انقلب السحر على الساحر

دهاء متقاضين هم متقاضون ليسوا مثل الآخرين، استطاعوا أن يبصموا جلسات محاكماتهم بنكهة خاصة اختلط فيها المكر والذكاء، لأجل الدفاع عن حقوقهم بشتى الوسائل، كما تمكنوا من شد الانتباه إليهم، رغم أنهم لم يسبق لهم أن ولجوا المدرسة أو تعلموا أبجديات القراءة أو الكتابة، إلا أن ذكاءهم الفطري تفوق في حالات عدة ، وظلت قاعات المحاكم وذاكرة قضاة ومحامين وباقي ممتهني العدالة شاهدة عليها. في هذه الحلقات نسرد بعضا من تلك النماذج. قضية فريدة تلك التي شهدتها قبل سنوات ابتدائية ورزازات، تخص ملفا حول نزاع عقاري بشأن أراضي الجموع، دخل القاضي إلى الجلسة وأخذ يتفحص الملف الذي يخص نزاعا على بقعة أرضية ادعى المشتكى أن المشتكي به ترامى عليها، على اعتبار أن القطعة الأرضية تدخل في نطاق أراضي الجموع، ولا تتوفر على وثائق تثبت الملكية. عدم وجود وثائق للملكية صعب المهمة على اعتبار أن مثل هذه القضايا والتي تخص أراضي الجموع غالبا ما يتم الاستناد فيها إلى شهادة الشهود، والدين لا يخرجون عن الجيران لأنهم هم وحدهم من يمكن أن يؤكد تصريحات المشتكي أو نفيها. شرع القاضي في البحث في القضية وبدأ طرفاها في تبادل الاتهامات بينهما، وكل واحد يحاول أن يؤكد أن الأرض في ملكيته وأن الآخر هو من ترامى عليها. طلب المشتكي من القاضي أن يمنحه أجلا لإحضار شاهد يؤكد صحة كلامه لدحض إدعاءات المشتكى به، وهو ما استجاب له القاضي، على اعتبار أن مثل تلك الشهادة يمكن أن تحسم في الخلاف خاصة إن كانت صحيحة، ولم تكن هناك أي خصومة بين الشاهد أو أحد طرفي الدعوى.وفي الجلسة الموالية حضر المشتكي ومعه الشاهد الذي يعول عليه كثيرا في فك لغز الترامي على الأرض، وبعد المناداة عليه طلب منه القاضي الإدلاء بالأوراق الثبوتية ورفع يده اليمنى، لكن الشاهد قاطعه وطلب من القاضي قبل أدائه اليمين القانونية أن يصدق شهادته. استغرب القاضي من تصريحات الشاهد على اعتبار أن حضوره إلى المحكمة هو من أجل قول الحقيقة، ولا شيء غيرها وأن القاضي هو الذي عليه أن يخبره بعقوبة الشهادة الزور وتبعاتها، إلا أنه مع ذلك حاول أن يفهم قصده من ذلك، لكن ما جاء على لسانه كان مثيرا للاستغراب والدهشة من قبل هيأة المحكمة والحضور بالجلسة، إذ أكد الشاهد أن الأرض المتنازع عليها لا تخص لا المشتكي ولا المشتكى به، وإنما تخصه هو شخصيا وأضاف أنه يعلم أن المشتكي يتصرف في الأرض حقيقة، إلا أنه فوجئ عند حضوره للمحكمة أن لا المشتكي ولا المشتكى به، يملكان حججا قانونية تؤكد ملكيتهما للأرض فقال له "وعلاش لا ما نتزاحمش معاهم حتى أنا" ضحك القاضي وأعجبته نباهة الشاهد، التي فطنت إلى خطورة الأمر بشأن عدم توفر الأرض على وثائق تثبت الملكية.كريمة مصلي

انقلب السحر على الساحر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النـظـرة الأخـيـرة

مختصرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات