كيف تقرأ نتائج تقرير المنظمة العالمية للصحة ووزارة الصحة الخاص بتقييم وظائف الصحة العمومية؟ وضع ممثل المنظمة العالمية للصحة تقييما إيجابيا للإمكانيات التي قال إن المغرب يتوفر عليها، وتمنحه قدرات ممتازة لمواجهة عدد من الأخطار الصحية، التي صارت تهدد العديد من الدول، لكن عمليا، وفي أرض الواقع، الفوارق المجالية، والتوزيع غير العادل للخدمات الصحية يؤكد أنه من الصعب جدا مواجهة فيروسات عجزت الأنظمة الصحية الدولية على القضاء عليها.من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن تراجع المغرب على مستوى أولوية العلاجات الأولية، التي كانت إلى حدود التسعينات تتصدر اهتمام وزارة الصحة، وأضحت اليوم في الرتبة الثالثة، أدى إلى استمرار وفيات ناجمة عن الإصابة بالسل والمينانجيت، وأمراض معدية، فضلا عن وفيات الأمهات أثناء الوضع. وأريــد أن أوضح في هذا السياق، أن أمراضا من قبيل السرطان، والقلب والشــرايين والسكــري، التي أعلنــت الوزارة والمنظمــة العــالمية للصحة، أنها أضحت المسؤولة عن ثلاثة أرباع الوفيات بالمغرب، هي ناجمــة بالأســاس عن التقصير في مجال العلاجات الأولية والوقاية، أي أن المسؤولية تتحملها وزارة الصحة، التي لو أولت الأهميــة الكافية إلى العــلاجات الأولية ولــم تتخل عنها، لما ارتفعــت الإصابات بهــذه الأمــراض المزمنة، ذلك أن علاج اللــوزتين عند الطفل لا يكلف سوى 100 درهــم، ويمكن أن يجنبه الإصابة من أمراض القلب والشرايين، والأمر ذاته ينطبق على السكري والقصور الكلوي. ما هي أبرز الاختلالات التي مازلت تهم بنظرك المنظومة الصحية؟ أبــرز الاختــلالات التي يعــانيها القطــاع، تكمن في توزيع غيــر عــادل للموارد البشريــة والأطر الطبية والتمريضية، والأجهزة والمعــدات الطبيــة والأدويــة، يتبــاين من جهــة إلــى أخــرى، ومــن مدينة لأخــرى، وأحيانا داخل المدينــة الواحدة، من مركز استشفائي لآخر. كمــا أن مشكــل التمويل يظــل عنصرا أساسيا في تدهــور المنظــومة الصحة، عــلاوة علــى عــدم التــزام وزيــر الصحة بــإعــداد ميثــاق وطني للصحة، الذي كان أبــرز توصيات المناظرة الوطنية للصحة، التي احتضنتها مدينة مراكش، وكــان من المفـترض أن يضم كافــة الفاعلين في القطــاع ويرســم خريطــة الطريق للنهوض بالمنظومة الصحية. هــل إصدار قانـون للصحة العموميــة من شـأنه تجاوز هـذه الاختلالات؟ أعتقد أننا اليوم في حاجة أكثر إلى ميثاق وطني للصحة، لأنه سيكون ملزما للجميع، رغم تعاقب الحكومات والوزراء، ذلك أنه لن يكون مرتبطا بوزير واحد، جرت العادة أن من يليه في تقلد المسؤولية يغير إستراتيجية سلفه، بل سيحدد الخطوط العريضة ويرسم معالم السياسة والإستراتيجيات الواجب اتباعها، قد تطرأ عليه تعديلات، لكن المحاور الكبرى ستظل هي نفسها.أجرت الحوار: هـ. م (*) (رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة)