نهاية الوزير القاضي

اليوم تسحب رئاسة النيابة العامة من وزير العدل، وتسلم سلطها إلى الوكيل العام لمحكمة النقض، وفق الآجال التي حددها القانون لانتقال النيابة العامة إلى السلطة القضائية. مع انتهاء عهد الوزير رئيس النيابة العامة، يصطدم القضاة الواقفون منهم والجالسون، بنصوص قانونية، لم يتم تحيينها ولا استبدالها لتتماشى مع الواقع الجديد، ما يضعنا أمام انتقال شكلي، لن تكتمل صوره، إلا بتغيير جوهر القوانين، والفصل بين ما للوزير وما للقاضي، وهو اختصاص أوكله الدستور إلى المشرع، ما يعني أن رئيس النيابة العامة الجديد سيشتغل وفق قوانين متجاوزة، لم تلاءم مع الأرضية، وتنتظرها تدخلات تشريعية لتفصيلها وفق مقاس السلطة القضائية وتضع الحدود بين تداخل الاختصاصات، إذ أن القوانين تروم التدقيق لرفع الشبهات وحصر الاجتهادات. فمؤسسة وزير العدل مازالت حية ترزق في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وكذا في القانونين المدني والإداري، ناهيك عن مجموعة من النصوص الجنائية الخاصة، ففي تلك القواعد إشارة واضحة ومستمرة لوزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة. يبدو من هذا أن التردد في الحسم بين استقلال النيابة العامة والإصرار على الإبقاء عليها بيد وزير العدل، ضيع فرصة تعديل مختلف القوانين وملاءمتها، ليكون انتقال السلطة سلسا ومعززا بترسانة من القوانين المحينة، التي تبدد كل لبس، وتزيح كل العقبات. القراءة الأولى تذهب إلى أن القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أحال صلاحيات وزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة على الوكيل العام، وهذا كاف لوحده للقول بأن هذه الاختصاصات العامة والخاصة، تنتقل من غير التنصيص عليها، في انتظار أن تلحق النصوص الخاصة تعديلات على مستوى النص، باستبدال وزير العدل بالوكيل العام لدى محكمة النقض، ضمانا للانسجام بين هذه النصوص العامة منها والخاصة مع القانون التنظيمي للسلطة القضائية والقانون التنظيمي للقضاة. بينما قراءة ثانية تلزم باستصدار نص أو مقتضى خاص، ينص صراحة على أنه تطبيقا لما هو مضمن في القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة وللقضاة، تنقل جميع الصلاحيات المخولة لوزير العدل سابقا بصفته رئيسا للنيابة العامة إلى الوكيل العام لمحكمة النقض، ولن يكون هذا النص التشريعي إلا بمثابة تطبيق من تطبيقات القانونين التنظيميين المذكورين. تدخل المشرع عبر الغرفتين، أصبح ملحا لمطابقة المستجدات، خصوصا أن وزير العدل كان يمارس صلاحيات متداخلة، وبعضها يمتد إلى صلاحيات في المادة المدنية والإدارية، ومنها ما كان يمارسها بصفته رئيسا للنيابة العامة أو بصفته ممثلا للسلطة التنفيذية وليس رئيسا للنيابة العامة في إطار مهام الرقابة التي تدخل في مهام العمل السياسي،. فالخط الفاصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، سيصطدم لا محالة، بمجالات كوضع السياسة الجنائية والتتبع والتنفيذ وتتبع التنفيذ، ناهيك عن اختصاصات الإحالة والطعون ودراسة تقارير المجلس الأعلى للحسابات وإحالتها وغير ذلك من المهام، ذات طابع مزدوج يتداخل فيه السياسي بالقضائي. تسليم السلط اليوم، ما هو إلا خطوة أولى في مسافة ألف ميل. فهل ستظل التوجيهات والتعليمات، سبيلا للفصل في الاختصاصات، أم أن المشرع سيتدخل بالسرعة اللازمة لملاءمة الوضع؟

نهاية الوزير القاضي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإدارة القضائية... إكراهات التحقق

التلقيح ضروري بعد ثلاثة أشهر من الحمل

مقالات ذات صلة