"لن تنالوا كراهيتي" أجمع العديد من النقاد الذين تناولوا كتاب "لن تنالوا كراهيتي" للصحافي الفرنسي أنطوان ليريس، على اعتباره أعمق من نص إبداعي يكتبه صحافي للتعبير عما أحس به ليلة 13 نونبر الماضي، حين اهتزت عاصمة الأنوار على وقع انفجارات إرهابية.نجح الصحافي ذو الأربعين ربيعا، في أن يؤرخ لأحداث دامية، من خلال شهادة، ليست كباقي الشهادات، فالأمر لم يكن بالنسبة إليه حدثا عاديا ضمن أحداث اعتاد تناولها بالتحليل والقراءة، بل زلزالا هز كيانه، وأخذ منه أعز ما يملك، حين امتد الإرهاب الداعشي، ليختطف منه حبيبته ورفيقة دربه، وأم ابنه ملفيل، ذي السبعة عشر شهرا. الكتاب عبارة عن شهادة خاطب من خلالها ليريس، بلغة مرهفة تنظيم داعش ودعاة الكراهية، ليعلمهم معنى الحب، ومعنى إحساس الإنسان بالحرية، عندما رفض منح قتلة زوجته كراهيته، لأنه ليس مسكونا بالتاريخ الغامض في قرون من الظلام.يغطي الكتاب الذي يوجد في 138 صفحة، والذي صدر عن دار "فايار" الفرنسية، فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز 12 يوما، اختار من خلالها الحكي عن تفاصيل ومواقف، ورسائل هزت حياته الهادئة، كما هزت فرنسا.إعداد: برحو بوزياني يقول أنطوان إن القليل من يفهم كيف يستطيع تجاوز الظروف التي قتلت فيها هيلين، يسألون هل نسي حقا ما جرى في تلك الليلة، وهل سيسامح. الأكيد أن هول الصدمة يجعله لا ينسى أي شيء ولا يسامح بسرعة المجزرة، فحين يعود الجميع إلى حياته العادية، ستصبح قصة الفاجعة قصته هو، ولا يمكن رفضها، وسيعيد بناء فصولها بالتفاصيل.صحيح إن تحديد المتهم في ما جرى مسألة واردة، ويمكن أن تسمح لأسر الضحايا بتفجير غضبهم، والتعبير عن معاناتهم، لكن التفكير في المتهم بالنسبة إليه محاولة للهروب من الذات.يقول أنطوان إن القتلة، حين أفرغوا رشاشاتهم في أجساد الضحايا، كمن قام ببعثرة لعبة "البازل"، فحين سيحاول إعادة تجميع أجزائها، لن تكون اللعبة ذاتها كما كانت، وسيفتقد شخصا عزيزا في الصورة، ولن يكون هناك سوى اثنين فقط، سيحتلان المكان كاملا، لكن هيلين ستكون بينهما، لا يراها أحد. سيقرأ الأب والابن حضورها في عيونهما، وسيحترق لهيبها، وستسري دموعها في شرايينهما.والأكيد يقول أنطوان، إن الحياة لن تعود منا كانت في السابق، لكن سوف يبني حياته الجديدة وسيواصل المسيرة، غير آبه بالقتلة.في اليوم الثالث للجريمة، سيتجه إيريس إلى مستودع الأموات، حيث يوجد جثمان هيلين، إلى جانب عدد من ضحايا الجمعة الأسود، من أجل إلقاء النظرة الأخيرة، وهو الذي لم يسبق له أن زار هذا الفضاء الذي تشتم منه رائحة الموت من الباب.ورغم هول الفاجعة، كان إيريس سعيدا بهذا اللقاء، رغم الطقس البارد، الذي يخيم على البناية، أحس وهو في باحة الانتظار، وكأن دماء الضحايا تتدفق من وراء الأسوار لتغرقه من جديد في حمام من الدم. كان الصمت يخيم على المكان الموغل في البرودة إلا من بضع كلمات تتردد على لسان شابة، تقول" لحظات صعبة، ظروف مرعبة".كانت هيلين حاضرة هنا، يقول أنطوان، ويمكن أن يحس بوجودها، لكن رغبته كانت جامحة لرؤيتها وحيدا، بعيدا عن أمها وشقيقتها اللتين كانتا ترافقانه، وهو الأمر الذي تفهمتاه، لأنه كان يريد أن يظل وحيدا إلى جانبها، كما كان دوما.فتحت الباب، وكان جثمانها ممددا، في القاعة، اقترب منها ، وتأملها وهو يسترجع شريط الذكريات التي جمعته بها، منذ الوهلة الأولى، كانت هيلين بالنسبة إليه هي القمر، وكانت بسمتها المعتادة تتراقص أمام عينيه، وعادت به صور الذكرى إلى ليلة الزواج.ولأنه كان يحبها، فقد بدت إليه جميلة كما كانت دوما، رغم الموت المخيم على المكان. أحس بالرغبة في التمدد إلى جانبها، ومنحها الدفء المعتاد، والتصريح لها لآخر مرة أنه يحبها وأنها أجمل امرأة رأت عيناه في حياته.كانت أمنيته أن يظل إلى جانبها لساعة أخرى أو ليوم على الأقل، لكن وجب توديعها، لأن القمر يجب أن يرحل، مع اقتراب الصبح، ليترك المكان لشمس يوم جديد (16 نونبر) الذي سيفتح قصة أب وابن سيستيقظان اليوم وحيدين، بعد رحيل هيلين التي منحاها كل الحب.