أطر ومحللون يضعون حادثة الزواج على طاولة تشريح الأبعاد السياسية أعادت قصة الوزيرين الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون، في حكومة عبد الإله بنكيران، موضوع التعدد إلى الواجهة، إذ بعد ترويج أخبار عن تقدم الوزير مرفوقا بزوجته الأولى لخطبة الوزيرة، المطلقة أخيرا، وعدم خروج المعنيين بالأمر بأي نفي للقصة، تناسلت البيانات والتصريحات الداعية إلى منع التعدد بصفة مطلقة، بعد أن استغل وزراء في حكومة "البيجيدي"، صيغة الاستثناء التي تحملها المدونة للسماح بالتعدد، للتزوج مرة ثانية وثالثة ورابعة."الصباح" تحدثت إلى بعض الداعين إلى منع التعدد، كما بحثت في تجارب وزراء وسياسيين يمارسونه، وحاولت الاقتراب من دلالة الحدث، ووقعه على المجتمع. في وقت تجاوزت فيه أصداء الخطوبة الحكومية الحدود، واقتحمت صفحات "المنوعات" بالإعلام الدولي، بدأ الجدل بالمغرب ينزاح من مجرد التعليق الآني على شأن خاص يهم شخصيتين عموميتين، وصار موضوعا للتفكير والتحليل وقراءة الدلالات الخفية والرسائل، التي مررها، حزب العدالة والتنمية، بوعي أو عن غير قصد، إلى الداخل والخارج. تفاعل حداثيعلى غرار، الكثير من الشخصيات السياسية بالمغرب، تتحفظ حسناء أبوزيد، البرلمانية الاشتراكية، على الخوض في موضوع زواج الحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتع المدني، من سمية بنخلدون، زميلته في الحزب والمجلس الحكومي، على اعتبار أن الواقعة من صميم الحياة الخاصة للمعنيين بها، وتفضل، وبكثير من الحذر، أن ترصد في الجدل الدائر، ما تراه مفيدا ومستجدا من قناعات لدى الرأي العام حول التعدد.وقالت أبوزيد لـ"الصباح"، إن "ما أتصوره مفيدا أكثر من الخوض في الحياة الخاصة للأفراد، هو رصد التفاعل الحداثي لفئات واسعة من الشعب المغربي ضد التعدد شكلا من أشكال عنف القانون ضد النساء، وحجم الرفض التلقائي لكثير من الشرائح والفعاليات المجتمعية من كافة الأطياف والمرجعيات له".ويعد هذا "التوسع في جبهة الحداثة داخل المجتمع المغربي"، في نظر النائبة البرلمانية، تفنيدا قويا لما "ما كانت تواجه به مطالب الحركة النسائية والأحزاب التقدمية، حين تطالب بمنع التعدد، من قبيل أنه حاجة ومطلب مجتمعي".وفي ظل ذلك، تؤمن المرشحة سابقا لمنصب رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، أنه يتوجب اليوم أن تتوجه مختلف ردود الفعل، حول قضية الزواج الحكومي، إلى "فتح نقاش وطني من أجل إعادة قراءة حق الدولة والقانون في تدبير المجال الخاص والمجال العام، ومدى تساكن سلطة المجتمع ومبدأ المواطنة"، و"تعديل مدونة الأسرة ومنع التعدد وجبر ضرر فئات واسعة من النساء والأسر التي تعيش ظروف الغبن والظلم بإباحة التعدد بمسوغات مختلفة". رسالة إلى الداخل والخارجويعد رشيد الحاحي، الباحث والناشط الأمازيغي، من بين النخب التي فضلت غض النظر عن "الجانب الشخصي وكل ما يعزى إلى علاقة حب وعشق قاهر"، في تفاعلها مع قضية زواج الشوباني وبنخلدون، ومحاولة قراءة الدلالات السياسية لخطوة الزواج، وتفكيك مضمون رسالة وجهت إلى الرأي العام بتلك الخطوة.وحدد الحاحي تلك الرسالة بالقول، إنها "وبكل وضوح، الحكومة تجيز تعدد الزوجات، وبمباركة من الزوجة أو الزوجات الصالحات، بل وتمارسه وتعطي النموذج للاقتداء به"، حينما "يتضح أن تعدد الزوجات وبرضاهن وإقدامهن، أي رضا وإقدام الزوجة الأولى والزوجة الثانية كذلك، هو خيار وزراء يحملون مسؤوليات سياسية ورمزية في حكومة المغرب".وتمتد الدلالات والرسائل السياسية، التي ينطوي عليها الحادث، إلى أكبر من هذا، حينما سيتأكد، حسب الحاحي، للدول والمنظمات والقوى الديمقراطية الخارجية المتتبعة للحالة المغربية الملتبسة، أن التعدد، "اختيار سياسي واع من طرف نخبة المجتمع ومسؤوليه الحكوميين".وبالتالي، يضيف الحاحي، أنه سيفهم من الأمر أن أولئك المسؤولين، "بقدر ما سيعملون من أجله عبر إمكانيات وأدوات الدولة وسلطها بما في ذلك السلطتان التشريعية والتنفيذية، بقدر ما يمارسونه تلقائيا في فضاء المجتمع ومن موقع مسؤولياتهم السياسية والعمومية". انخراط رسمي في أخونة المجتمعوليس الناشط الأمازيغي وحده من وضع الحادثة على طاولة تشريح الأبعاد، بل انضم إليه، حميد هيمة، فاعل حقوقي يساري يشتغل أستاذا لمادة التاريخ، فقال إن الواقعة، فعلا، شأن خاص يندرج ضمن سقف الحياة الحميمية للأفراد، غير أن السياق واللحظة السياسية، اللذين جاءت فيهما الحادثة، هو الذي يفرض طرح أسئلة مشروعة على مستقبل الوطن.ولم يتردد المتحدث، في التأكيد، على أن "تواطؤ الجهات الحكومية على إشاعة وتمرير ذهنية حريم السلطان، في دولة تدعي، دون كلل، انخراطها في الخيار الديموقراطي الحداثي، يوحي أننا بصدد انقلاب على هذا المشروع". كما "يؤكد، صراحة، أن الدولة غير جادة في تنفيذ التزاماتها الحقوقية والدستورية".وفيما جزم المتحدث، أن الحادثة، تنطوي على "انخراط في تبخيس النضالات الديموقراطية للمنظمات النسائية والحركة الحقوقية وتيار المواطنة في أنسنة وضع المرأة"، قال إنها، أيضا، تأكيد على الانخراط الرسمي في "المشروع التقليدي المحافظ، وفي أخونة المجتمع، وتنزيل مبكر لمقتضيات مسودة جنائية ستخطف المغاربة قهرا إلى عهد ما قبل الحريات".ورصد حميد هيمة، ملاحظة دقيقة إزاء الحادثة، وتتعلق بالوظيفة النظرية للشوباني في الحكومة وحقيقة سلوكه وإيحاءاته، فقال إنه "من الناحية السياسية، وزير العلاقة مع المجتمع المدني من المفترض أن يكون حريصا على تنمية السلوك المدني للمواطنات والمواطنين، وعلى الاجتهاد في إشباع السياسة الحكومية بكل الإجراءات التي تنشد تعميق قيم المواطنة ومبادئ المساواة"، غير أنه "وعكس هذا الاتجاه، تماما، يوحي سلوكه أننا بصدد مسؤول يعمل على تنزيل كل نزعات المحافظة والنكوص". العسولي: إهانة ورسالة سياسية قبل الإعلان الرسمي عن خطبة الوزيرين، تصدت فوزية العسولي، الوجه البارز في الحركة النسائية المغربية، لقيام حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، بإثارة الأمر واعتبرته تشهيرا بحياة الوزيرة سمية بنخلدون بناء على إشاعات، ولكن بعد أن تأكد الخبر، وانكشفت تفاصيل وظروف الخطوبة، قررت العسولي، تغيير موقفها والاعتذار لحميد شباط.واعتبرت فوزية العسولي، في موقفها الجديد، أن الزواج بين الوزيرين، وبعد أن صار حقيقة وليس شائعة، "مرفوض ومدان"، وأكدت أن "ارتباط وزيرين وهما يدبران الشأن العام، وإعلان وزير في حكومة إصلاحات دستورية تكرس الخيار الديمقراطي، تقدم أمه وزوجته لخطبة وزيرة، إهانة للمرأة المغربية ورسالة سياسية إلى المغاربة". امحمد خيي