الغالي: جوهر نظرية الحكم اليوم “مشروعية الإنجاز”

قال إن إعطاء الانتخابات مدلولا سياسيا بتعيين الوزير الأول يفترض أن تعطي الأحزاب لترشيحاتها مدلولا سياسيا قال محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، بكلية الحقوق بمراكش، إن النقاش حول مفاهيم الفصل 19 تثير جدلا كبيرا لارتباطها الوثيق بوضعية الملكية، من حيث ملكية تسود وتحكم، أو ملكية تسود ولا تحكم. واعتبر الغالي أن التحولات والتطورات التي تعرفها نظرية الحكم، أصبح مناطها وجوهرها مرتبطا بالانجاز، أي أن المحكوم يقبل الحاكم ويجدد فيه ثقته بقدر ما هو قادر على الوفاء بحاجاته ومتطلباته في الشغل، السكن والصحة والتعليم، وهي النظرية التي وصفها بـ"مشروعية الإنجاز". وكشف الغالي أن الفصل 19 من الدستور، وظف أحيانا في سياق خدمة الأجندة السياسية لبعض الفاعلين السياسيين، محذرا من "خطر الذين باتوا يسمون بخدام المشروعية، هؤلاء الذين يضع فيهم النظام ثقته"، مشيرا إلى أن العبرة في التركيز على الأهداف الحقيقية والمتمثلة في العدل وكرامة المواطن وهي أساس كل ملك. بالنظر إلى التطورات والتحولات الحالية المتسارعة، ما هي نظرتكم إلى الفصل 19 من الدستور وأي قراءة ممكنة اليوم لهذا الفصل؟ حدثنا طوماس كون، في كتابه بنية الثورات العلمية، عن أن كل علم أو نظرية تمر بمرحلتين، وهما: أولا مرحلة الزمن العادي أو الفعلي حين تكون النظرية قادرة على إعطاء أجوبة للمشاكل المطروحة من حولها، وثانيا مرحلة الزمن غير العادي حيث تصبح النظرية غير فعلية، وبالتالي غير صالحة أو غير قادرة على إعطاء أجوبة للمشاكل المطروحة عليها. ومادام الفصل 19 يشكل نظرية في الحكم، وبالنظر إلى أن التحولات والتطورات الراهنة المحيطة، واستغلالا لفضائل النقاش العمومي الوطني حول المراجعات الدستورية، والتي من دون شك عجلت بها الأحداث والتطورات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول إعادة بناء العلاقة بين السلطة/الحرية، بين الحاكمين والمحكومين بناء على نظام قيم معاصر يتمثل في مبادئ الفعالية والنجاعة والمساءلة والمحاسبة، فإننا نطرح السؤال التالي، ما مدى صلاحية الفصل 19 اليوم في الإجابة على التساؤلات الملحة للمواطنين في شؤون دنياهم؟ يفتح سؤال الصلاحية في سياق حديثنا على احتمالين أساسيين: هل الأمر يقتضي مراجعة هذا الفصل من حيث المفاهيم التي يحملها؟ وهنا تثار مطالب الجهات التي تنادي باستغلال الفرصة من أجل إعطاء الفصل 19 بعدا مدنيا يسمح لإرادة الأفراد بأن تلعب دورا تقريريا، وممارسة سياسية مجردة من كل طابع ديني. أم أن الأمر يمكن أن يحتمل ترك الفصل 19 من دون مراجعة؟ مع بذل المجهود في الممارسة من أجل التخفيف التدريجي للحمولات الدينية والرمزية التي أعطيت له، والتي كرست الاعتقاد بأنه الدستور الأصلي والحقيقي، أي الدستور غير العادي الذي يبطل مفعول الكتلة الدستورية ككل في النظام السياسي المغربي، في أفق ترسيخه كفصل مكمل، له دور من بين أدوار داخل نسق وبنية السلطة، أي كفصل تكون له الريادة في الزمن السياسي الذي يحتاج فيه الوضع تدخلا للملك بصفته رائدا يتمتع بالقدرة على استيعاب أدوار مختلف الفاعلين وجمعها وإعادة توزيعها، وليس التحكم فيها واحتكارها. 2ـ ما هي في نظركم للمفاهيم الأكثر إثارة للجدل في الفصل 19؟ ينص الفصل 19 على ما يلي: الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئآت. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. تتمثل المفاهيم الأكثر جدلا في ما يلي: 1. أمير المؤمنين: (البعد الديني) 2. الممثل الأسمى للأمة: (البعد الديني ـ التاريخي) 3. رمز وحدتها: (البعد التاريخي) على سبيل المقارنة ينص الفصل 5 من الدستور الفرنسي على ما يلي: يسهر رئيس الدولة على احترام الدستور. يضمن، بواسطة تحكيمه، السير العادي للسلطات العمومية وكذلك استمرارية الدولة. وهو الضامن لاستقلال البلاد ووحدتها الترابية واحترام المعاهدات. وعليه يلاحظ أن رئيس الدولة في فرنسا ليس له أي امتياز غير عاد فتمثيليته تأتي مكملة وفي سياق أنماط ممارسة السيادة الوطنية أو الشعبية كما حددتها الهندسة الدستورية في النظام السياسي والدستوري للجمهورية الخامسة. لماذا أصبحت في نظركم هذه المفاهيم الأكثر جدلا في الأوساط السياسية والأكاديمية حاليا، وهل يتعلق الأمر بسياق طبيعي لتحولات تجري، خلال الفترة الأخيرة، داخل حقل المشروعيات عموما؟ يحتل النقاش حول هذه المفاهيم جدلا كبيرا لارتباطها الوثيق بوضعية الملكية، من حيث ملكية تسود وتحكم، أو ملكية تسود ولا تحكم. وللإشارة الأمر لا يتعلق بنقاش عمومي جديد، بل تفجر مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله. وأشير إلى أن هذا الفصل يثير جدلا أساسيا من حيث طبيعة المشروعيات التي يكرسها أساسا لتجديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فهناك من يعتبره تقليديا ولم يعد يساير التحولات والتطورات التي تعرفها نظرية الحكم والتي أصبح مناطها وجوهرها مرتبطا بالانجاز، أي أن المحكوم يقبل الحاكم ويجدد فيه ثقته بقدر ما هو قادر على الوفاء بحاجاته ومتطلباته في الشغل، السكن، الصحة، التعليم.. وهي الأسس الجديدة للتعاقد بين السلطة/الحرية = الدولة/المواطن (مشروعية الانجاز: (la légitimité de Perfectionnement. وهنا من باب الأمانة العلمية أقول: إلى أي حد نظام القيم الصاعد أي نظام قيم الجيل الثالث و ما يليه بعد الاستقلال، أي جيل الثورة الرقمية، جيل الفضاءات العمومية الرقمية الاجتماعية والسياسية، جيل الفايسبوك والصحون المقعرة.. الجيل الذي أصبح يؤمن بالواقع والملموس أكثر من إيمانه بالنص الذي يأتي من خطاب، أو بيان أو إعلانات النوايا؛ جاهز ليجعل نفسه تحت تصرف المشروعيات التي تنبني على قيم تقليدية تجد منشأها وحجيتها في الدين (إمارة المؤمنين) وفي التاريخ (رمز الوحدة). وأذكر في هذا السياق أن الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من أشغال البرلمان السنة التشريعية 1990/1991 قال: قلت وكررت وما زلت أكرر أنه بالنسبة إلى عبد الله الضعيف خادم المغرب الأول عبد ربه ليس هناك فصل للسلط، أنا أبو الجميع، أبو المشرع، أبو المنفذ، أبو الصغير وأبو الكبير.. إلى أي حد يمكن القول إن الممارسة وحدها من يعطي للفصل 19 من الدستور حمولته الكبرى بشأن صلاحيات المؤسسة الملكية؟ أكيد أن الباحث في ممارسة الفصل 19 يجده من حيث التردد، أي من حيث وتيرة الاستعمال الكمي محدودا، واستعماله أو اللجوء إليه يكون في اللحظات الحاسمة كما تم سنة 1981 حين وصف الملك الحسن الثاني، بوصفه أميرا للمومنين، الفريق الاشتراكي الذي أعلن انسحابه من مجلس النواب بالخارج عن جماعة المسلمين، وكذلك سنة 2000 عندما تم استباق مبادرة البرلمان والحكومة التي كان يرأسها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بالإعلان عن تأسيس ديوان المظالم الذي له حمولة دينية بناء على مقتضيات الفصل 19 بدلا من مؤسسة الوسيط التي كانت ستعنى بالعلاقة بين الإدارة والمواطن (الفصل 52 من الدستور)، ويلاحظ أخيرا أنه تم تدارك هذا الأمر بالإعلان عن مؤسسة الوسيط بدل مؤسسة ديوان المظالم، وهو مؤشر صريح على استيعاب التحولات والتطورات التي بات يطرحها عامل تدبير الشؤون العامة للمواطنين بمنهجية أكثر فعالية ونجاعة ومردودية.. ولا ننسى كذلك أن الفصل 19 بدوره لم يخرج عن سياق خدمة الأجندة السياسية لبعض الفاعلين السياسيين، كما حصل بعد الأحداث الإرهابية لـ 16 مايو 2003، إذ أن الأحزاب السياسية التي عرفت تاريخيا بمعارضتها للحمولات الزائدة لهذا الفصل رجعت وشددت عليه واعتبرته ضمانة أساسية من خلال بوابة إمارة المؤمنين لمواجهة من تصفهم بالمناوئين، مما أعاد طرح سؤال حدود الفصل بين التكتيكي والاستراتيجي في خطاب هذه الأحزاب، وتعاملها بكل شفافية وتجرد ومصداقية عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا للمواطن. فالهدف كل الهدف تحقيق تنمية المواطن، وحتى الدولة في حد ذاتها ومهما اختلف حول نمط تنظيمها ملكية أو جمهورية؛ رئاسية أو برلمانية؛ ملكية دستورية أو برلمانية لا تشكل في حد ذاتها سوى وسائل. فالمواطن اليوم يرفع شعار لتكن الدولة من تكن؟ ولكن ليكن مناطها تحقيق خير المواطن، فالعبرة في المقاربة بالنتيجة وليس المقاربة بالوسيلة.. والخطر كل الخطر من الذين باتوا يسمون بخدام المشروعية هؤلاء الذين يضع فيهم النظام ثقته (وزراء، وكتاب عامون، ومديرون عامون، مندوبون سامون، وسفراء..) من أجل خدمة المواطن في الاتجاه الايجابي، وليس تحويل مواقعهم ومناصبهم إلى آليات للسلب والنهب والاغتناء والإثراء بلا سبب، هؤلاء هم الأعداء الحقيقيون، هم المهددون الحقيقيون لأمن البلد وسلامته، إنهم هدام المشروعية الجدد.. وعليه صلاحية الفصل 19 من عدمها في الهندسة الدستورية المغربية مرهونة بعتبات الاستجابة لحاجات ومطالب الناس في التنمية والكرامة.. ما هو تقييمكم للنقاش الحزبي الدائرة بشأن الإصلاحات الدستورية المقترحة اليوم على ضوء المحاور السبعة التي حددها الخطاب الملكي لـ9 مارس؟. يشكل هذا النقاش من حيث المبدأ ثمرة مهمة وفرصة للمساهمة في تأسيس فضاء عمومي دائم للنقاش وليس فقط مسألة مؤقتة تفرضها ظروف لخدمة أجندات عارضة (على وزن الحملة في الثقافة المغربية). من خلال قراءة متأنية لأغلب المذكرات التي تقدمت بها مجموعة من الأحزاب أقول من حيث الشكل أي من حيث المنهجية المتبعة في تقديم المقترحات أنها في أغلبيتها سيطر عليها الطابع المركزي ان لم أقل الطابع البيرقراطي الذي يقتل السياسة وضع أملاه هاجس الاجابة عن طلب استعجالي، أشبه بالعاصفة، ولا أنسى أن أذكر في هذا السياق بالمقولة الشهيرة لجون جاك روسو الذي حذر من صياغة الدساتير أثناء وقت العواصف !، مما جعل مضمون التعديلات متسما بالملاحظات التالية 1. المضون أميل الى العموميات لمحاولته الإجابة عن كل شيء !! 2. تقليداني الطرح في تعامله مع المبادئ الجديدة في التدبير العمومي (التنافسية، النجاعة، القيادة..)؛ 3. غياب الحلول العملية أثناء طرح المقترحات في التعامل مع المبادئ الدستورية: سمو الدستور؛ العلاقة بين السلطات.. 4. افتقاد التعديلات للمرونة الحية التي تجعلها قادرة على الاستفادة من الفرص المتاحة والممكنة، والتحكم في المخاطر والتهديدات الحاضرة والإستراتيجية؛ 5. صعوبة التمييز بين الصريح والضمني في قلب التعديلات المقدمة مما يطرح سؤال الرؤية الدستورية لدى الأحزاب السياسية. أجرى الحوار: إحسان الحافظي

الغالي: جوهر نظرية الحكم اليوم “مشروعية الإنجاز”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إمارة المؤمنين ...طابو كسره ورش إصلاح الدستور

إمارة المؤمنين...صلاحيات الملك تحت المجهر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات