لـكـل زمـن آلهـتـه

مغاربة قدسوا الطبيعة واستعاروا آلهة الإغريق والرومان قبل الديانات التوحيدية لم يكن المغرب بانتمائه إلى منطقة شمال إفريقيا، بمعزل عما ساد في هذه المنطقة من حضارات وديانات وملل ونحل توزعت سكانه القدماء، بعضها اندثر، فيما ظل البعض الآخر يقاوم من أجل البقاء والاستمرار على نحو مغاير يكشف قدرته على التكيف والصمود في وجه متغيرات الزمان والعقائد.وفي هذا السياق، يرى الباحث المغربي الراحل ألبير عياش، أن سكان المغرب الأولين أي البربر، بتعبيره، أو الأمازيغ بتعبير آخر، "كانوا كغيرهم من مجموع الشعوب القديمة أكثر تدينا، فقد عبدوا العيون والأشجار والكبش ملك القطيع، والنجوم وأرواح المغارات والعيون والهواء".ويضيف عياش، في كتابه "تاريخ شمال إفريقيا"، أن البربر "كانوا يعتقدون بوجود السحر، أي القدرة على خلق وابتكار شيء سواء كان حيوانا، أو إنسانا عن طريق رسمه، أو الاكتفاء بذكر اسمه، من أجل السيطرة عليه أو إبادته أو عقابه أو الاحتماء به، وكانوا يمارسون كذلك عبادة الأموات، إذ أن القبور كانت موجهة نحو الشرق، وكانت الأموات تدفن مع الحلي والأدوات المنزلية، كما لو كانوا يعتقدون بخلود الروح".ويردف الباحث والمؤرخ في كتابه، الذي ترجمه إلى العربية الباحث عبد العزيز بلفايدة، أن المغاربة القدماء، ومعهم سكان شمال إفريقيا عموما، "قدسوا آلهة روما، وخصصوا عبادة للإمبراطور واستقبلوا الديانات الشرقية لكنهم أولوا عناية خاصة للإله ساتورنوس، والربة كايلستيس، اللذين يماثلان الآلهة القرطاجية بعل وتانيت".ويتوفر المغرب القديم، حسب دراسة للباحثة المغربية البيضاوية بلكامل، على المئات من اللوحات الفسيفسائية بمواقع طنجة وليكسوس، قرب العرائش، وبناصة بسهل الغرب، ووليلي وشالة، وموغادور بجزيرة الصويرة التي ترتبط في معظمها بالأساطير الإغريقية/ الرومانية، وتزين في أغلبها أرضيات منازل الخواص والحمامات العمومية والخاصة، وقد استهوت آلهة دون غيرها ملاكي فسيفساء المغرب القديم، بل كان لبعضها حصة الأسد من حيث التداول، فهي إما معبودات رئيسية أو ثانوية مثل آلهة الخمر والجمال والحرب.أما المسيحية فقد ظهرت في شمال إفريقيا منذ القرن الأول الميلادي وسرعان ما انتشرت، إذ تجمع معتنقوها في المدن في إطار "جاليات" أو كنائس، ويشير كذلك إلى أن النقائش القليلة التي اكتشفت في موقع وليلي الأثري، تشير إلى وجود جاليات لاتينية ومسيحية خلال سنة 655 ميلادية، والتي كانت تقيم علاقات مع جاليات أخرى في موريطانيا القيصيرة خاصة في بوماريا (تلمسان) وألتارا.وإذا كان عدد كبير من سكان شمال إفريقيا، ومعها المغرب، قد تمسحوا فإن آخرين تهودوا في حين كان أغلب السكان وثنيين، واستمروا في تقديس مظاهر الطبيعة.وبعد مجيء العرب الفاتحين وانتقال أشكال حضارية جديدة ودخول الديانة الإسلامية، استمرت المسيحية واللغة اللاتينية في بعض المراكز لتختفي بالتدريج، ولم يبق من الوجود الروماني شيء يذكر، إلا ما خلفوه من آثار شاخصة بقيت شاهدة على حضارتهم. عبادة الأولياء كانت دين المغاربة في كتابه "السحر والدين في شمال إفريقيا" يرى الأنثروبولوجي الفرنسي إدموند دوتي أن سكان الشمال الإفريقي اضطروا مع مجيء الإسلام إلى التحايل من أجل المحافظة على معتقداتهم الأصلية الوثنية، وذلك بتكييف هذه المعتقدات الوثنية مع مقتضيات الدين الجديد عن طريق مزجها بطقوس وممارسات دينية إسلامية، ذلك أن الإسلام رغم قدرته الكبيرة على التأثير والتسوية nivellement لم يكن بوسعه القضاء على جميع الطقوس الوثنية.ويلاحظ دوتي أن عبادة الأولياء في المغرب بلغت درجة كبيرة من الترسخ والانتشار، اعتبر معها بعض الباحثين غير المتخصصين أنها الشكل الوحيد والأوحد للدين عند المغاربة. في حين شكلت عند الباحثين المتخصصين مفارقة ولغزا محيرا، باعتبار أن الإسلام أكثر الأديان السماوية توحيدا وأقلها تجسيدا، ومع ذلك فإن المجتمعات الإسلامية والمغاربية منها بالخصوص، والمجتمع المغربي بشكل أخص، تعج بهذا العدد الهائل من الصلحاء والأولياء الأموات منهم والأحياء.وأرجع دوتي سبب انتشار هذه العبادة إلى التوحيد الإسلامي الحاد والمفرط، فالإسلام في نظر هذا الباحث غالى في التوحيد عندما باعد المسافة بين العابد والمعبود، حيث ألغى الروابط الملموسة التي تجمع بين الله والمؤمنين، ما دفع عموم الناس إلى البحث عن وسائط أخفاها الفقهاء تحت رداء طلب الشفاعة، بينما هي في الواقع نوع من عبادة الإنسان. عزيز المجدوب

لـكـل زمـن آلهـتـه

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خارطة الأديان... التعايش المشروط

التعدد الديني... وهم التعايش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات