قــطــر…الإمــارة الــشــرهـــة

دورها الإقليمي والدولي يتعاظم يوما بعد يوم وحضورها يتعزز في كل الميادين دويلة صغيرة تقع في منطقة ما من الصحراء العربية، في شرق أوسط يتسم بالاضطرابات وعدم الاستقرار، لكن في العالم أجمع، من السفارات إلى المتاحف والاجتماعات المغلقة فملاعب كرة القدم، أصبح اسم إمارة قطر يكبر، ويلمع ويتخطى الحدود. خلال عشر سنوات، أصبحت الإمارة الخليجية حاضرة في كل مكان، وكل الطرق تؤدي إلى الدوحة: بطولة الألعاب العربية، المنتدى العالمي للبترول، قمة الدول المصدرة للغاز، القمة العالمية حول الابتكار في مجال التربية، المنتدى الرابع للأمم المتحدة حول تحالف الحضارات...وغيرها من الأحداث التي احتضنتها قطر خلال أربعة أشهر الأخيرة من 2011.تحولت قطر من قرية صغيرة لصيادي السمك في بداية القرن الماضي، إلى حاضرة كبرى حديثة في الألفية الجديدة، يرسم ملامحها أشهر المهندسين المعماريين في العالم. في محيط العاصمة، هياكل وأجهزة كبرى تزيل المرتفعات الصغيرة وتسوي الأرض: يتعلق الأمر بمدينة جديدة ترى النور في قلب الصحراء. في مدخل السياج الذي يحيط بموقع الأشغال، علقت لافتة مكتوب عليها "لوسيل سيتي: الرؤية تتحقق. وعهد جديد ينطلق". على بعد بضعة أمتار من هنا، يقع الأرخبيل الصناعي"اللؤلؤة"، الذي يبدو كسراب من المعدن والإسمنت. أما متحف الفن الإسلامي، المعلمة المميزة للمدينة، فهي من تصميم الأمريكي من أصل صيني ليو مينغ بي، المهندس المعماري لهرم متحف "اللوفر" الفرنسي. الدوحة تسعى إلى أن تكون "أثينا" الجديدة، الراعية والمحبة للفنون والرياضة والثقافة والتربية.السر وراء هذه الثروة الهائلة، هو الاحتياطي الثالث عالميا للغاز الذي تختزنه شواطئها، والذي يجعل من قطر قوة مالية كبرى. لكن الاسم الذي وقع به هذا النجاح، هو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي جاء إلى العرش في 1995، بعد انقلاب على والده الذي كان في سفر حينها، واستطاع منذئذ، بفضل نظرته المستقبلية الثاقبة، أن يؤمن مستقبل البلاد من خلال تطوير تقنية الغاز المسال، من أجل تصديره إلى العالم أجمع، لكن الهوس الأول للأمير حمد كان وضع بلده في قلب الحراك العالمي، ولفت الاهتمام إليها. عندما كان ما يزال أميرا شابا، وجه إليه موظف في مصالح الهجرة البريطانية سؤالا "لكن، أين توجد قطر؟"، منذئذ، تمنى الأمير أن لا يجهل أحد موقع بلده.تمثلت خطته في تسويق صورة معينة لقطر في العالم. وبما أن هذه الصورة لا يمكن أن تكون لبلد قوي عظيم، كان توجه الأمير نحو "القوة اللطيفة"، أي التأثير، وذلك من خلال قناة الجزيرة، التي شكلت سلاحا إعلاميا قويا. هناك أيضا سلاح آخر يتمثل في الشيخة موزة، الجميلة و"العصرية على الصيغة الإسلامية"، الزوجة الثانية للأمير، التي تقدم إلى الرأي العام الدولي صورة جذابة للإمارة الخليجية. هذه السياسة التسويقية أعطت أكلها، وأصبحت قطر حاضرة في كل المحافل والأحداث. كل هذا من أجل إيجاد موطئ قدم للبلد أمام سطوة دول كبرى تحيط به مثل المملكة العربية السعودية وإيران، مع الاختلاف في العلاقة مع كل من البلدين. فمشكل الحدود مع السعودية تم حله في 2008، لكن أمير قطر لم ينس أن ملك السعودية يعتبر نفسه سيد حكام الخليج، ولم يعجب بالطريقة التي وصل بها أمير قطر إلى الحكم. أما إيران، فسوء العلاقات بينهما مرتبط أساسا بتقاسم احتياطي الغاز الواقع على الحدود بين البلدين.ومن أجل حماية نفسها، عملت قطر على ربط علاقات وتحالفات مع عدد من القوى العالمية، لكي لتصبح مركزا هاما في العالم، ولا يكون هذا الأخير غير مبال تجاهها في حال تعرضت لأي هجوم، ومن هنا، تم نقل القوات الأمريكية من المملكة العربية السعودية إلى قاعدة العديد بقطر سنة 2003. وفي الجانب الاقتصادي، استثمرت الإمارة في الشركات الكبرى متعددة الجنسيات والمجموعات القابضة (الهولدينغ)، وأصبح "جهاز قطر للاستثمار" من أكبر المجموعات في الخليج، لها مساهمات في مختلف أنحاء العالم، من قطاع الاتصالات إلى البترول والبيئة والسيارات والرياضة...دبلوماسية "الهاتف المفتوح"النشاط الديبلوماسي الملحوظ جعل أيضا من الإمارة الصغيرة فاعلا أساسيا على الصعيد العالمي. وقبل أن تكون لها اليد الطولى في الثورات العربية الأخيرة، لعبت قطر دور الوسيط في عدد من النزاعات، ونهجت سياسة ما يعرف بدبلوماسية "الهاتف المفتوح". والأمثلة في هذا الصعيد كثيرة، منها الوساطة الفلسطينية الإسرائيلية والفلسطينية الفلسطينية، واللبنانية اللبنانية، وفي أفغانستان وليبيا وغيرها. "يتمتع القادة القطريون برؤية وموقف استراتيجي أبعد وأكثر تقدما مما يتوفر عليه باقي القادة العرب. إنهم يتخذون مجازفات أكثر، لكنها محسوبة"، يقول محمد فاعور، محلل في مركز "كارنيجي للشرق الأوسط"."لكن الدور القطري العالمي لم يبرز إلا في الاحداث العربية الأخيرة"، كما يؤكد سمير فرنجية، المثقف اللبناني. فبعد فوز حزب النهضة الاسلامي التونسي في الانتخابات الأخيرة، كانت زيارة رئيسه راشد الغنوشي الأولى إلى الخارج، إلى العاصمة الدوحة. في ليبيا، كانت قطر أول دولة اعترفت بالمجلس الانتقالي، وفي سوريا، دفعت ليبيا الجامعة العربية إلى عزل وفرض عقوبات على نظام بشار الأسد. لكن الجزيرة، قناة "الربيع العربي"، كانت الوسيلة التي استعانت بها قطر للتأثير على مجرى الأحداث. وأدت هذه التحولات إلى إظهار مدى تناقض السياسة القطرية، عندما انتقلت حمى الاحتجاجات إلى جارتها البحرين، فسارع الأمير بإلحاق قواته بقوات مجلس التعاون الخليجي من أجل الدفاع عن العاهل البحريني المهدد في عرشه.الشيخة موزة... الصورة الجذابة للإمارةابنة معارض، وزوجة الأمير، أنيقة، منخرطة في الحياة العامة...وسيدة أعمال ناجحة. تتمتع الشيخة موزة بتأثير كبير في مختلف جوانب الشؤون العامة في بلدها. يحكى أن العروس كانت حزينة، في أحد أيام 1977، عندما كانت ستزف زوجة ثانية إلى الأمير حمد ابن خليفة آل ثاني. يبدو أن الشابة القطرية، الحاصلة على شهادة في علم الاجتماع، كانت تفكر في والدها، ناصر المسند، أحد وجوه المعارضة الإصلاحية، الذي سجن ثم أبعد من طرف الشخص الذي سيصبح زوج ابنته. وكما في الروايات الشرقية، فإن الشابة الجميلة منحت في إطار اتفاق يهدف إلى مصالحة العائلتين المتخاصمتين.جففت الشيخة موزة دموعها وقررت مواجهة واقعها الجديد بكل قوة. هذه المرأة التي تعتبرها مجلة "فوربس" المرأة العربية الأكثر تأثيرا تظهر الكثير من التوافق مع زوجها، وتتحدث دائما بصيغة الجمع "نحن" وليس المفرد "أنا". انطلقا معا لتحقيق هدفهما بتطوير الإمارة الصغيرة. "عشت مع زوجي أكثر مما عشت مع أهلي. أعيش معه، أشاطره مخاوفه، آماله وأحلامه للبلد. نحن نعتقد أنه يجب التخطيط لمشاريع كبرى وليس الاكتفاء بلعب دور تحكيمي. من واجبنا التحرك في اتجاه تحقيق الأشياء"، صرحت الشيخة لمجلة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية.أنيقة ومتعالية، تضع على رأسها وشاحا صغيرا. تعتبر الشيخة موزة عامل سحر في هذا الثنائي، الذي يثير الاعجاب والإزعاج على حد سواء. ففي الوقت الذي تسحر فيه الشركاء الأجانب ومجلات المشاهير، فإنها تثير حنق المحافظين القطريين، بسبب توجهاتها التي تعتبر ليبرالية وإطلالاتها العامة، والتي أصبحت أخيرا أقل من السابقة، كما أصبحت أكثر محافظة في ملابسها.تأثير الشيخة موزة على زوجها لا يخفى على أحد، بل إنها تتهم بأنها كانت وراء الانقلاب الذي قاد زوجها إلى الحكم في 1995. ومواقفها من مكانة المرأة، تزعج التيارات المحافظة في البلد، خصوصا في ما يتعلق بقانون الأسرة الذي اعتمد سنة 2006.أم لسبعة أبناء من بين 27 ابنا للأمير، منهم ولي العهد الشيخ تميم (31 عاما)، تتمتع الشيخة موزة بثقل سياسي واجتماعي كبيرين. فهي رئيسة المجلس الأعلى للشؤون الأسرية، ونائبة رئيس المجلس الأعلى للتربية، وسفيرة "اليونيسكو"، كما أنها على رأس مؤسسة قطر، التي تستثمر في عدد من القطاعات التربوية والثقافية والفنية والرياضية. قطر والمغرب العربي في 14 يناير الماضي، حل الأمير حمد بن خليفة ال ثاني بتونس في إطار الاحتفالات بالذكرى الأولى للثورة. استقبل الأمير بمظاهرات بسبب قربه من حزب النهضة، بينما كان الضيف المدلل للسلطات التونسية. والسبب هو الاتفاقيات التي تم توقيعها أثناء هذه الزيارة، والتي تهم تمويل عدد من المشاريع، بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه قطر لأهالي الشهداء ومصابي الثورة. مكن قربها من حزب النهضة قطر من التغلغل في النسج الاقتصادي التونسي، إذ حصلت في 2011 على 75 في المائة من رأسمال شركة الاتصالات "تونيزيانا"، بينما تم استرجاع ال25 في المائة المتبقية، التي كانت في يد صهر بن علي، من طرف الدولة التونسية.بالنسبة إلى الجزائر، فإن العلاقة بين البلدين تتسم بالتنافسية بسبب قطاع الغاز الطبيعي، خصوصا على السوق الأوربية، كما أن موقف قطر من الثورات العربية يبدو وكأنه أزعج الجزائر. في 18 ماي 2011، لم يمض الأمير القطري أكثر من 24 ساعة في الجزائر، في زيارة اتسمت بالسرعة والتكتم.على الصعيد الاقتصادي، حصلت قطر في 2007 على 80 في المائة من الفاعل في مجال الاتصالات "نجمة"، التي شكلت البداية لمجموعة من الاستثمارات الأخرى في الجزائر.وفي 24 نونبر الماضي، صافح الملك محمد السادس الأمير القطري بحرارة في مطار الرباط. البلدان يبدوان عازمين على إعادة إحياء العلاقات من جديد، بعد الركود الذي أصابها، إذ رفض الملك الحسن الثاني انقلاب الأمير على والده، كما أن خطاب قناة الجزيرة ساهم في تأزيم العلاقات الثنائية، خصوصا بعد إقفال مكتبها بالرباط، رغم أنه تم الترخيص أخيرا لصحافييها بالعمل في المغرب. يصب اهتمام البلدين خصوصا على العلاقات التجارية التي لا تتجاوز 50 مليون أورو في السنة. ويتضمن برنامج تعزيز العلاقات الاقتصادية إنشاء شركة مشتركة للاستثمار والتعاون في المجال السياحي. تعتزم الدوحة أيضا إقامة بنكين إسلاميين عبر "قطر إنترناشيونال إسلاميك بانك"، كما يهدف بنك قطر الوطني إلى اقتناء حصة من رأس مال "التجاري وفا بنك". في قطاع العقار، تسعى قطر إلى تمويل إنشاء حديقتين للملاهي في طنجة، وأيضا في مراكش، حيث استقبل الأمير والشيخة موزة السنة الجديدة. صفاء النوينو بتصرف عن "جون أفريك"

قــطــر…الإمــارة الــشــرهـــة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاتفاقية الفلاحية... المضار والمنافع

البكوري يفشل في أول مهمة حزبية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات