نقابات من زجاج!

ما معنى أن ترفض مركزيات نقابية فتح مقراتها وعرض وثائقها المالية والمحاسباتية ومصاريفها وأوجه التصرف في المال العام في وجه قضاة المجلس الأعلى للحسابات؟ وما هي الرسالة التي تريد هذه الهيآت بعثها إلى المؤسسات الدستورية أولا، والحكومة ثانيا، وقواعدها ثالثا، باعتراضها على تنزيل بند الرقابة المالية على الدعم العمومي؟ وكيف تعتبر هذه النقابات التفتيش في ماليتها خطا أحمر، في وقت تطالب الآخرين بقواعد الشفافية والنزاهة وترفع شعارات محاربة الفساد؟ وأخيرا، كيف لها أن تقنعنا، بعد الآن، بـ"مشروعية" ملفاتها المطلبية؟ أسئلة وأخرى كان ينبغي أن نطرحها، بكل هذه القسوة، بعد توالي تصريحات قياديين في مركزيات نقابية يعترضون على بعض بنود "مشروع قانون النقابات المهنية"، الذي أضحى موضوعا لابتزاز واضح سواء من قبل: - الحكومة التي تشهره في وجه "الشيوخ الزعماء" لتذكيرهم بانتهاء "صلاحيتهم" وعدم مشروعيتهم في قيادة النقابات، بعد إحالتهم على التقاعد، كما تذكرهم أن هناك أموالا عمومية معلقة "في ذممهم" عليهم أن يعرضوها على الحساب قبل الرحيل. - أو من قبل النقابات نفسها التي تعتبر أن أي تنظيم للعمل النقابي المهني وتقنينه وضبط حدوده وقواعده، هو استهداف لمطالب الطبقة العاملة، وتحايل وتعطيل مقصود للاستجابة لملفاتها الاجتماعية المعلقة، خصوصا الزيادة في الأجور، ورفع التعويضات، وتسوية ما تبقى من التزامات معطلة منذ 2011. لكن بغض النظر عن "نوايا" الحكومة والمركزيات النقابية من مشروع قانون النقابات، فإن العقل النقابي الديمقراطي الرصين كان ينبغي أن يكون سباقا لطلب عرض مالية هذه الهيآت التمثيلية على الحساب والمراقبة المالية، سواء ورد الأمر في شكل تنصيص قانوني، أو مجرد إجراء إداري تدبيري. إن "المبدأ" لا يمكن أن يكون موضوع تفاوض من أي طرف. ولا نعتقد أن حكماء النقابات وعقلاءها سيسمحون لأنفسهم بتسلم أموال طائلة من جيوب دافعي الضرائب على سبيل الدعم العمومي لتغطية مصاريف مقرات وانتخابات وأنشطة، ثم يرفضون مراقبة صرف هذه الأموال من قبل الجهات المختصة، أو تبريرها بالوثائق والمستندات. وبالأرقام، تسلمت تسع نقابات ما بين 28 و30 دجنبر 2015، خلال انتخابات أعضاء مجلس المستشارين، ما مجموعه 20 مليون درهم، موزعة على 6 ملايين وحوالي 180 ألف درهم تسلمها الاتحاد المغربي للشغل، متبوعا بالاتحاد الوطني للشغل بـحوالي 4 ملايين درهم، والكنفدرالية الديمقراطية للشغل بثلاثة ملايين و768 ألف درهم والاتحاد العام للشغالين بالمغرب بـمليونين و754 ألف درهم والفدرالية الديمقراطية للشغل بمليون و60 ألف درهم. ولا تتوصل النقابات بدعم عمومي خاص بانتخابات مجلس المستشارين والغرف المهنية وانتخابات المأجورين فحسب، بل تتسلم إعانات من الدولة أو مساهمات مالية لتغطية جزء، أو كل من مصاريف كراء مقرات، وتوفير أجور مستخدمين وملحقين ومصاريف أنشطة متعلقة بالتكوين وأنشطة إشعاعية مختلفة، دون الحديث عن الدعم السنوي الذي يصل إلى الملايين توزع على النقابات حسب تمثيليتها. هذه أموال عمومية ينبغي أن تكون النقابات سباقة للكشف عن أوجه صرفها، وتعيين محاسبين مهمتهم مسك الحسابات وضبط المداخيل والمصاريف، والحرص على تدوينها في سجلات خاصة يشهد خبير محاسب بصحتها، كما يجري الاحتفاظ بجميع الوثائق لمدة 10 سنوات لعرضها على هيآت الرقابة المالية العمومية. بهذا الشكل فقط، يمكن أن تقنعنا بعض المركزيات أن بيوتها من زجاج شفاف، وبهذه الطريقة سيكون للملفات المطلبية سند، وللشعارات موسيقى المشروعية.

تأجيل ملف قاتل فتاة

"فيسبوك" لترويج المخدرات

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات