أسئلة الفقر

أزاحت المندوبية السامية للتخطيط عن الحكومة حملا ثقيلا حين كشفت أن الفقر انخفض بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة، وتقلص عدد الفقراء من 7.4 ملايين إلى 2.8 مليون بين 2004 و2014. لقد اعتمدت المندوبية السامية للتخطيط، في دراستها، لأول مرة، مؤشرات متعددة الأبعاد لإحصاء الفقراء، ومنها إمكانية الحصول على التعليم، والمياه والكهرباء، والصرف الصحي، ونوع السكن، والصحة، ومعدل وفيات الأطفال، وهو تحول نوعي في الدراسة يجعلها تلامس الأولويات لمواجهة الفقر. ورغم «الإشادة» بانخفاض عدد الفقراء، إلا أن المندوبية حذرت من استمرار الفوارق الاجتماعية، سواء بين المدن والجهات أو في العالم القروي، الذي ارتفع فيه عدد الفقراء بنسب مخيفة، ما يحتم السرعة في إنقاذ سكان البوادي من براثنه، سواء بمبادرات حكومية جديدة، أو تكثيف وتيرة إنجاز البرامج التي تستهدفهم. لا معنى إطلاقا أن تواكب انخفاض معدلات الفقر بالمدن معاناة مغاربة بالقرى من الهشاشة، علما أن خيطا ناظما يجمع المدن والقرى يهدد الارتياح الحالي، بل ربما ينسفه، وما تأثير الهجرة القروية إلا نموذج على خطورة ارتفاع الفقر في القرى. وبقدر ما اطمأنت الحكومة إلى نتائج دراسة المندوبية، بقدر ما تتنامى التحذيرات من الاستمرار في مواجهة مظاهر الفقر، فالطبقة المتوسطة، وفق تعريفاتها المتعددة، مهددة، في أي لحظة بالالتحاق بفئة الفقراء، فهي الحلقة الضعيفة التي تحملت السياسات الحكومية المتعاقبة، واكتوت بنار ارتفاع الأسعار والضرائب، وهي عوامل لا تساهم إلا في «وأدها»، وجعلها أقرب إلى طبقة الفقراء. ولا تخفي دراسة المندوبية التفاوت الكبير بين الجهات، فجهة بني ملال خنيفرة تبقى الجهة الأشد فقرا بنسبة 13.4 بالمائة، تليها جهة مراكش آسفي بنسبة 11.3 بالمائة، ما يعيد خيار التنمية المستدامة وفق رؤية الجهوية، مع القطع مع مبادرات مركزية لا تراعي خصوصية المناطق، وتنوع مشاكلها واختلافها من منطقة إلى أخرى. لقد أعاد النقاش حول الفقر قضايا أساسية في تحديد الأولويات، فالتعليم، باعتباره معيارا أساسيا، مازال يتخبط في مفارقات غريبة بشهادة أعلى سلطة في البلاد، والماء والكهرباء يثيران احتجاجات تصل إلى حد تنظيم مسيرات العطش، والصرف الصحي بضواحي المدن يهين الكرامة الإنسانية، أما الصحة والسكن، فإن أزماتهما كشفت عجز كل الحكومات عن امتلاك إرادة سياسية للقطع مع الفوضى. لابد من التذكير، أخيرا، بأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها الملك في 2005، شكلت نموذجا لإصلاح أعطاب السياسات الحكومية في المجال الاجتماعي، وسعت إلى انتشال شرائح واسعة من «مستنقع» الفقر، وعززت إعادة إدماج الفقراء في النسيج الإنتاجي، ومطلوب اليوم، الاستمرار فيها، وإبداع مبادرات أخرى تنقذ ما تبقى من الفقراء.

أسئلة الفقر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التجمع يقتحم قلاع "بيجيدي"

ثماني سنوات لقاتل ابنه

مقالات ذات صلة