ثلاثة أسئلة: “الحيتان الكبرى”

انتقل الصراع بين النخب من صراع الأفكار إلى التراشق بتهم الاغتناء غير المشروع. كيف تنظر إلى علاقة المال بالسياسة؟ وما هي المسافة التي يجب وضعها بين المجالين؟ أولا علاقة المال بالسياسة تلازمية، أي أن السياسة فعل بشري من أجل الوصول إلى تدبير السلطة والتخطيط لإنتاج القيمة المضافة سواء مادية أو رمزية. والمال ضروري للعمل السياسي حتى يحقق نتائج مفيدة للمجتمع والمواطن، وبدونه لا قيمة للسياسة. لكن في الوجه الآخر، لا ينبغي أن تكون العلاقة بين المال والسياسة لخدمة المصلحة الخاصة والفردية، بل لخدمة الصالح العام، دون أن تحدد المستفيد، والذي لن يكون في النهاية سوى المواطن والمجتمع والمصلحة العامة. وفي الحالة الراهنة، انقلبت الأمور، فأصبحت السياسة جسرا وقناة لقضاء المصالح الشخصية وجمع الثروة، على حساب إنتاج القيمة المضافة، بل أصبح الطريق إلى المال العام مشرعا، ما يثير أسئلة عميقة حول نزاهة الفعل السياسي. السياسة مجال لخدمة الصالح العام، اعتمادا على مبدأ التطوع. ما هي الآليات القانونية لمحاربة تداخل السلطة مع المال؟ الواقع اليوم، أن خدمة الصالح العام من موقع السياسة بات يطرح العديد من الأسئلة حول كيفية حماية المال العام من تسلط السياسة والسياسيين، لان دور الحزب هو تأطير المواطنين لتحقيق المنفعة العامة، وليس توزيع الغنيمة. وقد جاء الربيع العربي ليرفع شعارات محاربة الفساد وفصل المال عن السلطة، وهذا الشعار ما زال راهنيا، ويجب تمثله اليوم على أرض الواقع، من أجل محاربة كل مظاهر استغلال المناصب السياسية والمسؤوليات الإدارية لتكديس الثروة، واستغلال النفوذ تجاوبا مع مقتضيات دستور 2011، وروح الربيع العربي، الذي كان وراء تعديل الدستور. وفي هذا الصدد، وجب فك الارتباط بين المسؤولية السياسية والمصالح المالية، وإنهاء العلاقات غير الواضحة والمشبوهة، والتي تثير في الكثير من الأحيان سجالات سياسية، ووضع قواعد قانونية واضحة تجرم هذه الارتباط. وهذا لا يعني حرمان أصحاب المال من المشاركة السياسية عبر البرلمان، لأن التمثيلية تعني هنا تمثيل المجتمع من خلال أحزاب سياسية، وليس تمثيل المصالح الشخصية، ولذلك لا يجب استغلال المنصب البرلماني للدفاع عن مصالح شخصية واكتساب حصانة برلمانية وجمع الثروة، على حساب دورهم التمثيلي. كيف دبرت البلدان الديمقراطية مسألة انخراط رجال المال في السياسة؟ هناك قواعد أخلاقية عامة في الدول الديمقراطية، تؤكد أن رجل الدولة عمدة كان أو وزيرا أو رئيس دولة، يجب أن يتمثل القيم وأخلاقيات رجل الدولة، خاصة في العلاقة بالمال العام، حيث إن القاعدة هي التحفظ والابتعاد عن استغلال المال العام والمنصب السياسي لأغراض شخصية أو عائلية، لأن هذا المال هو لدافعي الضرائب من المواطنين، والذين لا يتساهلون في حال مد المسؤول يده بدون موجب حق، ليصبح أقرب إلى العاصفة، وكم من سياسي احترق وانتهى مساره السياسي بالمحاكمات، بل إن الحياة الشخصية للمسؤولين قد تتسبب في وضع نهاية لمسارهم، بسبب إثارة مسألة استغلال النفوذ والتلاعب بالمال العام. ولذلك وجب تحصين المال العام من الفساد السياسي، وتجريم استغلال المنصب السياسي لتكديس الثروة، من خلال وضع اليد على الصفقات والأراضي، دون موجب حق. إن الضرب على أيادي "الحيتان الكبرى" في إطار شعار "من أين لك هذا؟" سيكون عبرة لكل من يترصد المال العام، انطلاقا من منصبه. أجرى الحوار: برحو بوزياني (*) أستاذ باحث بجامعة الحسن الثاني ومحلل سياسي

ثلاثة أسئلة: “الحيتان الكبرى”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تسمم جماعي بـ "سناك" بالبيضاء

بوستة سيدفن بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات