لأن "شعب فيسبوك" أراد ذلك.

“ولد الفشوش”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

10 سنوات لمغتصب معاقة

القابـض السابـق للجمـارك أمـام العدالـة

مقالات ذات صلة